إيلاف: من صدر للكاتب والباحث المغترب المقيم في باريس جواد بشارة كتاب "الثالوث المحير: الله، والدين، والعلمّ" في ثلاثة أجزاء، عن دار نشر داريبوكس في كندا. العنوان الفرعي للجزء الأول هو "لغز الألوهية" أما الجزء الثاني فحمل العنوان الفرعي "الصراع بين العقل الثيولوجي والعقل العلمي"، فيما حمل الجزء الثالث عنوان "المواجهة بين العلم والدين".

هذه محاولة للغوص في هذه المفاهيم الجوهرية الوجودية الثلاثة التي حكمت حياة البشر عبر آلاف السنين. فقد ناقشت هذه الدراسة البحثية المستفيضة مفهوم الله أو الإله وكيف نشأ في التاريخ القديم والحديث وخاصة الصورة التي قدمته بها الأديان السماوية ونصوصها المقدسة، كما ناقشت موضوع الدين وكيفية نشوء الأديان بمنطق تفكيكي وتحليلي نقدي بعيدًا عن القدسية.

تطرق الكتاب إلى التساؤلات الوجودية الكبرى عن الأصل والمصير ومحاولة سبر أغوار الجانب الخفي من الحقيقة الكونية وأصل الحياة ومصيرها، وذلك خارج مملكة الله السماوية وفي أعماق التعدد الكوني الأزلي والأبدي. فالكون في حقيقته متسامي ومطلق والإنسان فيه ضئيل وأقل من لا شيء، فالكون لا يهتم بالانسان وليس موجودًا من أجلهز

عرض الكتاب لمسألة وحدة الوجود الصوفية وحقيقة الكون المتسامي، كما تناول موضوع الكائنات التي تملأ الكون، وهي كائنات غير بشرية، وقدم رؤية مغايرة لقصة الكون المرئي. كما ناقش موضوع الصراع بين العلم والدين وكسر مسلمة تقديس السماوات من خلال عرض مفهوم الله بين العلم والفلسفة والدين وعرض بعض المطارحات الفلسفية والعلمية عن الكون والله، وتناول مسألة التعاطي مع العقل عند الأديان.

من وجهة نظر العلم، هل العقل قادر وحده على اكتشاف الحقيقة وإثبات وجود أو عدم وجود الخالق، من خلال دحض الأوهام والخرافات التي لعبت دورًا في تعطيل العقل وترهيبه بالخرافات ودحض الرؤية الغيبية والماورائية عبر مناقشة إشكالية الخلق والأزلية، ولم يتردد في نقد الآيديولجية الدينية وحقيقة الوجود بين الواقع والخيال عند الإنسان وكشف معضلة الوجود بين العلم والخرافة في الكون المرئي؟

الجزء الأول

تناول المؤلف في الجزء الأول موضوعاً هو غاية في الحساسية، يتعلق بلغز الألوهية وماهية الله من الناحية الفلسفية والثيولوجية الدينية أو اللاهوتية والعلمية عبر صفحاته الــ 460. أحتوى هذا الجزء على مدخل ومقدمة وتمهيد قبل الخوض في صلب الموضوع منذ الفصل الأول الذي جاء بعنوان "الله ذلك المجهول هل هو فرضية زائدة في العلم؟".

الفصل الثاني حمل عنوان" العلم والفلسفة يستجوبان الإله. ثم يستمر الكاتب في التعمق في مسألة الألوهية عندما يخصص للفصل الثالث عنوان استفزازي هو " هل الله من اختراع البشر؟" ثم يمضي إلى ابعد من ذلك في الفصل الرابع الذي تتوج بعنوان "هل نستطيع إثبات وجود أو عدم وجود الله؟"

عالج الفصل الخامس ثيمة فلسفية ودينية بعنوان "الله والشيطان ومعضلة الشر" التي أرقت البشر ونخبهم المثقفة ناهيك عن بسطاء الناس. واستمر الباحث في تناول الموضوعات المتعلقة بلغز الألوهية. في الفصل السادس الذي جاء بعنوان "نشوء الإلحاد والملحدين"، والفصل السابع تحت عنوان "الطبيعي والخارق للطبيعة".

أما الفصل الثامن فكان بمثابة عرض موجز لــ "علم الكونيات الملحد"، وفي الفصل التاسع يعود الكاتب إلى تطوير "إشكالية الآلهة والألوهية والله الواحد"، ويكرس الفصل العاشر لــ"بحث في الإلحاد".

الجزء الثاني

الله، من حيث المبدأ، كان وما يزال وسيظل لغزًا يصعب سبر أغواره من قبل البشر، في الوقت الحاضر على الأقل. تبارى الفلاسفة وعلماء الدين وعلماء الطبيعة كل من زاوية اختصاصه التعاطي مع هذا الموضوع الشائك كل ما لدينا لحد الآن مجرد إنشاء ومسلمات مفروضة وغير مثبتة وفرضيات لا حد لها حاولت وتحاول رسم صورة بورتريه لهذا "الله" الغامض المجهول والمعلوم في أن واحد والذي يحير ذوي العقول الواعية والعاقلة الذكية والمفكرة التي تتأمل في سره وماهيته وحقيقة وجوده أو عدم وجوده.

الجزء الثاني من الكتاب تميز بعنوان ثانوي هو "الصراع بين العقل الثيولوجي والعقل العلمي". في العادة، يذهب بنا التفكير إلى أن العقل الثيولوجي هو العقل الديني الذي تهيمن عليه الخرافة والأساطير وبالتالي هو عقل خرافي عمومًا يؤمن بالخرافات والمعجزات وانتهاك أو خرق القوانين الطبيعية.

على امتداد 454 صفحة، يتعاطى الباحث في مقدمة الجزء الثاني مع الحتمية والإرادة الحرة بين العلم والدين. ثم بعد ذلك يأتي الفصل الحادي عشر بعنوان "التطور والداروينية مقابل الإله التوراتي الخالق وتخريجة التصميم الذكي". في الفصل الثاني عشر، هناك إصرار من المؤلف على اعتبار أن "الله فرضية زائدة في العلم".

في الفصل الثالث عشر، هناك تركيز على مفهوم الدين كنص وابتلائه بآفة االقداسة وهو عبارة عن دراسة تفكيكية نقدية بعيدة عن التقديس للنص القرآني. تضمن الفصل الرابع عشر "تساؤلات وجودية كبيرة" حاول الكاتب الإجابة عتها ولو على نحو نسبي متواضع. في الفصل الخامس عشر، تغلغل الباحث إلى "الجانب الخفي من الحقيقة في مسألة الكون والحياة". ثم تحرر من أطر التقييد وسبح في الفصل السادس عشر "خارج مملكة الله: في أعماق التعدد الكوني الأزلي والأبدي". وهذا الأخير هو الكون الكلي اللامتناهي الذي تبوأ عنوان الفصل السابع عشر "سمو الكون المطلق ونبالة الكون المرئي وضآلة البشر" وبالتالي لا بد من مناقشة موضوع "الإنسان ما له وما عليه في الكون المرئي" الذي يعيش فيه كما جاء في عنوان الفصل الثامن عشر.

يمضي المؤلف قدمًا في التعاطي في الفصل التاسع عشر مع موضوع وحدة الوجود وحقيقة الكون المتسامي، في حين يعود في الفصل العشرين إلى طرح "سؤال قديم وسيبقى إلى الأبد ألا وهو هل نحن وحيدون في هذا الكون؟". كمثال للإجابة عن هذا السؤل كان بديهيًا أن يكون عنوان الفصل الحادي والعشرين "كائنات الفضاء الخارقة ونهاية التابو المحرم والكوزمولوجيا غير البشرية الأوميين نموذجًا"، وهي المرة الأولى التي يكون بوسع القراء الإطلاع على حضارة كونية غير بشرية بتفاصيل مشوقة.

ثم عودة إلى صلب موضوع الجزء الثاني من الكتاب في الفصل الرابع والعشرين "الله والكون بين العلم والفلسفة والدين". ومن ثم مراجعة معمقة في الفصل الخامس والعشرين من خلال "مطارحات فلسفية وعلمية عن الكون والله ومعضلة الشر" ومعضلة الأديان في تعاطيها مع العقل في الفصل السادس والعشرين ومناقشة "الأوهام الخطرة ودور الدين في تعطيل العقل وترهيبه بالخرافات" في الفصل السابع والعشرين.

الله الرب الخالق

في خاتمة الجزء الثاني مناقشة لــ "دعوة اللاهوت الرعوي بناء دفاعات جديدة" للدفاع عن فكر الرب الخالق إذ ظهر الإله Dieu متأخرًا في تاريخ البشرية. فالإنسان الموجود على الأرض منذ عدة ملايين من السنين لم يكن يمتلك فكرة واضحة ودقيقة عن شيء أو كينونة تدعى "الله أو الرب أو الخالق". ومن الناحية العلمية تشير التنقيبات الأثرية الآركيولوجية إلى أن أول تمثل لفكرة الألوهية ظهر قبل نحو عشرة آلاف سنة. كانت هناك ربات أنثوية déesses سبقت ظهور الإله، أو الآلهة. أما الإله الواحد الأحد الذي لم يلد ولم يولد، كما يقول المسلمون، والذي يعبد في أركان الأرض اليوم، بفضل الأديان التوحيدية الثلاثة الرئيسية، اليهودية والمسيحية والإسلام، فقد ظهر متأخرًا. وأول فكرة توحيدية كانت قد تبلورت في زمن الفراعنة في مصر في القرن الرابع عشر قبل الميلاد تحت حكم الفرعون أمنحتب الرابع Amenhoteb، الذي غير اسمه إلى "أخناتون" Akhénaton إشارة إلى عبادة إله الشمس والذي فرضه الفرعون كإله وحيد "آتون". لكن عبادة الآلهة المتعددة سرعان ما عادت بعد وفاة الفرعون آخناتون، واحتاج الأمر انتظار منتصف الألف الأول قبل الميلاد كي تختبر الديانة التوحيدية في إسرائيل من خلال عبادة يهوه Yahvé، وفي بلاد فارس من خلال عبادة آهورا مازدا Ahura Mazda.

فالأقوام البدائية في حقبة ما قبل التاريخ لم يعرفوا مفهوم الإله أو الآلهة. لا توجد آثار آركيولوجية أحفورية أثرية عن الدين الذي يسير حياة البشر آنذاك. وهي الحقبة التي سبقت التحول إلى العصر الحجري الحديث Néolithique قبل نحو إثني عشر ألف عام عندما بدأ أسلافنا بالتوطين والاستقرار في بقع أرضية وتأسيس تجمعات على هيئة قرى.

تطورت هذه الحياة في ما بعد إلى مدن، لكن توجد بعض المؤشرات التي تسمح لنا بتصور ما عن وجود معتقدات يمكن أن نسميها " دينية" لدى إنسان ما قبل التاريخ. أهم تلك المؤشرات طقوس الموت.

الجزء الثالث

يكرس بشارة الجزء الثالث من كتابه لموضوع "المواجهة بين العلم والدين" كعنوان فرعي على امتداد 646 صفحة. في الفصل الثامن والعشرين نجد "دردشة تأملية مع الغيب والماوراء"، وفي الفصل التاسع والعشرين يتطرق إلى "إشكالية الخلق والأزلية". في الفصل الثلاثين يتناول "التعاقب الحضاري للبشر واختلاق الديانات"، بينما يتناول الفصل الحادي والثلاثين "نقد الأيديولوجية الدينية والبحث عن جذور الإله الواحد".

ثم يمثل الاعتقاد الديني في الفصل الثاني والثلاثين كما لو أنه "فيروسات الإيمان بالله وبالأديان". الفصل الثالث والثلاثين حمل عنوان "وهم الوجود بين الواقع والخيال عند الإنسان: نحو مستقبل كوني لانهائ". في الفصل الرابع والثلاثين محاولة للبحث في "سر الوجود بين كيف ولماذا وأين ومتى أو الماوراء بين علمي الفيزياء والميتافيزياء". في الفصل الخامس والثلاثين عرض لــ "تطورات الكون المرئي فيزيائيًا وثيولوجيًا"، وفي الفصل السادس والثلاثين معالجة لــ "معضلة الخلود بين العلم والخرافة في الكون المرئي".

يتناول الفصل السابع والثلاثين مسألة "العلم وسر الكون المغلق"، ويتسائل الفصل الثامن والثلاثين "هل الحياة ظاهرة أرضية أم كونية؟". بعد ذلك، يعود السؤال الفلسفي للطرح في الفصل التاسع والثلاثين "هل كان الله مخيرًا في خلق أو عدم خلق الكون؟". في الفصل الأربعين، نكتشف أن "الحياة والكون وحدة لا تنفصم فهي جزء جوهري من الكون المرئي"، وبالتالي تواجه الأديان مشكلة التعاطي مع العقل في هذا الموضوع كما عرضها الفصل الحادي والأربعين. ويختتم الباحث أطروحته بــ"الكون بين الأطروحة العلمية والأطروحة الدينية".