كان هذا السؤال دائما وما زال مدار أخذ وردّ ولا أعتقد أن زميلا من النوّاب أعضاء الكنيست العرب لم يواجهه في حلّه وترحاله بين الندوات واللقاءات والمقابلات مثل هذا السؤال في الداخل والخارج، مستفزّا أحيانا وأخرى متهَما وبعض أولاء السائلين من الذين لا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب، ولكن البعض الآخر له مبرراته التي تستأهل التفكير.


وعلى سبيل المثال الشخصي فقد دُعيت قبل سنتين إلى بلجيكا من قبل quot;اللجنة العربيّة لحقوق الإنسان- جنيفquot; للمشاركة في المحاكمة الشعبيّة ضد إسرائيل على خلفيّة ارتكابها جرائم حرب في عدوانها على لبنان 2006، وما فتيء وجودي أن أثار بعض القوى اللبنانيّة المنظِمة وتحت شعار: quot; كيف يمكن أن يشارك عضو الكنيست الإسرائيلي في مثل هكذا محاكمة حتى لو كان يمثل حركة وطنيّة ؟ quot;. ولو أن تدارك الأمر بعض المشاركين من الذين لا يستطيع أحد أن يزايد عليهم بأدنى شيء، وليس قبل أن أطرحه بحدّة في وجه هؤلاء المزايدين، لحدث ما لا تُحمد عقباه.
وما من شك أنّ هنالك قوى وطنيّة داخليّة لها نفس الموقف من التمثيل البرلماني عادت وتبنته مؤخرا بعد أن كانت تنازلت عنه في مرحلة ما، كأبناء البلد. وقوى إسلاميّة لا تشارك في الانتخابات لكنها لا تدعو جهارا إلى مقاطعتها، كالحركة الإسلاميّة الشق الشمالي فغالبيّة مؤيديها تشارك في الانتخابات مانحة أصواتها للشق الجنوبي للحركة الممثل في الكنيست.


يُطرح هذا السؤال مجددا وبقوة أكبر على ضوء الهجوم المنهجي الذي تشنه المؤسسة الصهيونيّة في السنوات الأخيرة على القيادات العربيّة وخصوصا النواب العرب، والذي بلغ في الشهر الأخير أوجا على خلفيّة الهجوم الدموي على قافلة فك الحصار عن غزّة المحاصرة.


في هذا الموقف (تجميل الديموقراطيّة الإسرائيليّة) جانب من الصحّة، ولو كانت الديموقراطيّة هي حريّة التعبير عن الرأي فقط لكانت إسرائيل في طليعة الديموقراطيّات العالميّة. وبعضنا نوابا كنّا أو قادة نترك العنان أحيانا لألسنتنا من على منصّة الكنيست وعلى منصّات الاجتماعات الشعبيّة وكمقولتنا الشعبيّة quot;لا نخلّي ولا نبقّيquot; لإسرائيل وقادتها، ومن حيث ندري أو لا ندري فنحن فعلا نجمّل بهذا وجه quot;الديموقراطيّة الإسرائيليّةquot; في هذا المركب، حريّة التعبير عن الرأي والموقف.


ولعلّ في تدخّل رئيس الكنيست المخضرم رؤوبين ريبلين في الجلسة الصاخبة التي تمّ فيها بحث موضوع أسطول الحريّة، للإمساك بزمام الأمور بعد أن فلت زمامها من نائبه حديث العهد وكادت تتفجّر الجلسة دون أن تعطى النائبة حنين الزعبي الفرصة للإدلاء بردّها على ما يسمى quot;تعرضها لمسّ شخصي خلال النقاشquot;، لعلّ في ذلك البيّنة على بعض الصحة في موقف من يدّعون أن وجودنا في الكنيست هو تجميل لوجه quot;الديموقراطيّة الإسرائيليّةquot; في مركبها هذا وخصوصا أنه المركّب الطاغي رغم شكليّته، ففي الجوهر إسرائيل أبعد ما تكون عن الديموقراطيّة بمفهومها المركّب.
ومن استطاع أن يحافظ على هدوئه ويسمع أقوال رئيس الكنيست للنواب اليهود المنفلتين الذين طردهم من الجلسة ولأولاء الذين بقوا في الجلسة حين أدركوا وفهموا معنى أقواله، إذ واجههم صارخا: quot;ألا تفهمون؟! هذه هي عظمة ديموقراطيتنا، أن نعطي الحق لمن نكره أفعالهم وأقوالهم أن يقولوا ما عندهم ومن على منصّة بيتنا، فالعالم يشاهد!quot;.


من استطاع أن يسمع هذه الأقوال في خضم الصراخ يتفهّم موقف هؤلاء الذين يروا في وجودنا تجميلا أو شكلا من أشكال التجميل ل- quot;الديموقراطيّة الإسرائيليّةquot; في مركبها الشعبويّ الطاغي هذا، خصوصا عندما تُطرح المقارنات مع دول غالبيتها quot;من ذويناquot; الثمن فيها أحيانا لقول ما نقول الغرف المظلمة ولسنوات في أضعف الإيمان ولطالما نُواجه بذلك ردّا من النواب اليهود.
مهما حاولت أن أدّعي أن طرحي للموضوع هو من باب الموضوعيّه، فأنا لست كاتبا محايدا مراقبا، أنا جزء من هذه اللعبة. وحتى لو حاولت قدر استطاعتي أن أكون موضوعيّا أو جاء طرحي موضوعيّا، سأجد من يقول لي: quot;خضت حربا لا هوادة فيها ودفعت ثمنا سياسيّا كي تحافظ على كرسيّك في الكنيست، وما دام في ذلك تجميل ل-quot;الديموقراطيّة الإسرائيليّةquot; فماذا تفعل هناك ؟quot;.
التمثيل العربي في الكنيست هو قديم كقدم نكبتنا كما هو معروف، ففي البدايات تمثّل العرب بأعضاء عرب من الحزب الشيوعي اليهودي العربيّ وبأعضاء قوائم مرتبطة بالحزب الحاكم حازت على غالبيّة أصواتنا رغم أن سيّدها أساس نكباتنا المتواصلة. كانت المحطّة الفارقة يوم الأرض 1976 ببناء الجبهة الديموقراطيّة على يد الحزب الشيوعي وتعزيز التمثيل العربيّ فيها، وبرزت بعدها بسنوات الحركة التقدميّة (محمد ميعاري) وبعدها الحزب الديموقراطي العربي (عبد الوهاب دروشة) وبعدها التجمع الوطني الديموقراطي (تجمع ميثاق المساواة والتقدميّة وأبناء البلد-عزمي بشارة) والحركة الإسلاميّة الشق الجنوبي (عبد المالك دهامشة) والحركة العربيّة للتغيير (أحمد الطيبي) والحزب القومي العربيّ (محمد كنعان) والتحالف الوطني التقدّمي (هاشم محاميد)، وظلّ بعض التمثيل وما زال في الأحزاب الصهيونيّة وبالذات حزب العمل وميرتس.


إذا فالأمميّون منّا وبعض الإسلاميين وأكثريّة القوميّين مجمعون على ضرورة وجودنا في الكنيست الهيئة التشريعيّة للدولة quot;اليهوديّة الديموقراطيّةquot;، رغم ما قيل ورغم ما يقال عن المشاريع الوطنيّة الصداميّة مع الصهيونيّة التي نتبنّاها الأحزاب المختلفة كدولة quot;المساواةquot; ودولة quot;كل مواطنيهاquot; ودولة quot;كل قوميّاتهاquot;. الحقيقة أننا نعمل تحت شعار عدم الاعتراف النظري بيهوديتها وهذا بحدّ ذاته جيّدا، فعمليّا لا نستطيع أن نكون أحزابا انتخابيّة ونعمل فعليّا ضد ذلك، فالمحكمة العليا الإسرائيليّة quot;شرّعتquot; التجمع وquot;شرّعتquot; الموّحدة بردّها مرارا وتكرارا الإلغاءات التي أقرتها لجنة الانتخابات المركزيّة وتبرير المحكمة الأساس كان: quot;ما دام الشعار نظريّا غير مقرون بفعل ضدّ يهودية الدولة فلا مجال للإلغاء والمنع من المشاركة في الانتخاباتquot;.

الأحزاب العربيّة كلّنا، رضينا بذلك ورضينا بما يحمله الادعاء عن تجميل quot;الديموقراطيّة الإسرائيليّةquot; من صحّة، ولكل منّا تبريراته وتعليلاته المعروفة ونخوض الانتخابات أحيانا ضدّ بعضنا البعض بضراوة، وجماهيرنا بأغلبيّتها دعمتنا وضمنت حتّى الآن نجاحنا في الانتخابات رغم كل شيء. لست بصدد مناقشة التبريرات والتعليلات خصوصا وأنني من الموافقين على غالبيتها بالمضمون اللهم تلك التصنيفيّة. فرغم ما يقال عن تجميلنا quot;الديموقراطيّة الإسرائيليّةquot; ففي ميزان التمثيل وعدمه فأنا أرى أنّ التمثيل ورغم ما يحمله من تناقضات ضرورة حياتيّة ورغم محدوديّة الإنجازات المباشرّة، ولكن هنالك في نهاية المطاف فعل تراكميّ لعمل أعضاء الكنيست يكفل الإنجازات.


ومن الجانب الآخر، المظالم مرتكبة في حقّنا بتمثيل وبدون تمثيل، ولكن ما من شك أن في استعمالنا هذه الآليّة للتصدي لها فيه نوع من الردع وأحيانا التخفيف من وقعها وفي حالات معيّنة منعها، وفي بعض الحالات فضح ل- quot;الديموقراطيّة الإسرائيليّةquot; وليس بالضرورة تجميلها.


يبقى أن نمتنع عن الشعارات الشعبويّة من خلال خطابنا أو نقاشنا الذي يمكن أن تستفيد منه المؤسسة الإسرائيليّة في تجميل quot;ديموقراطيّتهاquot;، رغم أنّ هذا لا يلغي التجميل كليّة خصوصا وأن من يدّعون ذلك يرون بمجرّد وجودنا تجميلا وليس بما نقول أو لا نقول. ولكن لا شكّ أنّ لأقوالنا وشعاراتنا دور، تمثيلا كانت وخصوصا في وجود وسائل الإعلام الشعبويّة الداخليّة وكم بالحري إذا كانت فضائيات خارجيّة، أو كانت تعبيرا عن ألم حقيقيّ نستطيع أن نكبته خصوصا وهي quot;لا تشبع من جوع ولا تروي من ظمأquot;. ونخفف بتخفيف شعاراتنا وأقوالنا عن أولاء القلقين من تجميلنا quot;الديموقراطيّة الإسرائيليّةquot; وعن أولاء المحمّلين إيانا جميلا بالتمتّع ب-quot;ديموقراطيّتهمquot;، وتبقى أمامنا وسائل عدّة لفضح ديموقراطيّة إسرائيل المزيّفة إن أحسنّا استعمالها قولا وشعارا، وواقعا.

النائب المحامي سعيد نفّاع