إيلاف من بيروت: "علاقتي بعملي نوع من الجنون"؛ تقول مصممة المجوهرات المصرية عزة فهمي واصفة عشقها مهنتها، والذي توّجها إحدى رائدات تصميم الحلي في مصر، وأذاع صيتها إقليمياً‭ ‬وعالمياً. وهي تضيف في لقاء خاص نشرته مجلة How To Spend It Arabic في عددها الأحدث: "لا أُخرج من يدي قطعةً لا أحبها حباً خالصاً، وعندما أحبها يحبها الناس، والحب الذي أدسّه فيها يمسّ قلوبهم".

بدأ رحلة عزة فهمي في تصميم المجوهرات قبل عقود، حيث أمضت سنوات طويلة متنقلة بين ورش خان الخليلي، متتلمذةً على أمهر الحرفيين في قلب القاهرة الفاطمية. ومن روح ذلك الحي الذي يعجّ بالآثار الإسلامية، استوحت فكرة مزج الكتابة والثقافة والتاريخ بالحلي، على ما يؤكد التقرير الخاص المنشور عنها في المجلة.


عزة فهمي صغيرةً‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬عائلية‭ ‬إلى‭ ‬أبيدوس‭ ‬المصرية

تتذكر عزة فهمي لحظات البداية بالقول: "يوم جلست أول مرة في ورشة الحاج رمضان، ورأيت من مشغله قبّة جامع الناصر محمد قلاوون، أجمل ما اجترحَهُ الفن المملوكي، رأيت أسفلها كتابةً أوحت لي بالفكرة". وهي تساءلت آنذاك في سرها لماذا لا تدخل النص إلى المَصوغ؟". مستدلةً بالعقد الشهير للملكة شجرة الدر وقد حُفر عليه "عزٌّ دائم"، الموجود في المتحف الإسلامي بالقاهرة، تتابع: "عندما رأيت تلك القبّة، قررت أنني أريد أن أكتب شعراً على الحلي". نالت تلك المجموعة شهرةً تؤيد اعتقاد فهمي أنها كانت "فكرة رائعة".

جبران وصلاح جاهين
يشرح التقرير كيف استوحت عزة فهمي يعض أعمالها من أشعار ابن حزم الأندلسي وصلاح جاهين وجبران خليل جبران، وأبرز ما أخذت عن هذا الأديب اللبناني العالمي عبارته "لقد جمعنا الحب فمن يفرقنا"، وهي من أقرب تصاميمها إلى قلبها. ولم تكتفِ باستلهام الثقافة العربية، فولّت وجهها ناحية الفنون الأخرى، الأفريقية والمغولية والفرنسية، وفنون الحقبة الفيكتورية. ودرست عزة فهمي الحضارة الفرعونية، وكانت البداية بفهم رموزها، فالفن الفرعوني حافل بالرموز. تقول: "على سبيل المثال، نخبت هي الأم الحامية، وهي إلهة فرعونية تتخذ شكل النسر، فنرى الطائر وقد مدّ جناحيه فوق عشه ليحمي بيضه من الشمس ومن الطامعين، فأطلقنا اسم نخبت على عقد في المجموعة".

على الدرب نفسه
يقول التقرير إن عزة‭ ‬فهمي‭ ‬تكنّ إعجاباً‭ ‬واحتراماً‭ ‬شديدين لابنتيها فاطمة وأمينة. تقول: "لقد تشرّبتا الصّنعة". وهما رافقتاها بحسب التقرير "منذ طفولتهما إلى محترفها في العطلات المدرسية، وكان طبيعياً أن تختارا العمل معها بعدما أتمتا دراستهما". وتتولى فاطمة الإدارة والتسويق،، فيما اختارت أمينة أن تخطو خطوات والدتها في تصميم الحلي، وهي أدخلت إلى الصنعة خطوطاً حديثة وجريئة.


المصممة‭ ‬وابنتاها‭ ‬فاطمة‭ ‬وأمينة
تؤكد عزة فهمي في التقرير أنها فخورة بابنتيها، معترفةً بأن تأثيرهما فيها وفي Azza Fahmy Jewellery كان كبيراً جداً. فهما "ساهمتا في انتهاج أساليب جديدة. أنا أصنع قطعاً ناجحة، لكن لا بد من خطة تسويقية ومن استراتيجية ناجحة. دخلنا الساحة العالمية، وكان يجب أن نعمل طبقاً لقواعد هذه الساحة، وأنا لا أستطيع ترك عملي لأتعلم ذلك".

كان انضمام فاطمة وأمينة إلى Azza Fahmy Jewellery أمراً طبيعياً، نابعاً من قرارهما الشخصي. فقد كانتا مساعدتيها منذ صغرهما، وقد أطلقت علامةً تجاريةً ناجحة. تتذكر فهمي بسعادة يوم هاتفتها أمينة من متحف Hermitage في روسيا، وظلت تحدثها نصف ساعة عن حلي آل رومانوف الذين حكموا روسيا حتى الثورة البلشفية في عام 1917. تقول: "كان قلبي يرقص فرحاً. شعرت أنني غرست فيها غرساً جميلاً، وها هو يُزهر الآن".


عزة فهمي‭ ‬بيدها‭ ‬صقرٌ


عزة فهمي‭ ‬تلميذة‭ ‬جامعية

يقول التقرير إن عزة فهمي ترسم تصاميمها رسماً بالقلم على الورق، فهي لا تميل إلى استخدام التقنيات الحديثة لترجمة إلهامها. تقول: "الحاسوب يُزيل عن التصميم اللمسة الإنسانية. أرسم بيدي لأن إحساسي يظهر في الرسم، وأترك الجانب التقني للآخرين". بالنسبة إليها، السعي وراء المكسب أثَّر سلباً في إبداع المصممين في العالم، مقارنةً بأزمنة كانوا يطلقون فيها العنان لإبداعهم من دون التقيّد بالقيود المادية. تقول: "فقد المصممون الكثير بحثاً عن المال".

‬كتاب‭ ‬مذكرات عزة ‬فهمي‭ ‬"أحلام‭ ‬لا‭ ‬تنتهي"
ينبع هذا الرأي بحسب التقرير من جانبها العصامي، هي التي علّمت نفسها بنفسها، واعتمدت على قوة إبداعها، وهذا ما صقل شخصيتها، وقوّى عزيمتها، وجعلها أكثر التصاقاً بالفنانة التي في داخلها، وأشد حزماً في عملها. لهذا، لا تتردد في نقل معرفتها إلى أخريات بتأسيسها مؤسسة عزة فهمي منذ عشرة أعوام، ومدرسة عزة فهمي لتصميم الحلي. تقول: "المؤسسة مشروع خيري يعمل على مشاريع لتطوير مناطق نائية من طريق التدريب وتطوير الحرف".


تلامذة‭ ‬عزة فهمي‭ ‬في‭ ‬المشغل


إحدى‭ ‬تلميذات عزة‭ ‬فهمي‭ ‬تستخدم‭ ‬الطرق‭ ‬في‭ ‬تصميم‭ ‬المجوهرات

لا تغادر عزة فهمي بحسب التقرير مصر. تقول: "كالسمكة التي إن خرجت من الماء تموت. وجودي في هذا البلد. إنني محظوظة أن أكون في هذا الجزء من العالم". لهذا أطلق عليها الشاعر الفلسطيني محمود درويش لقب "العصفورة الوطنية". تُضيف: "أشعر أنني مرتاحة لأنني أترك ورائي عصافير كثيرة عرفت كيف أغرس فيها شيئاً ما، وأتمنى أن أكون قد نجحت في ذلك". في بالها أن تقيم متحفاً للحلي، يضم إبداعاتها وإبداعات أخرى من حلي تقليدية على مر التاريخ، وهذا واحد من "أحلام لا تنتهي".. تماماً كعنوان مذكراتها التي نشرتها أخيراً.