الأزمة الحالية بين الإدراة الأميركية وإسرائيل، فيها نظريتان: الأولى يغلب عليها التشاؤم وترى فيها خلافا سطحيا بين حليفتين استراتيجتين، لا يلبث أن يزول، والثانية: يغلب عليها التفاؤل ترى في الأزمة بداية مواجهة أمريكية إسرائيلية، ربما تدفع واشنطن إلى الإنقلاب على حليفتها، والضغط عليها لتطبيق استراتيجتها الخاصة بإقامة دولتين.
الواقع أن هناك مبررات كثيرة يسوقها من يقفون وراء وجهة النظر الأولى، ومن بينها نجاح إسرائيل في الغالب في جر واشنطن وراء خياراتها في الشرق الاوسط، وقد نجحت هذه المرة بدليل اعتراف اوباما بالعجز عن إحياء مفاوضات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وتراجعه عن مواقفه السابقة، في مقابل نجاح نتنياهو في فرض الأمر الواقع، ورفضه تجميد الاستيطان في القدس المحتلة، بل والسعي الى تهويد القدس.

أما المتفائلون فيرون أن من الصعب أن يتصور المرء أن quot;دولة لقيطةquot; بحجم إسرائيل تستطيع أن تفرض إرادتها على القوى العظمى في العالم إن لم تكن أهداف واشنطن، تتوافق مع أهداف اسرائيل، فاللوبي الصهيوني يوجه بَوصلة السياسة الامريكية إذا انحرفت عن مسارها فيما يخص إسرائيل، ويجبر الإدارة الامريكية على إلتزام دعم اسرائيل، ومصالحها أيا كانت سياستها أو خياراتها حتى لو لم تتوافق مع الإدراة الامريكية.

هناك أمثلة في السياسة الامريكية تجاه اسرائيل، توضح قدرة الولايات المتحدة على إجبار إسرائيل على تغيير سياستها في بعض القضايا الى حين، خاصة في المسائل التي قد لا تؤثر فيها بشكل جوهري، فعلى سبيل المثال إستطاع الرئيس الامريكي جورج بوش الأب في عام واحد وتسعين إجبار اسرائيل على وقف الإستيطان حين أعلن تجميد عشرة مليارات دولار من المعونات المقدمة للإستيطان، وهو ما يوضح أن أدارة اوباما تراجعت كثيرا أمام سياسة نتنياهو.


لا يخفى على أحد أن إسرائيل التي ترفض القرارات الدولية، وترى نفسها فوق القانون ليست سوى دولة صغيرة تستند إلى الدعم الأمريكي في الهروب من قرارات الإدانة الدولية ب quot;الفيتو الامريكيquot; ضد كل ما يدين إسرائيل في مجلس الأمن والهيئات الدولية فضلا عن المعونات الامحدودة، والدعم الامريكي دفاعيا وتكنولوجيا وعلميا حتى باتت التكنولوجيا المتطورة تصل إلى إسرائيل مباشرة قبل أي دولة في العالم، بل هناك دول لا تصل إليها تكنولوجيا عسكرية ونووية لأنها قد تشكل خطرا على إسرائيل.
إذن، العلاقة بين تل ابيب وواشنطن، علاقة تعاون وتفاهم، تحاول من خلالها إسرائيل أن توضح للإدارة الامريكية سلامة نهجها في حال حدوث خلاف من قبيل الخلاف الحاصل حاليا بين خيارات إدارة اوباما الإستراتيجية في الشرق الاوسط، والتي تجنح إلى التهدئة بعد أن أخفق خيار الحرب الذي كان أساسيا لدى المحافظين الجدد، وخيارات حكومة يمينية يرأسها نتنياهو ولا يعني هذا التناقض صعوبة التفاهم والتوصل الى أرضية مشتركة تضمن مصالح الولايات المتحدة.

لكن نجاح نتنياهو في فرض إرادته على إدراة اوباما، يعني هزيمة لأوباما الذي كان العالم العربي يعلق عليه آمالا كبيرة، وتراجعا لدور الولايات المتحدة في العالم وصدقيتها، وفي هذه الحالة تصبح واشنطن منقادة لأسرائيل وخاصة للحكومة اليمينية التي يرأسها نتنياهو، وهذا يعني أن اوباما خضع لأسرائيل في توجيه سياسته في المنطقة، وهذا في حد ذاته هزيمة للناخب الامريكي الذي أعطاه صوته، ونهاية لدور الولايات المتحدة الذي هو آخذ في في الأفول.

إعلامي مصري