حتى لا ينهار النظام المالي العالمي! ان المال غير مأمون فضع مالك بالأمانة...لأنه فـي لـحـظـة مـن الـلـحـظـات ( 9 آذار/ مــارس 2008) تـسـبـبـت الأزمـة الـمـالـيـة الـتـي انـطـلـقـت فـي الـعـام الدكتور عودة ابو ردينة، اميركي من اصل عربي، متخصص في شوؤن الشرق الاوسط وسياسات دوله، وله مساهمات كتابية عدة في المجالات الاقتصادية والمالية والمصرفية والنفطية، وهو يقيم في واشنطن. وهذا المقال تنشره quot;ايلافquot; بإتفاق خاص مع quot; الديبلوماسيquot; التقرير الذي يصدره شهرياً من لندن الصحافي اللبناني ريمون عطاالله - عدد حزيران/ يونيو 2010 - المجلد 14
2008 بـخـسـائـر دفـتـريـة عـلـى الـورق قـيـمـتـهـا 50 تـريـلـيـون دولار (50 ألـف مـلـيـار دولار ). ومـمـا زاد فـي`الـطـيـن بـلـة، انـكـشـاف مـديـونـيـة عـالـيـة رتـبـت أعـبـاء مـالـيـة ثـقـيـلـة عـلـى دول مـثـل الـيـونـان، واسـبـانـيـا، والـبـرتـغـال، وإيـرلـنـدا، وبـريـطـانـيـا، والـولايـات الـمـتـحـدة، وهـي أعـبـاء مـن شـأنـهـا أن تـدفـع الـى انـهـيـار
آخـر أكـثـر قـسـوة مـن ذلـك الـذي حـدث فـي الـعـام 2008، بـحـيـث يـصـبـح الاقـتـصـاد الـعـالـمـي كـسـيـحـًا جاثياً على ركبتيه، ما لم تعالج أزمة الديون هذه ويوضع لها حد.
ذلـك أنـه إذا لـم تـبـدأ مـديـونـيـة الـدول الـمـذكـورة بـالـهـبـوط سـريـعـاً، وتـتـوقـف الأمـوال الـخـاصـة عـن الاسـتـثـمـارات الـمـحـفـوفـة بـمـخـاطـر عـالـيـة، والـمـدفـوعـة بـالـجـشـع والـمـزيـد مـن الـجـشـع، فـإن الـنـظـام الـمــالـي الـعــالـمـي ســوف يـنـهــار لا مـحــالـة. فـقــد كــان الـشـعــار الـســائــد فـي raquo; وول سـتــريـتlaquo; فـي الـثـمـانـيـنـات مـؤداه raquo; الـجـشـع أمـر حـسـن.laquo; أمـا فـي هـذه الأيـام فـإن الـشـعـار الـذي يـجـدر رفـعـه مـؤداه أن المخاطر العالية والعجز المالي للحكومات هو الأمر السيء. quot;إن الـعـافـيـة الـمـالـيـة لأي دولـة لا يـجـوز تـركـهـا كـلـيـاً فـي أيـدي الـقـطـاع الـخـاص. فـالـدول لا يـجـوز أن تـبـقـى ديـمـوقـراطـيـات سـيـاسـيـة، بـل يـجـب أن تـكـون أيـضـاً ديـمـوقـراطـيـات مـالـيـة، عـلـى أسـاس الـمـحـاسـبـة، والـشـفـافـيـة، والـكـشـف. وأفـضـل الـسـبـل لاجـتـنـاب الـكـارثـة هـو الـحـد مـن الإقـدام عـلـى الـمـخـاطـر الـمـالـيـة الـعـالـيـة مـن قـبـل الـمـؤسـسـات الـمـالـيـة الـتـي تـضـم ودائـع الـنـاس ومـدخـراتـهـم. وهـذا يعني أنه يجب أن تتوفر لدى الكيانات المالية درجة عالية من السيولة.
هـنـاك سـتـة أسـبـاب رئـيـسـيـة لانـفـجـار الـفـقـاعـة الـمـالـيـة لـعـام 2008، وأزمـة الـديـون الـيـونـانـيـة فـي شـهـر أيار/ مايو الماضي:
أولاً، الاقتراض المفرط من قبل الحكومات، والمؤسسات المالية، والشركات، والأفراد.
ثـانـيـاً، دخـل الـعـديـد مـن الـمـؤسـسـات الـمـالـيـة فـي مـخـاطـر كـثـيـرة بـالإقـراض الـمـفـتـوح لـلـحـكـومـات والشركات.
ثـالـثـاً، كـان كـثـيـر مـن الـمـؤسـسـات الـمـالـيـة مـتـفـلـتـاً مـن الأنـظـمـة الـرقـابـيـة، أو كـانـت تـلـك الأنـظـمـة غـيـر وافية بالغرض.
رابـعـاً، كـان كـثـيـرون مـن الـقـائـمـيـن عـلـى الأنـظـمـة الـرقـابـيـة دون الـمـسـتـوى الـمـطـلـوب لأن غـالـبـيـتـهـم لـم تـكـن تـفـهـم تـعـقـيـدات الأدوات والـمـنـتـجـات والـمـشـتـقـات الـمـالـيـة الـمـسـتـحـدثـة الـتـي كـان يـجـري
بـيـعـهـا وتـداولـهـا مـن قـبـل مـصـارف لا تـتـوفـر لـديـهـا الـرسـامـيـل الـكـافـيـة والـسـيـولـة الـوافـيـة، بـحـيـث بـلـغـت الـقـيـمـة الإجـمـالـيـة لـتـلـك الـمـنـتـجـات الـمـتـداولـة مـا يـقـرب مـن 600 تـريـلـيـون دولار، بـدون سـؤال أو جواب.
خـامـسـاً، كـانـت وكـالات الـتـصـنـيـف الائـتـمـانـي الـتـي يـفـتـرض فـيـهـا تـقـيـيـم تـلـك الـسـنـدات والأوراق الـمــالـيـة، تـتـقــاضـى مــدفــوعــات مـن مـصــدري تـلـك الـسـنــدات والأوراق، ولـهــا عــلاقــات وثـيـقـة مـع المصارف والشركات، بحيث يمكن القول بأن وكالات التصنيف تلك لم تكن مستقلة.
سـادسـاً، الـمـسـتـثـمـرون الـذيـن كـانـوا يـشـتـرون تـلـك الأوراق الـمـالـيـة كـان دافـعـهـم الـجـشـع والـطـمـع بـالـربـح الـسـريـع والـوفـيـر، مـتـوقـعـيـن عـائـداً كـبـيـراً عـلـى اسـتـثـمـاراتـهـم، لـكـنـهـم لـو درسـوا أحـوال الـسـوق مـلـيـاً لأيـقـنـوا أنـهـم يـسـتـثـمـرون فـي سـنـدات وأوراق مـالـيـة لـيـسـت لـهـا جـدارة وغـيـر مـأمـونـة
ولن يعاد سدادها.
فـالـهـبـوط الـكـبـيـر الـذي شـهـدتـه بـورصـة نـيـويـورك فـي raquo; وول سـتـريـتlaquo; يـوم الـخـامـس مـن أيـار/ مـايـو
2010، كــان بـمـثــابـة إنــذار بــأن الاقـتـصــاد الأمـيــركـي فـي خـطــر بـسـبـب تـفــاقـم الــديـن الـعــام عـلـى الـحـكـومـة الـفيـديرالـيـة. إذ إن عـبء الـديـن الـعـام الأمـيـركـي الآن بـات أكـبـر وأثـقـل نـسـبـيـاً مـمـا هـو عـلـيـه فـي بـلـدان مـثـل الـبـرتـغـال، وإيـرلـنـدا، واسـبـانـيـا. فـالـديـون الـمـتـرتـبـة عـلـى الـحـكـومـة الأمـيـركـيـة حـالـيـًا
تـصـل الـى92.6% مـن الـنـاتـج الـمـحـلـي الإجـمـالـي الـمـرتـقـب لـلـبـلاد فـي الـعـام الـجـاري، نـظـيـر 85.9% لـلـبـرتـغـال، و 78.8% لإيـرلـنـدا، و 66.9% لإسـبـانـيـا. أمـا الـيـونـان وإيـطـالـيـا فـإن نـسـبـة الـديـن الـعـام الـى الناتج المحلي الإجمالي فيهما تفوق النسبة الأميركية لتصل الى 124% وفـي رأي بـعـض الـخـبـراء الاقـتـصـاديـيـن أن ارتـفـاع الـديـن الـعـام الـى مـا تـفـوق نـسـبـتـه 90% مـن الـنـاتـج الـمـحـلـي الإجـمـالـي يـنـذر بـتـبـاطـؤ فـي الـنـمـو الاقـتـصـادي. فـفـي نـهـايـة الـعـام 2009 زاد الـديـن
الـعـام الأمـيـركـي عـلـى 7.8 تـريـلـيـون دولار، وهـو الآن يـزيـد عـلـى 8.4 تـريـلـيـون دولار. وتـقـوم الـحـكـومـة الأمـيـركـيـة بـتـمـويـل جـزء كـبـيـر مـن ديـونـهـا مـحـلـيـاً مـمـا يـجـعـلـهـا أقـل عـرضـة لأمـزجـة الـمـسـتـثـمـريـن الأجانب.
فـإذا واصـلـت ديـون الـحـكـومـة الـفيـديرالـيـة الأمـيـركـيـة تـصـاعـدهـا خـلال الـسـنـتـيـن الـمـقـبـلـتـيـن، فـإنـهـا سـتـجـد نـفـسـهـا فـي الـمـوقـف الـمـذل ذاتـه لـلـحـكـومـة الـيـونـانـيـة، لـتـصـبـح تـحـت رحـمـة رسـامـيـل أجـنـبـيـة وافـدة مـن الـصـيـن والـيـابـان والـهـنـد. وقـد قـال الـمـسـتـثـمـر الـكـبـيـر جـون تـامـبـلـتـون فـي الـعـام 1989: .laquo; إن الـذيـن يـسـرفـون فـي الإنـفـاق سـيـجـدون أنـفـسـهـم فـي الـنـتـيـجـة مـديـنـيـن لـلـمـقـتـريـن الـمـدخـريـن raquo; والأزمـة الـيـونـانـيـة تـنـطـق بـمـثـل هـذا الـدرس لـلـذيـن نـسـوه أو تـنـاسـوه، وهـو مـا حـدث لـلـبـعـض فـي الولايات المتحدة.
أمـا الـدرس الآخـر لـلـولايـات الـمـتـحـدة ودول أخـرى فـهـو أن الـحـروب عـالـيـة الـكـلـفـة ولا بـد مـن تـمـويـل تـكـالـيـفـهـا الـعـالـيـة إمـا بـالاقـتـراض أو بـفـرض الـضـرائـب عـلـى مـواطـنـيـهـا. فـإذا اخـتـارت الـحـكـومـة عـدم رفـع مـنـسـوب الـضـرائـب، كـمـا حـدث فـي حـربـي فـيـتـنـام والـعـراق، يـتـفـاقـم عـجـز الـمـوازنـة ويـتـراكـم
الـديـن الـعـام. ذلـك أن كـلـفـة حـرب الـعـراق، مـضـافـاً الـيـهـا كـلـفـة تـعـويـم الـمـصـارف وشـركـات الـتـأمـيـن، ثـم كـلـفـة بـرنـامـج الـتـحـفـيـز الاقـتـصـادي لإنـعـاش الاقـتـصـاد الـوطـنـي، جـعـلـت مـن الـولايـات الـمـتـحـدة أكبر الدول المدينة في العالم، بل غارقة في الديون أكثر من غيرها.
ولا ينسى أحد أن ما تنفقه الحكومة يدفعه المواطنون.
إن تـاريـخ الأزمـات الـمـالـيـة الـعـالـمـيـة هـو انـعـكـاس لـخـاصـيـتـيـن إنـسـانـيـتـيـن مـلـحـوظـتـيـن هـمـا raquo; الـغـرور والـجـهـل.laquo; وخـاصـيـة الـجـهـل فـي هـذه الـمـعـادلـة تـنـبـىء بـأن الـحـكـومـات والـمـسـتـثـمـريـن لا يـدركـون تـمـامـاً عـواقـب الـمـخـاطـر الـتـي يـركـبـون، ولا عـواقـب الـديـون الـتـي يـراكـمـون. أمـا خـاصـيـة الـغـرور فـي
الـمـعـادلـة الـمـذكـورة فـإنـهـا تـنـبـىء بـاعـتـقـاد الأجـيـال الـراهـنـة بـأنـهـا أحـذق مـن الأجـيـال الـسـابـقـة، واتـكـالـهـا عـلـى وهـم أن الـتـكـنـولـوجـيـا والابـتـكـار مـن شـأنـهـمـا تـخـفـيـف الـمـخـاطـر والـقـلـق. غـيـر أن الـحـقـيـقـة الـمـاثـلـة فـي الـواقـع هـي أن هـنـاك مـخـاطـر مـن الـصـعـب قـيـاسـهـا ويـجـب اجـتـنـابـهـا عـنـد الـوقـوع
تحت عبء الديون.
وفـي الـخـتـام لا بـد لـلـنـاس أن يـتـذكـروا بـأن الـرأسـمـالـيـة بـدون فـشـل وإخـفـاقـات، مـثـل الـديـانـات بـدون الخطيئة والمعصية. والخطيئة الأفدح هي أن الجشع تغذيه الديون المتفاقمة.
- آخر تحديث :
التعليقات