يبدو الصيف في لبنان وكأنه يأبى ان يغادره، فيما موسم الامطار يتأخر مهدداً بتلف الموسم الزراعي وضرب السياحة الشتوية وبكوارث على صعيد شح المياه.
بيروت: يؤكد عميد كلية العلوم في الجامعة اللبنانية الاميركية البروفسور فؤاد حشوة ان تاخر هطول الامطار في لبنان quot;بات يهدد بعض الينابيع التي اصبحت كميات المياه فيها شحيحة جداquot;.
ويحذر الخبير البيئي quot;من ان استمرار الوضع على ما هو عليه يمكن ان يحدث كوارث وازمة كبيرة في بعض المناطقquot;. ورغم اقتراب فصل الخريف من نهايته، لا يزال لبنان محروما من الامطار والثلوج، وتبقى الحرارة مرتفعة لتلامس في احيان كثيرة معدلاتها خلال الصيف. ويشكو المواطنون من شح في المياه التي لم تعد تصل بانتظام الى منازلهم.
في طرابلس في شمال لبنان، رفع طلاب واساتذة مدرسة الاثنين اكفهم نحو السماء وتوجهوا الى الله بدعاء مستعجلين هطول الامطار. وكان مفتي الجمهورية محمد رشيد قباني دعا quot;جميع المفتين والعلماء والخطباء الى اقامة صلاة الاستسقاء في مساجد مناطقهمquot; غدا الجمعة.
كما طلب مجلس المطارنة الموارنة الاربعاء من quot;المؤمنين الصلاة ليجود الله على لبنان والمنطقة بالمطر الذي ينتظره الجميعquot;. ووزعت كذلك مجموعة من الشبان على موقع quot;فيسبوكquot; الاجتماعي على الانترنت دعوة لquot;الرقص من اجل المطرquot; في العاشر من كانون الاول الحالي في الوسط التجاري لبيروت.
ويشرح رئيس مصلحة الارصاد الجوية في مطار بيروت الدولي مارك وهيبه ان quot;تاخر الامطار وموجة الحر ليستا بالامر العادي ولا بالاستثنائي ايضاquot;. ويوضح لوكالة فرانس برس ان quot;الجديد في هذه المسالة ان موجات الحر والجفاف اصبحت تطول اكثرquot;.
وتفيد ارقام مصلحة الارصاد الجوية ان كميات الامطار التي سقطت منذ الاول من ايلول/سبتمبر الماضي وحتى الآن بلغت 51,2 مليمتر، علما ان كمية الامطار في الفترة نفسها من العام الماضي بلغت 214,8 مليمتر.
وبلغ معدل تساقط الامطار على مدى السنوات الماضية في هذه الفترة 112 مليمتر. ويهدد تاخر هطول الامطار والثلوج موسم السياحة الشتوية فوق جبال لبنان التي يقصدها محبو التزلج وسياح من دول اخرى، لا سيما خلال عطلة نهاية السنة.
ويقول جاد خليل وهو صاحب مشروع سياحي في منطقة فاريا (55 كيلومترا عن بيروت) المعروفة بمواقع التزلج فيها، quot;تاخرت الامطار والثلوج عن موعدها كما لم تتاخر منذ سنواتquot;.ويندر الزبائن في المنتجع الذي بات يعرض اسعارا مخفضة.
ويضيف خليل quot;خسرنا العام الماضي شهرا ونصف الشهر من عملنا في الشتاء بسبب تاخر الثلوج، وحاليا نترقب حجوزات لم تات بعدquot;، رغم ان عطلة اعياد نهاية السنة باتت قريبة. كما بدأ الموسم الزراعي يتأثر بشكل سلبي.
وتخشى وزارة الزراعة من خسارة موسم القمح الذي يعتبر مكونا غذائيا اساسيا. ويقول مدير عام الوزارة بالوكالة علي ياسين لفرانس برس quot;عادة، تكون الارض مروية في شهر تشرين الثاني/نوفمبر ما يسهل زراعة القمح، لكن حتى الآن لم يحدث هذا الامر (...) لذا فان موسم القمح في خطرquot;.
ويحذر ياسين من quot;تكرر الجفاف سنة بعد سنة (...) الامر الذي يمكن ان يؤدي الى التصحرquot;. عند مدخل مدينة صور في جنوب لبنان، يحمل صلاح مناع (59 عاما) المجرفة داخل حقله ويحاول فتح ممرات ترابية ليروي عبرها المزروعات.
ويهمس بصوت منخفض وهو يهز براسه quot;تصوروا اننا نروي المزروعات بانفسنا في فصل الشتاء (...) لا اعلم ماذا يحدث لهذا الكونquot;. ويقول رئيس تجمع المزارعين في الجنوب هاني صفي الدين انه quot;دق ناقوس الخطرquot;، مشيرا الى اجتماعات لمزارعي الجنوب للبحث في حلول.
وفي سهل البقاع (شرق) الذي تصنف ارضه بين الاراضي الاكثر خصوبة في لبنان، يؤكد المزارع محمد عباس (55 عاما) ان quot;موجة الحر اثرت سلبا على حوالى 80 بالمئة من مزروعاتناquot;. اما ابو علي مجيد (49 عاما)، فلا يتذكر quot;المرة الاخيرة التي حدثت فيها موجة جفاف مماثلةquot;، لكنه يامل في ان يتغير الحال قريبا.
ويهدد الجفاف شجرة الارز التي يتخذها لبنان شعارا مثبتا على العلم الوطني. ويقول المهندس الزراعي شربل لحود quot;ان خطر الجفاف المميت يستهدف الارزات الصغيرة بطول متر او اقلquot;. ويشكل غياب الامطار وارتفاع الحرارة احد اسباب الحرائق شبه اليومية التي تندلع في لبنان منذ اسابيع وقد قضت على مساحات واسعة من احراجه.
ويعتبر لبنان غنيا نسبيا بالمياه في العالم العربي وفيه حوالى اربعين مجرى مائي، بالاضافة الى وفرة المتساقطات، عادة، بالمقارنة مع دول مجاورة. ويرى حشوة ان موجة الجفاف الحالية quot;انذار كبير من اجل ادارة افضل للمياهquot;، داعيا الى بناء سدود لحفظ مياه الامطار.
ويطال هذا الانذار سوريا المجاروة حيث اعلنت الامم المتحدة في شهر ايلول/سبتمبر ان البلاد تواجه quot;وضعا خطيراquot; بسبب موجة الجفاف التي تعاني منها منذ اربع سنوات، والتي تعود في الاساس الى التغير المناخي في العالم.
ويتوقع وهيبه ان quot;يهطل المطر في لبنان في النصف الثاني من الفصل الشتويquot;، اي اعتبارا من اواخر العام الحالي. ويتمنى جاد خليل quot;ان يبرد الطقس حتى نشعل الموقدة ويكون للسائح ما يغريه للقدومquot;. ويتابع ضاحكا quot;على كل حال، فان حوض السباحة الصيفي هنا، بديل للتزلج، وهو مفتوح وحاضر لاستقبال من يرغبquot;.
التعليقات