المواطنون الألمان quot;ثبتواquot; علم بلادهم على سياراتهم وفي شرفات منازلهم تعبيراً عن دعمهم لفريقهم الوطني في بطولة كأس العالم المقامة حالياً في جنوب أفريقيا. الظاهرة برّزت، ولأول مرة، عام 2006 حينما إستضافت برلين كأس العالم. لكن في مقابل هذه الظاهرة، ثمّة ظاهرة أخرى، وهي رفض أغلبية المهاجرين( الأتراك والعرب منهم على وجه الخصوص) تشجيع الفريق الألماني. قلما تجد سيارة أجنبي تحمل علماً ألمانيا. أحد المعارف( وهو برازيلي الهوّى) سألني أي الفرق تشجع؟ فلما قلت له بأني أشجع الفريق الألماني، قال مازحاً: يارجل كيف تشجع هؤلاء الكفار؟. ولم أقل له بالطبع بأن الفريق البرازيلي ( على عرفه الإصولي المتخلف والغارق في العنصرية) هو أيضاً quot;كافرquot;. ولم أتعرض طبعاً عن فضل هؤلاء quot;الكفارquot; عليه وعلى عياله، ولا عن quot;قصتهquot; وكيفية إجتيازه البحار والوديان، جائعاً خائفاً، جل مراده دخول بلاد الجرمان لطلب اللقمة والأمان.

أغلب المهاجرين في ألمانيا( المسلمين الآتين من الشرق الأوسط وضواحيه) لايشجعون الفريق الألماني ويتمنون أن تخسر ألمانيا ويعود فريقها وهو يجر أذيال الخيبة. ورغم أن أكثرية لاعبي الفريق الألماني هم من أصول مهاجرة، إلا ان الحقد الإصولي ومنهجية نكران الجميل وروح التشفي المريضة تدفع بهذه الكائنات إلى إظهار هذا الموقف والرهان دائماً على خصم الفريق الألماني. وعليه، فلاتستغرب عندما ترى الشبان الأتراك وهم يلفون علم الدولة التي تقابل ألمانيا، في يوم المباراة، أو تشاهدهم وهم يجوبون بسياراتهم الشوارع العريضة عند خسارة الفريق الألماني ملوّحين بعلم الفريق الخصم. وزيادة في الحقد والإستهتار يزيد هؤلاء في الضجيج والزمر بأبواق سياراتهم إلى ساعات متأخرة. وعلى فكرة يفعل ذلك الجيل الثالث والرابع من المهاجرين، وليس من قضى نصف عمره في تركيا والمغرب، مثلاً.

مايفعله هذا الجيل حيال الوطنية الألمانية، يصب الماء في طاحونة الأحزاب والتكتلات العنصرية الألمانية، والتي ترفع شعار طرد الأجانب من البلاد، وتروج ليل نهار لرغبة هؤلاء ( كلهم) في السيطرة والإستحواذ على الجغرافية الألمانية.

إندماج المهاجرين المسلمين في المجتمع الألماني فشل فشلاً كبيراً، وهاهي الحكومة الألمانية تنسحب أمام تحديات المنظمات المسيّسة وتضطر لدعوتها إلى المؤتمر السنوي، وأخذ مشورتها، رغم أن الكثير من قيادي هذه المنظمات متورطون في أعمال غير قانونية، ويٌحاكمون بتهم جمع التبرعات وإرسالها إلى quot;جهات إرهابيةquot;. وهاهو رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان يدعو إلى التدريس الثانوي والجامعي باللغة التركية، ويعتبر خلاف ذلك quot; جريمة إنسانية غير مقبولةquot;.

الكره الواضح للبلد المضيف له بالتأكيد أسبابه، وهي أسباب غائرة يعرفها الباحثون الكبار، ولكنهم لايجرؤون على ذكرها وتحديدها وتقديم العلاج اللازم. والآن هناك أحياء خاصة ومدارس خاصة للأجانب، ونمط الحياة هناك هو نفس نمط الحياة في الشرق. فالشرق شرق والغرب غرب وبينهما عصور من التنوير وquot;التفكير العلميquot; والجامعات الراقية، اضافة الى منظومة حقوقية وقضائية رادعة. ولعل تشجيع المهاجرين للفريق الخصم لفريق الدولة المضيفة التي يحمل المهاجر جنسيتها ويعيش في كنف نظامها، لهو جزئية خلل صغيرة، وهذه الجزئية هنا هي قمة جبل الجليد الضخم. جبل الجليد ذاك الذي حتى ولو ظهر كله، فإن الساسة وquot;المخططين الإستراتيجيينquot; الالمان سيتعامون عنه عن سابق إصرار وترصّد، وسيتركوه يقترب بشكل مميت quot;درءاً للفتنةquot; وإبتعاداً عن الشرور وردود الأفعال التي قد تؤثر على العلاقات وquot;الميزان التجاريquot; إياه..


[email protected]