في كل مرة يتم فيها تشكيل الحكومة تنتابني الخشية من أن لا يكون للأكراد تمثيل مناسب فيها فنحن نعلم أن الأكراد يشكلون نسبة كبيرة من الشعب العراقي و يقطنون مناطق تعد رئة العراق وربيعه الدائم والقادة الأكراد يتمتعون بنظرة واقعية تجعلهم يزنون الأمور بميزان مناسب فلا ينساقون وراء الشعارات الطنانة التي تجعلهم في واد والآخرون في واد أخر لذلك لا غرابة في أن تبقى سياستهم ثابتة على الرغم من تغير الظروف و الأحوال في العراق.

ومع أننا وكشيء طبيعي قد لا نشاطر الأكراد الكثير من المواقف لكن هذا لا يعني أن نتجاهل الرباط الذي يربطنا معهم أو أن نغمض العين عن مساهمتهم الجليلة في إبعاد العراق عن الوقوع في شرنقة الدولة الدينية التي تعني من بين ما تعنيه نهاية العراق ك دولة ما يجعلنا مدينون لهم وممتنون أيضا.

لقد طعن كثيرون في وطنية الأكراد ونزاهة موقفهم ومعيارهم في ذلك أنهم يكثرون من المطالبة بحقوق يرونها حق لهم ويراها آخرون غير ذلك ونحن هنا نتساءل: متى أصبحت المطالبة بالحقوق سببا للطعن؟ وهل البحث عن ضمانات في واقع غير مستقر شيء ينافي المصلحة العامة؟ ثم أيا من الفئات العراقية الأخرى كان لها موقف مغاير وتصرف ينسجم مع المصلحة العامة؟ فالشيعة والسنة الذين يمثلون النسبة الأكبر من الشعب العراقي دخلوا في تناحرات بلغت حد التخريب والقتل على الهوية إلى درجة جعلت البلاد تعيش واقعا لم تشهد مثله من قبل من حيث الفظاعة والعنف الأعمى الذي يعافه حتى افضع المجرمين وقساة البرابرة.

فما فعله الشيعة بالسنة والسنة بالشيعة هو اكبر طعنة تشهده هذه الوطنية المغلوبة على أمرها وفيما يموج الشارع بالعنف ويقتتل لأسباب واهية يتنازع السياسيون على المناصب والمكاسب غير عابئين بما يجره نزاعهم من ويلات لهذا البلد الجريح الغارق حتى أذنيه بالخلافات والنعرات الطائفية البدائية.

فلولا وجود الأكراد في الحكومة لقرانا على العلمانية السلام ولأصبحت البلاد حكرا لأصحاب الأيدلوجيات الشمولية التي لا يهمها سوى مصالحها وأهدافها الضيقة فرغم أن للأكراد أهدافهم ورؤاهم التي تتناول حقهم في الحكم الذاتي أو حتى المطالبة بالاستقلال ورغم ما يشار حقا أو باطلا إلى عيوب في سياستهم الداخلية إلا أنهم لم يضعوا الوطنية جسرا لتحقيق ما يرمون إليه كما يفعل غيرهم فليس العيب في المطالبة بالحقوق بل في جعل هذه الحقوق سبيلا للانقضاض على البلد وجعله لقمة للمصالح الذاتية والآنية الضيقة وهذا هو مكمن الافتراق بين الأكراد ومن يطبل ويزمر للوطنية وفعله غير ذلك.

ان العراق بحاجة إلى وطنية فعلية لا شعاراتية يرفعها البعض للتمويه والخداع لا أكثر فالوطنية التي نريدها هي التي تضع الجميع في مستوى واحد ودرجة واحد لا فرق بين فئة وأخرى أو طائفة وأخرى لان الجميع ينتمون لبلد واحد بينهم تاريخ مشترك ومصالح واحدة فالعراق بلد الجميع وليس بلد لفئة معينة أو عرق معين.

وبالتالي يجب أن نكون مع بقاء الأكراد وكل الفئات العراقية كعناصر أساسية في بناء الدولة الجديدة إذا أردنا للتوازن أن يدوم وللبلد أن يستقر.