قضية شغلت الرأي العام المصري كله بل وأمتد أثرها علي الرأي العام العالمي، وهي قضية صدور حكم من محكمة القضاء الإداري يلزم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بتزويج المطلق مرة ثانية، تلك القضية التي أحدثت جدلا واسعا ما بين مؤيد ومعارض للحكم، زاد الأمر اشتعالا الموقف الصلب والتاريخي التي اتخذته الكنيسة برفضها للحكم الصادر، فسارع الإسلاميين باتهاماتهم الجاهزة في كل مناسبة وبدون مناسبة للبابا شنودة والكنيسة بأنها دولة داخل الدولة إلي أخر قائمة التهم، شئ متوقع لذلك لن نرد علي هؤلاء، المدهش في الأمر هو اتهام كثير من الكتاب والليبراليين المصريين لنا كأقباط شعب وكنيسة بأننا ندعو للدولة الدينية علي حساب المدنية، ولما كان لهؤلاء مكانة كبيرة في قلوبنا فهم أساتذة التنوير وهم الشموع التي تضئ ظلام سماء منطقتنا الدامس، وهم الأمل الوحيد في مستقبل أفضل لبلادنا فقد خصصت هذا المقال للرد عليهم احتراما وإجلالا لهم.
أولا:منذ الحكم العربي لمصر وحتى صدور قرار الحكم لم تتدخل السلطات في أمور الكنيسة العقائدية، فهذه هي المرة الأولي منذ ما يزيد عن 14 قرن من الزمان لم تحاول فيه السلطة التدخل في العقيدة. فهل يحق للمحكمة الإدارية أو غيرها هذا التدخل؟؟ ولو قبلنا هذا فاليوم نقبل الزواج الثاني وغدا نقبل تعديل سر الاعتراف والتناول والعماد، وبعد غد نتحصر علي أيام كان لنا فيها كنيسة تسمي الكنيسة القبطية الأرثوذكسية.
ثانيا: ماذا يضر الدولة المدنية في أن نترك للكنيسة مسألة الزواج والطلاق تقرر ما تشاء حسب العقيدة التي توارثتها منذ ألفي عام؟، ماذا يضر الدولة المدنية في ذلك؟؟ ألم يترك العال الغربي وهم صناع المدنية هذه الحرية للكنائس في الغرب؟؟ فهل نحن أصبحنا أكثر مدنية من الغرب؟
ثالثا: بالقدر الذي نرفض فيه تدخل رجل الدين في السياسة، نرفض فيه أيضا تدخل رجل السياسة أو رجل القضاء في أمور الدين والعقيدة، فنحن نرفض تدخل الكنيسة أو المسجد أو المعبد في عمل السلطة القضائية أو التشريعية أو التنفيذية ونرفض أيضا تدخل هذه السلطات في عقيدة المؤسسات الدينية.
رابعا:هل أستند الحكم لنص قانون مدني؟؟ وهل يوجد قانون مدني للزواج في مصر؟؟ أم أنه استند للشريعة الإسلامية والمادة الثانية من الدستور؟ فكيف تتهموننا بأننا من أنصار الدولة الدينية؟؟ وكل ما نطالب به هو فقط تطبيق عقيدتنا داخل كنيستنا، فهل تطبيق شريعة الأغلبية علي الأقلية وداخل كنيستهم يمت للدولة المدنية في بأي صلة؟؟
خامسا: إذا كنتم من أنصار الدولة المدنية فعليكم المطالبة بالزواج المدني، وعندما تعارض أي مؤسسة دينية الزواج المدني ساعتها سنكون جنبا لجنب ضد المؤسسة الدينية.
سادسا من ألف باء الدولة الدينية هي الفصل بين السلطات الدينية والمدنية، فهل في التدخل في عقيدة الكنيسة من المدنية بشئ؟؟.
سابعا: الاقباط عبر تاريخهم الطويل كانوا مع القوي الليبرالية ومع الدولة المدنية، والمسيح هو أول من دعي للدولة المدنية حينا قال، واعطوا مال لقيصر لقيصر وما لله لله. فهل يعقل أن يكون الأقباط الآن قد أصبحوا ضد الدولة المدنية؟؟
في النهاية أتحصر علي حالنا كمصريين وحال مؤسساتنا المدنية والدينية والحكومية، لقد أصبحنا كلنا لعبة في يد النظام يلعب بنا وقتما يشاء، فننشغل ونهيج ونتفق ونختلف ونتشاحن ونتناحر في أمور ما هي إلا حيلة من حيل النظام، فالموضوع وكل ما فيه أن النظام يريد من الكنيسة أن تلعب دورا مؤثرا في مشكلة مياه النيل في أثيوبيا مستغلا العلاقات التاريخية للكنيسة المصرية مع الأثيوبية ومستغلا حب الأثيوبيين للكنيسة المصرية ولقداسة البابا، ولما كان النظام يدرك أن الكنيسة قد يكون لها طلبات بعد القيام بهذه المهمة الشاقة والتي قد تكون المطالبة بقانون موحد لدور العبادة مثلا، فقد أفتعل النظام هذه الأزمة وتكون مكافئة الكنيسة فقط هو إرجاع الوضع علي ما كان عليه قبل صدور حكم المحكمة الإدارية العليا وكل مقلب وإحنا وانتم طيبين.
- آخر تحديث :
التعليقات