من حُسن حظ قائمة العراقية، يبدو لنا، هذه الأيام، أن البيت الشيعي من جهة و البيت الكُردي من جهة أخرى ليسا على ما يرام، بل ربما باتا تعصف عليهما مشاكل و توترات داخلية سببها الرئيس هو غياب أسس وطيدة تقف عليها تفاهماتهما الداخلية أو الإلتزام الحقيقي بما تمليها عليهما تحالفاتهما التي نعلم أنه لا مرمى منها سوى مواجهة التحديات الجديدة و الحفاظ على المواقع التي أحتلتها الجبهتان الشيعية و الكُردية في مرافق الدولة العراقية الجديدة بعد سقوط النظام العراقي البائد في 9 من نيسان 2003.
و يؤسفني هنا طبعاً أن أذكر التحالفات السياسية في العراق و أصطفافاتها بأسماء طائفية أو قومية، فهذا الواقع أصبح يفرض نفسه، كتسميات شائعة و متداولة على نطاق واسع،على القاموس السياسي في البلاد، فضلاً عن أنه بات واقعاً إصطلاحياً بل شعبياً أيضاً للتوصيف و التمييز بين القوى السياسية الرئيسية و مرجعياتها المجتمعية و الثقافية أو المكونات التي تتحدث بأسمها أو تدعي تمثيلها لها.
لنعود الى الموضوع و نذكر أن هذه المستجدات التي يشهدها البيت الشيعي الداخلي و الخلافات المتعلقة بمسألة المفاوضات مع القوائم الأخرى و التحالف معها لحل أزمة تشكيل الحكومة، بدأت تبرز و تتفاقم يوماً بعد يوم، سيما بعد المفاوضات التي أجرتها قائمة دولة القانون بشكل أحادي الجانب و من دون العودة الى القوى الشيعية الأخرى المتمحورة في الإتلاف الوطني أو التنسيق و التشاور معهم. و قد عبروا قبل أيام مسؤولين كبار في الإئتلاف الوطني عن خشيتهم من التفكير و التخطيط لإبعاد القوى المتمركزة في الإئتلاف عن المشاركة في الحكومة و بناء النظام السياسي في العراق، ما يعني هنا أن غياب الإرادة الموحدة داخل التحالف الوطني الشيعي و تفرد قائمة دولة القانون بإجراء المفاوضات لوحدها مع قائمة العراقية و القوى الأخرى، أصبح اليوم أمراً ملحوظاً بل أكثر من ذلك صار يهدد التحالف الشيعي الذي شُكل خصيصاً لتغيير ميزان القوى أزاء قائمة العراقية و لتكوين القاعدة البرلمانية الكفيلة لتشكيل الحكومة، و قد تابعنا هذه الأيام تصريحات و تلويحات صريحة تكشف حقيقة هشاشة التحالف الشيعي كشبح مخيف يجتاح التحالف، إذ قال الأمين العام لكتلة الاحرار الممثلة للتيار الصدري في الائتلاف الوطني العراقي، أمير الكناني، في هذا الصدد أن ائتلاف دولة القانون تحالف مع الائتلاف الوطني بغية استغلال (التحالف الجديد) كوسيلة للوصول الى رئاسة الوزراء، فضلاً عن وصف الكناني للتحالف الموجود بين الائتلاف الوطني ودولة القانون بـquot;الهش والضعيفquot;، قائلاًquot;نحن من شَكَلَ الائتلاف الوطني بموجب رسالة من مقتدى الصدر وهو من اطلق عليه اسمه، و المعلوم هنا طبعاً أن عقدة منصب رئاسة الحكومة مازالت مستمرة بين ائتلاف دولة القانون والائتلاف الوطني العراقي، وخاصة أن التيار الصدري يرفض تجديد ولاية المالكي.
أما على الجبهة الكُردية المتمثلة في تحالف الكتل الكُردستانية، فالخلاف و التوتر يبرز من حين لآخر بين الكتل المُشَكِلة للتحالف خاصة فيما يتعلق بمسألة حسم مرجعية هذا التحالف أو الجهة المعنية بوضع سياساته أو أجندته للتفاوض و التفاهم مع الكتل الفائزة. و قد برز التوتر في الآونة الأخيرة بين الأطراف المكونة للتحالف بشأن عدم توجيه الحزبين الكرديين الرئيسيين، الديمقراطي الكردستاني بزعامة السيد مسعود البرزاني و الإتحاد الوطني برئاسة السيد جلال طالباني، الدعوة لممثلي قوى المعارضة في أقليم كُردستان للحضور في الإجتماع الذي عقد بين الجانبين للتباحث حول التطورات الأخيرة التي طرأت على الساحة العراقية، و قد قرأت أطراف المعارضة في تحالف الكتل الكردستانية هذا الموقف للحزبين بأنه أمراً مخالفاً للمنهاج الداخلي للتحالف، هذا فضلاً عن عدم جدية و صراحة قائمة التغيير، أحدى القوائم الكردية في التحالف، حتى الآن في دعم ترشيح الرئيس العراقي الحالي، السيد جلال طالباني لمنصب رئاسة الجمهورية لولاية ثانية، وذلك ربما بسبب المخلفات السايكولوجية و السياسية للخلافات و التشنجات التي وقعت بينها و بين حزب الرئيس، أي الإتحاد الوطني، أثناء الإنتخابات التي جرت في أقليم كردستان في تموز يوليو العام الماضي و الإنتخابات العراقية في أذار مارس 2010، هذا علاوةً على الحديث أحياناً عن وجود إختلافات في وجهات النظر بين الأتحاد الوطني الكردستاني و الحزب الديمقراطي الكردستاني بشأن القائمة المفضلة من بين القوائم الفائزة التي يمكن التفاوض و والتفاهم و التحالف معها.
و بالرغم من أن أحتواء الخلافات أو الأختلافات الكردية الداخلية يبدو ممكناً الى حد كبير، إلا أنه، مع ذلك، لايمكن القول حتى هذه اللحظة أن تحالف الكتل الكردستانية يعتبر تحالفاً قوياً أو أنه يعمل وفقاً لأجندة كُردستانية متماسكة من دون خلافات و إختلافات، و لا مراء هنا أن كل هذه التطورات ستصب في النهاية في مصلحة قائمة العراقية، القائمة التي تظهر لنا اليوم و كأنها القائمة الوحيدة القوية التي تتمتع بوحدة الخطاب و الموقف و تخلو من المشاكل الداخلية مقارنة مع القوائم الأخرى الفائزة في الإنتخابات، و يبقى السؤال هنا: كيف ستتعاطى الجبهة الشيعية ياترى مع معضلاتها الذاتية و مع هذا الكم الهائل من الخلافات التي تهدد التحالف الوطني الشيعي بالتفكك، و كيف سيعمل تحالف الكتل الكردستانية هو الآخر مع المعطيات و التحديات الجديدة التي تهدد موقع الكرد السيادي و دوره الريادي في أدارة مرافق الدولة العراقية في ظل تفاهمات ( علاوية ndash; مالكية ) على توزيع المناصب السيادية و عدم التجاوب حتى الآن - و تجارب كابيناتهم الوزارية خير دليل على ذلك - مع متطلبات الكُرد و الملفات العالقة بين الحكومة الأتحادية و حكومة الأقليم ؟! لندع الأجوبة هنا لما ستحمله لنا المواقف السياسية المستقبلية للأطراف العراقية المختلفة و الأحداث الظرفية اللاحقة التي تعصف على البلاد.
* رئيس تحرير مجلة ( والابريس ) ndash; كُردستان العراق
- آخر تحديث :
التعليقات