لندن: يسعى العلماء أحياناً إلى إظهار أن ما يقومون به هو بعيد عن روح التنافس والغيرة القائمة في الحياة اليومية وبعيداً عن الطابع العشائري الذي يحكم العلاقات البشرية. لكن ما يجعل العلم متميزاً هو أن نتائج البيانات ستتم إعادة طبعها في نهاية الأمر ويتم من خلالها الكشف عن الحقيقة.

وضمن هذا السياق جاءت الرسائل الإلكترونية التي تمت قرصنتها من جامعة quot;إيست انغلياquot; البريطانية في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي لتكشف عن جهود كبيرة يبذلها علماء المناخ الذين يمثلون وجهات النظر السائدة كي يفرضوا رقابة على من ينتقدهم.

وأثارت المراسلات أسئلة كثيرة حول مدى فعالية وجهة نظر الزميل التي كانت موضع رقابة وحجب على يد الزملاء، وعلى مدى صوابية ما تعبر عنه اللجنة المختصة التابعة للأمم المتحدة والمعروفة باسم quot;لجنة ما بين الحكوماتquot; المعنية بملف التغييرات المناخية.

لكن العلماء الذين شاركوا في قمع وجهة نظر زميلهم ينكرون ذلك بل أنهم سعوا إلى الحفاظ على المعايير العلمية لإبقاء ما يمكن اعتباره علماً سيئا بعيداً عن المجلات العلمية ودوريات النشر المعنية بالمناخ. وضمن نظام الرقابة المفروض على البحوث المقدمة للنشر فإن اللجنة المشرفة تقرر قبول أو رفض هذا البحث أو ذاك ليأخذ مكانه في المجلات العلمية الموثوق بها عالمياً.

وكشفت الرسائل الالكترونية المكتشفة عما جرى وراء الكواليس من عرقلة لبحث قدمه أحد الزملاء الذين يمثلون وجهة نظر مخالفة لما هو سائد بالرغم من الجهود التي وضعها في بحثه والتي استغرقت سنوات لكن ذلك البحث صنف ضمن خانة عمل العلماء quot;المشككين بالتغييرات المناخية بسبب الغازات المنبعثة في الجوquot;.

ولذلك ظل البروفسور فل جونز الخبير البارز في ميدانه يطالب الباحثين الذين يطرحون وجهات نظر تعارض وجهات النظر السائدة بمراجعة بحوثهم. ومثال على ذلك جاء من خلال تسلم بيانات عن المناخ من محطات نائية في سيبيريا. ويبدو أن تلك المنطقة الواسعة قد شهدت زيادة في درجات الحرارة وصلت إلى 2 مئوي خلال القرن الماضي لكن في مناطق نائية كهذه تكون البيانات متفرقة وتفتقد للمواصلة المكثفة في قياس درجات الحرارة.

وكان جونز قد كتب في آذار/ مارس 2004 للبروفسور مايكل مان أحد المراجع المهمة في علم المناخ بجامعة ولاية بنسلفانيا قائلا له إنه قد رفض في الفترة الأخيرة بحثين قالا إن المعلومات المكتسبة من محطة سيبريا خاطئة وأضاف في الرسالة quot;إنني سأستغرب كثيرا إن تم نشر أي من البحثينquot;.

ولم يقل البروفسور جونز أي بحوث راجعها لكن صحيفة الغارديان اللندنية توصلت إلى أن أحدهما قد يكون من لارس كامل وهو عالم سويدي في فيزياء الفضاء كان يعمل في جامعة أوبسالا.
وكان كامل قد حلل سجلات درجات الحرارة في محطات تقع بجنوب سيبريا حول بحيرة بيكال وزعم أنه قد وجد أن الاحتباس الحراري هناك أقل بكثير مما أكده جونز.

وقال كامل لمراسل صحيفة الغارديان إن quot;سيبيريا هي قضية اختبارية لأن هناك افتراضا سائدا يرى أن معظم ما حدث من تسخين حراري خلال القرن العشرين قد جرى فيهاquot;. لكن بحثه على أهميته تم رفضه من قبل مجلة quot;جيوغرافيكال رسيرتش لترزquot; في تلك السنة.

وترك كامل العلم الأكاديمي ولم ينشر بحثه في أي مكان آخر لكن مسودة قدمت لصحيفة الغاردان كشفت عن تعارض في درجات الحرارة المسجلة في سيبيريا ما بين ما حصل عليه كامل وما حصل عليه جونز. ولا بد أن الأخير المسؤول عن تحرير المجلة كان يعرف أن نشر بحث كامل سيدعم وجهات نظر المشككين بتأثير الغازات المتصاعدة إلى الجو واعتبارها سبب الاحتباس الحراري.

ويرى المنتقدون لجونز مثل العالم المشكك البارز ستيفن ماكلنتاير أنه ظل يمنع نشر أي بحوث تعارض وجهة النظر السائدة بما يخص المناخ وأسباب التسخين الحراري إن quot;وحدة البحوث المناخيةquot; (سي آر يو) التي تعتبر سلطة علمية بارزة عالميا تمنع دائما أي مقالات منتقدة وتمنع وصول البيانات إلى المنتقدينquot;.

وأضاف أيضا أن منع نشر البحوث ذات الرأي المخالف عن الرأي السائد يقوض المزاعم التي تقول إن كل شيء يسير بطريقة علمية منصفة عند مراجعة بحوث الزملاء المخالفين لوجهات النظر السائدة.

في رسالة أخرى يكتب الباحث ادوارد كوك معبرا عن مخاوفه من نشر البحث قائلا: quot;إذا نشر البحث فإنه من الممكن أن يتسبب في إلحاق الأذى. فأنا لا أجد حرجا في رفضه مباشرة بالرغم من الحسابات فيه والتي تبدو مضبوطة لكنها تعاني من مشكلة كلاسيكية تتمثل في نواقص نظريةquot;.