أبنائي يعيشون عطلة صيفية ممتعة مع مونديال جنوب إفريقيا، أكبرهم وهو محمد احد عشر عاما بينة وبين كرة القدم قصة عشق بدأت منذ أن كان عمره أربع سنوات، يحلم مثل كثير من أقرانه بأن يحترف ويصبح لاعب كرة قدم معروف، يعرف عن اللاعبين والأندية الأوربية أكثر مما يعرف عن مواد الدراسة، وبقدر عشقه للكرة بقدر كره أمه لهذه الرياضة ولاعبيها، دائما تذكره بأن عالما أو طبيبا أو مهندسا أو صحفيا ناجحا يخدم مجتمعه أفضل ألف مرة من لاعب كرة قدم، فيقول لها:quot; إن هذا الأمر غير صحيح فلاعب الكرة أهم من كل هؤلاءquot;، ويدخلان في حلقة مفرغة من النقاش، كلٌ يسعى لإقناع الآخر بوجهة نظره، يحدثها عن أسعار اللاعبين المحليين، ويقول لها إن الأطباء وغيرهم ليس لهم ثمن، يلعب الكرة في البيت، في النادي في الحدائق العامة، ينام والكرة بجواره لا يفارقها، والواقع أن الجنون والهوس بكرة القدم ونجومها بين الشباب يأتي من منطلق النجومية التي يتمتع بها هؤلاء اللاعبون، وتحول اللعبة إلى صناعة ترصد لها الملايين.


الاتحاد الدولي لكرة القدم quot;ألفيفاquot; قام بتوفير نحو اربعمئة وعشرين مليون دولار لهذه الدورة، يحصل كل فريق على مليون دولار يغطي بها تكاليف الإعداد، والكل فائز في هذه الدورة، فمثلا تحصل الفرق التي تخرج من دور المجموعات على ثمانية ملايين دولار، وفرق دور الستة عشر تحصل على تسعة ملايين، وربع النهائي ثمانية عشر مليون، ونصف النهائي عشرين مليون، ويحصل الفريق الثاني في البطولة أو الوصيف على أربعة وعشرين مليون دولار، إما البطل فيحصل على ثلاثين مليون دولار، أما أسعار نجوم كرة القدم فقد تعدت المائة مليون دولار، لا تتأثر هذه الأسعار بركود اقتصادي، أو أزمة مالية عالمية، أو إفلاس دول كاليونان، أو نقص سيولة كتلك التي تعانيها منطقة اليورو، أو مجاعة يعاني منها مليار ومائتي مليون شخص حول العالم بحسب تقديرات الأمم المتحدة.


وبحسب ما ذكرته quot; مجلة بيلدquot; الألمانية عن أغلى اللاعبين في العالم يأتي الأرجنتيني quot;ليونيل ميسيquot; مهاجم فريق برشلونة الاسباني في المقدمة حيث وصل سعره إلى ثمانين مليون يورو، يليه البرتغالي quot; كريستيانو رونالدوquot; لاعب فريق مدريد الاسباني بخمسة وسبعين مليون يورو.وقد تعاقد معه الفريق الملكي الإسباني في الموسم الماضي مقابل أربعة وتسعين مليون يورو، هذا فضلا عن لاعبين آخرين، تتراوح أسعارهم بين خمسة وستين مليون وخمسين مليون يورو، مثل الاسباني quot;تشافي هيرنانديزquot;، والانجليزي quot;واين رونيquot; والبرازيلي quot; ريكاردو كاكاquot;، هؤلاء اللاعبون تقترب أسعارهم من ميزانيات دول وأصبحوا رموزا تسعى ورائهم الشركات، وتدفع لهم شيكات quot; على بياضquot;، وتلبي كافة شروطهم مقابل الإعلان عن منتج من منتجات هذه الشركات وهي تعلم أن هذا سيدر عليها الملايين.


ولما صار العالم مهووسا بكرة القدم بدأت حكومات العالم تستغلها سياسيا لتكتسب شرعية، أو تصرف الأنظار عن مشاكل وسياسات فاشلة، ووضعت الدول أهدافها القومية في أقدام لاعبيها مستفيدة من الشعبية التي تحظي بها في نفوس الجماهير، وهذا ما دفع بعض الدول كالولايات المتحدة واليابان، والتي لم يكن لها اهتمام بكرة القدم إلى رصد الملايين لتكوين منتخبات، وتحاولان أن تأخذ موقعا بين الثماني الكبار في العالم على الرغم من تفوق الصغار على الكبار في الدور الأول.


و يمثل تجمع عدد كبير من اللاعبين الأغلى في العالم والأكثر أهمية وجذبا لأصحاب المصالح والشركات الكبرى، التي تلهث وراء اللاعبين لإبرام عقود إعلانية يمثل عبئا هائلا على منظمي المونديال الحالي في جنوب إفريقيا، لكنها الضريبة التي يجب على الدولة المضيفة التي أبهرت العالم بملاعبها وتنظيمها أن تدفعها مقابل أن تحظى بشهر تكون فيه في بؤرة الاهتمام العالمي، وهاهي دولة قطر من الآن تريد العالم أن يدعمها لتستضيف بطولة كأس العالم عام ألفين واثنين وعشرين، وقد رصدت المليارات لهذا الحدث الضخم، وتسعى لإنشاء ملاعب مكيفة وعلى مستوى عالمي لدعم ملفها في ألفيفا، ولا شك أن دولة بهذا الطموح ستنجح في استضافة هذا الحدث الرياضي الأهم في العالم.


ستظل إذن كرة القدم أكثر رياضة تشغل الشباب والبشر على اختلاف مستوياتهم، وستظل المسيطرة على عقول الشباب والحكومات، بعد أن تحولت إلى صناعة وتجارة تجلب المكانة السياسية والوجاهة الاجتماعية فلماذا نلوم الشباب الحالمين بان يكونوا نجوما في كرة القدم بعد أن باتت أكثر من مجرد لعبة.

إعلامي مصري