إيلاف من بيروت: تمكّن باحث مصري من جامعة الأزهر بمشاركة فريق من جامعة هارفارد وجامعة إلينوي ومراكز بحثية أميركية من تطوير نموذج حاسوبي يعمل بتقنيّة الذكاء الإصطناعي قادر على تحليل مرض السرطان بدقة ممّا يقود لاكتشاف علاجات لهذا المرض الخبيث فضلًا عن محاصرته في مرحلة مبكرة قبل انتشاره.

وقد احتفت مجلة نيتشر العلمية العالمية بالإنجاز الذي توصّل إليه الباحث المصري وفريقه ونشرت بحثهم مع إشادة من كبار المتخصّصين بما حقّقوه.

الباحث هو الدكتور هيثم عبدالرحمن المراكبي، المدرس بقسم النظم والحاسبات في جامعة الأزهر والباحث بمركز دانا فاربر للسرطان بجامعة هارفارد الأميركية.

دراسة السجّل الجيني

وقال الدكتور هيثم إنه تمكن مع الفريق البحثي والذي هو أحد باحثيه والباحث الأول في الدراسة التي نشرت مؤخّرًا في مجلة نيتشر العالمية، تمكّن من دراسة السجل الجيني لأكثر من ألف مريض من مرضى السرطان وتحديد ما إذا كان السرطان في كل مريض من النوع المبكر أم من النوع المتقدّم المقاوم للأدوية والذي انتشر أو قد ينتشر إلى أعضاء أخرى.

وأضاف إنّه في هذه الدراسة قام الفريق البحثي بتطوير نموذج حاسوبي غير تقليدي يعتمد على تقنيات الذكاء الإصطناعي وتعلم الآلة وتحديدًا التعلم العميق (Deep Neural Networking) والذي يمكنّه تحديد مرحلة السرطان أوتوماتيكيًّا بعد تدريبه على السجلات الجينية للمرضى.

وتابع أنه استطاع النموذج الحاسوبي المطوّر المعروف باسم (لوغاريتمات التعلّم العميق) تحديد مرحلة السرطان بدقة للمرضى ممّا يعني أن النموذج يستطيع التمييز بين السرطان المبكر والمتقدّم عن طريق تحليل السجل الجيني للمريض.

وأوضح أنه يمكن استخدام هذا النموذج لمعرفة احتمالية أن يبدأ السرطان لدى المريض في عملية الإنتشار الخبيث ممّا يسهّل على الطبيب المعالج اتخاذ التدابير اللّازمة مبكرًا وقبل فوات الأوان.

وأكّد المراكبي أنه بالنظر لأبعد من مجرّد التنبؤ باحتمالية تطوّر السرطان فإنّ أحد مخرجات البحث المذكور المهمة هو تقديم تفسيرات لهذه التنبؤات "إذ أنّ أحد أهم عيوب النماذج الحاسوبية المعتمدة على تقنيات الذكاء الصناعي المستخدمة حاليًّا هي عدم القدرة على معرفة كيفية عمل هذه النماذج من الداخل أو إيجاد تفسير للقرارات التي اتخذتها هذه النماذج، فهي تعتبر كصندوق أسود يقوم بأداء مهمته دون الإفصاح عن تفسير لطريقة عملها".

بناء آلية مبتكرة

واستطرد أنه: "على العكس من ذلك استطاع الفريق البحثي بناء آلية مبتكرة تتيح للنموذج الحاسوبي المستخدم ليس فقط التمييز بين السرطان المبكر والمتقدّم بل وأيضًا تقديم تفسيرات عن التغيّرات والجينات والعمليات الحيوية المرتبطة بعملية انتشار السرطان".

وأوضح أنه باستخدام هذه الآلية المبتكرة استطاع مع الفريق البحثي تحديد عدد من الجينات المهمة المعروفة والتي أمضى العلماء سنوات طويلة في دراستها لمعرفة مدى تأثيرها على انتشار السرطان، بينما اكتشفها النموذج الحاسوبي الجديد تلقائيًّا.

وبالإضافة إلى قدرة النموذج المبتكر على إعادة اكتشاف عدد من الجينات المعروفة، فإنّ الفريق البحثي استخدم نفس الطريقة لاكتشاف عدد من الجينات الجديدة التي لم تكن معروفة في عملية انتشار سرطان البروستاتا من قبل، بحسب ما أكّد المراكبي.

تجارب مكثّفة معملية

وقال الباحث إنّ الفريق قام أيضًا بإجراء تجارب مكثّفة معملية على أحد هذه الجينات الجديدة وتبيّن أنّ نشاط هذا الجين يزيد من مقاومة الخلايا السرطانية للعلاج في المعمل.

واستخدم الفريق البحثي تقنية حديثة لتعديل الجينات تسمّى كريسبر (مكتشفي هذه الطريقة هما الحاصلتين على جائزة نوبل لعام 2020 في الكيمياء) لإيقاف عمل هذا الجين المكتشف، ووجد الفريق البحثي أنّ الخلايا السرطانية المعملية بدأت في الإستجابة للعلاج بعد إيقاف عمل هذا الجين، مما يفتح الباب أمام بدء التجارب السريرية لتجربة العلاج الذي يوقف نشاط هذا الجين على المرضى، وفقًا للدكتور المراكبي.

وقال المراكبي: "نأمل حاليًّا أن تقوم إحدى الشركات العالمية ببدء التجارب السريرية على هذا الجين المكتشف في البحث لدراسة إمكانية استخدامه في علاج سرطان البروستاتا، كما يأمل الفريق البحثي في تكرار هذه الدراسة الناجحة والتي تجمع بين المعرفة الطبية والبيولوجية والحاسوبية على سرطانات مختلفة مثل سرطان الرئة وسرطان الجلد. "

ووفقًا للمراكبي يعتقد الفريق البحثي أنّ هذه الدراسة ستكون مفيدة في معرفة طرق استجابة مرضى السرطان للعلاجات المناعية ممّا يسمح بتطوير علاجات جديدة للسرطان، وأنّ التوسع في استخدام التحليل الجيني للمرضى وتقنيات الذكاء الصناعي سيفتح آفاقًا غير مسبوقة في البحث والمعرفة وتطوير الأدوية للأمراض المستعصية وأنّ مصر يمكنها الدخول لهذا المجال الجديد بقوة إذا ما توفّرت الموارد والدعم اللّازمين لشباب الباحثين.

الدكتور هيثم عبد الرحمن المراكبي

ولد الدكتور هيثم عبد الرحمن المراكبي في قرية كفر طبلوها بمحافظة المنوفية شمالي القاهرة والتحق بالمعهد الديني الأزهري بشبين الكوم والتحق بكلية الهندسة جامعة الأزهر وتخرّج منها بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف وكان ترتيبه الأول على دفعته وعُيّن معيدًا بذات الكلية، وحصل على الماجستير من جامعة القاهرة في هندسة الحاسب، ثم حصل على الدكتوراه في علوم الحاسب من جامعة فرجينيا تك بالولايات المتحدة وتخصّص في أبحاث الذكاء الصناعي وتطبيقاته في مجال الصحة وعلاج الأمراض.