قد يكون التلوّث الضوئي الناتج عن مصابيح الشوارع سبباً في التناقص "المقلق" بأعداد الحشرات خلال العقود الأخيرة الماضية، بحسب علماء.

وبيّنت دراسة بريطانية أن أضواء الشوارع الصناعية تشوّش سلوك فراشة العث الليلية، ما يخفض أعداد يرقاتها إلى النصف.

ويبدو أن مصابيح الشوارع التوفيرية وتُعرف اختصاراً بـLED لها التأثير الأكبر.

هناك أدلة علميّة متزايدة على أن الحشرات تتناقص بسبب عوامل مثل التغير المناخي وفقدان البيئة الطبيعية واستخدام المبيدات الحشرية.

وتتضافر عوامل معقدة تساهم في انخفاض أعداد الحشرات، منها تراجع مساحة الغابات والمروج والمستنقعات، واستخدام المبيدات بإفراط، والتغير المناخي وتلوث الأنهار والبحيرات.

ويشير العلماء أيضاً إلى أن استخدام الأضواء الصناعية خلال الليل يساهم في تناقص أعداد الحشرات، على الرغم من أن مقياس هذا التراجع لا يزال غير واضح.

ويقول الباحثون إن دراستهم التي نشرت في مجلة "ساينس أدفانسيس"، أقوى دليل حتى الآن على أن التلوث الضوئي قد يكون له تأثيرات ضارة على أعداد الحشرات المحلية، بما يحمله ذلك من عواقب على الطيور وأشكال الحياة البرية الأخرى التي تعتمد على اليرقات في طعامها.

وقال الباحث الذي قاد الدراسة دوغلاس بويز من مؤسسة "بترفلاي كونسيرفيشن" الخيرية: "في الأوضاع المحلية يمكننا أن نكون واثقين تماماً من أن التلوث الضوئي مهم، لكن الصورة تعتبر أقل وضوحاً إذا ما نظرنا إلى المشهد العام".

وأضاف قائلاً: "إذا كانت الحشرات في مأزق- كما نعتقد ولدينا الدليل الذي يدعم ذلك الاعتقاد- فربما علينا أن نفعل ما بوسعنا لتقليل تلك التأثيرات السلبية".

يعتقد الباحثون أن أضواء الشوارع ربما تعمل على ردع فراشات العث الليلية عن وضع بيضها أو تُعرض تلك الحشرات لخطر كشفها والتهامها من قبل الحيوانات المفترسة كالخفافيش.

وفي المقابل، فإن اليرقات التي تخرج من شرانقها تحت أضواء الشوارع، وبخاصة المصابيح الموفرة للكهرباء، تغير من عاداتها الغذائية.

لكن هناك حلول عملية لا تُقوض السلامة العامة، كما يقول العلماء، تشمل تخفيف الإضاءة في الشوارع في ساعات المساء الأولى وتركيب مجسات حركية أو استخدام مرشحات (فلاتر) لونية لإزالة الموجات الضوئية الأكثر ضرراً.

وخلال الدراسة، عاين خبراء من مؤسسة "بترفلاي كونسرفيشن" وجامعة نيوكاسل ومركز البيئة والهيدرولوجيا في المملكة المتحدة بمعاينة اليرقات على مساحات ممتدة من المروج وعلى سياجات جوانب الطرقات في جنوبي إنجلترا.

وقارن الخبراء كل موقع من المواقع الـ 26 المضاءة بمصابيح الشوارع في أكسفوردشاير وبيركشاير وباكنهامشاير مع امتداد مماثل من طرق غير مضاءة في الجوار.

وأظهرت الدراسة الاستقصائية انخفاضاً في أعداد اليرقات بمعدل حوالي النصف في المناطق المضاءة (47 بالمئة في سياجات الطرق و33 بالمئة في هوامش الطرق العشبية).

وفي تجربة أخرى، وضعت رافعات ضوئية في الحقول. ووجد الباحثون انخفاضاً في أعداد اليرقات تحت مصابيح "ليد"، ما يوحي بوجود تأثير للضوء على سلوكها الغذائي.

يشعر العلماء بقلق متزايد إزاء تراجع أعداد بعض الحشرات.

وأشارت دراسة علمية لأعداد الحشرات في 2019 إلى أن 40 بالمئة من أجناس الحشرات تعاني من "معدلات تراجع كبيرة" حول العالم.

وقالت الدراسة إن النحل والنمل والخنافس تختفي بمعدل أسرع بثماني مرات من الثدييات والطيور أو الزواحف، بينما من المرجح أن تزدهر أعداد أنواع أخرى من الحشرات مثل الذباب المنزلي والصراصير.

إن فقدان الحشرات له عواقب بعيدة المدى بالنسبة للنظام البيئي برمته.

فالحشرات توفر مصدراً غذائياً للكثير من الطيور والبرمائيات والخفافيش والزواحف، بينما تعتمد النباتات على الحشرات في عملية التلقيح.