عشقت الكتابة في صغري ..ولكني وبعد تخرجي لم أقدرها حق قدرها ولم أفهم معنى عمق الكلمه وقدرتها على التأثير ورفضت إلا أن أعمل في مجال دراستي الجامعيه (بكالوريوس إقتصاد وعلوم سياسيه ) إعتقدت واهمة بأن العالم العربي سيحتضنني بشهادتي تلك وسأستطيع الحصول على وظيفة في مجال دراستي .. لم أكن أفهم حدود وضعي وبأنني كإمرأه معرضه للتمييز ولكل أنواع الحط من قيمتها وقيمة دراستها في العالم العربي الذي لا يراها سوى كمدبرة منزل وطباخه..بعد أن إعتقدت واهمة بمساواتي مع أي رجل خريج مثلي .. عشقت مصر خلال دراستي فيها..

عشقت شعبها الطيب الذي وخلال محنة 67 إحتضنني واستلمت خلالها عدد من المكالمات الهاتفيه من أناس طيبين لا أعرفهم سمعوا بغربتي وكلموني لمد يد المساعدة لي في هذه المحنه ..ولكني لم أعرف أن هذه الطيبه من المستحيل لها أن تترجم كسياسه لتحضنني كإنسانه بعد التخرج لا تعرف ماذا ستفعل في بلد محتل .. إنتقلت بعدها لأعمل في إحدى الدول العربيه النفطيه .. وهناك ولأول مرة فتحت عيناي على معنى الثروه لأصحاب البلد .. والتفرقه في كل نواحي الحياة بما فيها رواتب المغتربين والكادين وراء لقمة العيش ..و بعد أن كنت أحمل الكثير من الآمال والطموحات دفنتها لأستطيع العمل ودفع إيجار شقتي المتواضعه لصاحب العماره المواطن الأصلي .. بينما القانون يمنع المغترب من أي بلد عربي من شراء أي عقار .. ثم تغربت عن العالم العربي وسافرت وعشت في انحاء كثيره من العالم .. وإن لم يفارقني الحنين والشوق إطلاقا للعالم العربي .. ولمصر بالتحديد .. ولكني وفي خضم الحياة ومحاولة التأقلم ثم الإندماج إنخرطت في حياة جديده إكتشفت فيما بعد إثرائها لنفسي .. ولعقلي .. والأهم إثرائها لإنسانيتي وحمايتها لكرامتي من خلال قوانينها الموثقه بحقوق الإنسان.. وتلاشت أحاسيسي بالغربه .. وإن لم يتلاشى حنيني وخوفي على المنطقه العربيه .. وبالذات على إنسانها المقموع .. والذي وفي كثير من الأحياه لا يضمن لقمة عيش .. وتسلط الأنظمه القمعيه عليه حتى في لقمته .. ودفعني الحنين والشوق والأهم الخوف على مستقبل هذا الإنسان للعودة للكتابه مرة أخرى أعبر فيها من خلال تجربتي في العالم الغربي .. وما رأيته وتعلمته من هذا العالم لأنقله بكل ما أستطيع من قدره وجرأه لفتح حوار صادق بين الإنسان العربي ونفصه احيانا ليختار ما هو الأصلح والأنفع له على المدى القريب والقصير.. حاولت جاهدة أن أنقل صوره صادقه للعالم من حولي وخاصة بعد تلاشي الحدود بيني وبين هذا العالم .. لإيماني بان هذه طريقة حياة تضمن لنا جميعا القدره على تقبل الآخرين .. والتعايش .. وإعطاء صوره مضيئه عن الجوانب المضيئه في ثقافة وحضارة الإنسان العربي .. بدون تبجح .. وبدون مغالاة ..وبدون تعصب .. لأننا بشر مثل بقية الخلق..


أرسلت كتابتاتي للعديد من الصحف العربية. ولكنني قوبلت إما بالرفض أو بحذف أهم ما في كتاباتي .. وبالفعل حاولت بكل الطرق أن أوصل رسالة الكتابه الهادفه والمستنده للبحث وللحقائق في كل ما أكتبه. وضعت قلمي تحت ضوء وسيطرة ضميري على كل كلمه .. ومع ذلك رفضت كتاباتي..


وبالصدفه قابلت صديقا عرفته أخبرني عن إيلاف .. لا أعلم بالتحديد ما إذا كان هو وراء نشر مقالاتي أم لا. ولكنني وفي كل الأحوال مدينة بالشكر العميق له .. لأنني وجدت ولأول مرة مقالاتي تنشر كما هي .بدون حذف ولا رقابة .. . ومع الوقت إكتشفت إيلاف كضوء شمعه يأبى أن ينطفىء برغم العديد من التعليقات المحبطه سواء للكاتب ام للجريده .. تأبى إلا أن تحافظ على هذا الضوء.. تنير القلوب .. متخذة الإنسانيه كجسر يربط بيننا جميعا .. ويفتح آفاق الحريه الفكريه بدون رقابه .. وبعدم السماح بإستعمال ألفاظ جارحه.

تمنياتي للجريده وللعاملين بها كل الخير.. والإستمرار في كسر حاجز الخوف من التعبير الهادف والإيجابي لأنه الطريق الوحيد للحريه التي هي الطريق للديمقراطيه التي نتمناها لكل المنطقه العربيه.

باحثه وناشطه في حقوق الإنسان