عند النظر الى ثقافة الكفاح والمطالبة بالحقوق سواء على مستوى النخب والنظم الحاكمة او حتى الرأي العام في العالم العربي، منذ وجود إسرائيل 1948 وحتى الآن، نجد تبلور نمطين للكفاح لاستعادة الأرض شتان ما بين نتائجهما، الأول؛ نمط يعتمد على استخدام العقل لتخطيط والإعداد، سواء بالحرب او بالأدوات الدبلوماسية،لإرجاع الحقوق. والنمط الثاني تجلت قمة عبقريته في إلهاب مشاعر الجماهير الغفيرة، وتوظيف كل ما هو قومي وما هو دينى تجاه مغتصبي الأرض لخلق شرعية للنخبة والتعتيم على فشلها في الداخل. وتاريخ السياسة في المجتمعات العربية حافل بالأحداث والوقائع التي تدلل على هذا النهج ؛ مثلا الرئيس جمال عبد الناصر، منتصف الخمسينيات من القرن الماضي قام باستعداء القوى الدولية بقرارات وسياسات خارجية استفزازية وتوظيف ذلك الحدث لخلق شرعية في الداخل والذي كانت نتيجته تحالف كل من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل والعدوان على مصر عام56، ثم هزيمة 67 التي لم تختف نتائجها لا ماديا بوجود أراض محتلة حتى الآن ولا نفسيا ومعنويا في الأجيال التى عاصرتها.

وقد توارى للوراء في الفترة من عام 67 وحتى حرب 73 النمط الثاني المتمثل في الظاهرة الصوتية لأسباب عديدة ؛ أولها انكشاف حقيقة الشعارات الجوفاء التى كانت تلهب بها النخبة الجماهير وثانيها أدت مرارة الهزيمة مراجعة للذات وللنظر للأمور برؤية واقعية بمبنية على التعقل والمنطق أدت في النهاية الى حرب أكتوبر 1973.وعقب ذلك وخاصة عندما مع بدا التمهيد بدخول في تفاوض لاسترجع الأرض المحتلة والدخول في سلام مع إسرائيل بدأ فريق الكفاح عن طريق الصوت يتسيد الرأي العام الى ان تم اغتيال الرئيس السادات في عام 81 الذي حارب واسترجع الأرض. وهذه الواقعة تثير التساؤلات الكثيرة؛ هل نحن لا نستطيع ان نميز ما بين الانتصار والهزيمة، ولماذا هناك حنين للهزيمة والبكاء على أطلالها اكثر من طلب الانتصار والتغنى به؟ وليت الرئيس صدام قد تعلم من الدرس وظروف هزيمة مصر الناصرية وجيرانها العرب عام 67.. وانما صار على نفس النهج وزاد عليه بدخوله في صراعات إقليمية انتهت بإنهاك قوته واحتلاله دولة عربية أخرى وتهيئة الظروف والأسباب لتواجد أصحاب المصالح الدولية عسكريا في المنطقة وفرض الحصار على العراق ثم احتلاله..

وعلى الرغم من كل هذه المآسي واحتلال الأراضي لم يخفت نمط الكفاح عن طريق الصوت وإلهاب الجماهير بل زاد وأخذ أشكالا جديدة في عصر العولمة. فظهرت تحالفات تعمل ليس لبناء القوة داخل مجتمعاتها من أجل استعادة ما احتل من أراضيها وانما تعمل على هدم مجتمعاتها انسياقا وراء شعارات دينية، لا تختلف عن سابق الشعارات التى رفعت قبل هزيمة 1967، وفي الفترة التي أدت الى احتلال العراق، وباتت شرعية هذه الكيانات مبنية على هذا الواقع المهزوم من احتلال إسرائيل للأرض العربية، وكأن تحريرها يسلبهم شرعيتهم، فبدأ التحالف العابر للدول، الموظف بطريقة ملهبة للجماهير قضايا الصراع العربي الإسرائيلي لصالحه ولصالح خلق شرعية جديدة له، فلم يعول على ما تحقق من تواجد على ارض الواقع للفلسطينيين بل يريد ان يمحو هذا الوقع الذي لم يكن شريكا في تحقيقه، وبدأ يلعب لعبة مصيرها لن يختلف عن مصير 67 او مصير سياسات الرئيس صدام حسين. فالقضية ليس في حماس الداخل وباقي القوى الفلسطينية التى تكافح من أجل تحرير أرضها وانما القضية تتمثل في الوجه الآخر لحماس الاخوانية التى تدخل في تحالفات عبر دول سواء عبر التنسيق الفكري والتنظيمي مع الإخوان في باقي الدول من أجل خلق فوضى داخل المجتمعات العربية بغية ليكونوا هم البديل، وهو أمر قد يبدو لا غرابة فيه من كون أن حماس أو الإخوان تشكل إحدى القوى السياسية والتي لها الحق في الممارسة والمشاركة في الحكم، إلا ان المشكلة تكمن في فلسفة وفكر جماعة الاخوان المسلمين ذات المرجعية الدينية التى تعكس رفضا لمفهوم الدولة المدنية في العالم العربي ومن ثم تبحث عن الدولة الدينية، وتصبح عملية خلق حالة الفوضى هدف لتقيم عليه أنقاض دولتها التى تعتمد في شرعيتها وقوتها على التعبئة الجماهيرية وإلهاب المشاعر.. وهي في ذ لك، بنهجها وتوجها السياسي وأدواتها، لا تختلف عن الماضي الا في مضمون ورمز التعبئة، فنهج كفاح الماضى اذا كان أخذ مضمونا قوميا وعروبيا فهي الآن تأخذ مضمونا دينيا.. سوف تذهب فائدته..فسيناريو ما قبل هزيمة 67 وسيناريو ما قبل احتلال العراق يطبق الآن في شكل خليط ما بين قومى ودينى محركته أيضا القضية الفلسطينية ولكن هذه المرة من داخل الكيان الفلسطيني ممثلة في حماس لتكون بمثابة المدشن لشرعية جماعات كالإخوان المسلمين داخل بلاد كالأردن ومصر وسوريا لتثور على مجتمعاتها تحت شعارات لا تختلف عن شعارات الوحدة والقومية في مضمونها وهدفها من خلق تعبئة جماهيرية وصناعة بطولة لمجموعة من الأفراد دون ان تكون هناك حلول لمشكلات الواقع من تنمية مجتمعاتها والرقي بها حضاريا.