يتصدر الإعلام واجهة المشهد دائما اثناء الازمات، لما له من امكانيات تعبيرية وقدرة فاعلة في التأثير على الرأي العام وتوجيهه، وتزداد درجة هذه الفاعلية اثناء الازمات والاحداث التأريخية المتسارعة، كما هو الحال اليوم حيث تشهد الساحات العربية منذ مطلع هذا العام منعطفات كبرى تجسدت وفي غضون بضعة اسابيع تغيير اثنين من انظمة الحكم الصارمة والمتشبثة بكرسي السلطة منذ عشرات السنين، فما حصل في تونس ومصر وربما سيعقب ذلك انظمة اخرى تحقق بفعل ارادة الشعوب وتضحياتها وقدرتها على صنع التغيير والمضي نحو دروب الحرية والعدالة والقانون، الى جانب ما لعبه الاعلام من دور حيوي في تغطية الاحداث وتحليل المواقف وكشف الاراء وايصال الحقائق مما خطاب تواصلي مقنع
تكنولوجيا الاعلام والحرب الناعمة
لعل من محاسن التقنيات الحديثة ومعطياتها التي انعكست بشكل كبير في مجال الاعلام والاتصال وما نتج عنه من تطور هائل امتد في مجالات الحياة والسياسة والاقتصاد والمجتمع حتي بات يطلق على واقعنا عصر الاتصال والمعلوماتية، فالتكنلوجيا هي ملتقى لثقافات متداخلة وحالة تواصل وتفاعل بين الشعوب،
لقد مهدت وسائل الاتصال الالكترونية الحديثة لمزيد من التقارب بين الافراد اذ انها الغت الحواجز والمسافات واختصرت الوقت للحصول على المعلومة وانفلتت من اسر رقابة السلطة التي طالما كانت تتمترس خلف خطاب اعلامي مضلل ذلك الذي يتبنى شعارات ومقولات تعبر عن مصالح الحكومة واقطابها.ان تقنيات الاتصالات الرقمية اضحت سلاحا مضافا الى قوة الشعوب حيث تيسر الحصول على المعلومة وتقدم الدليل عبر الصورة الانية والصوت فلم يعد الاعلام يحتاج الى منابر ومنصات وستوديوهات واجهزة كبيرة وثقيلة، لان ماتفعلة كامرا رقمية عالية الدقة يضاهي افضل النوعيات ويمكن لما تقدمه ان يعرض مباشرة على الشاشة او يرسل عبر الانترنت ليكون متاحا لفئات المشتركين في العالم اجمع
مقابل هذا الامتياز الذي اصبح متاحا للجماهير نجد ان اعلام السلطات الرسمي مازال متشبثا بخطاب تقليدي يلوك ذات العبارات ويعيد نفس الافكار التي امست تخدش اسماع وانظار من يتابع،
بعد الذي حصل من انتصارات لثورتين عربيتين كان الاعلام شريكا بارز ومميزا فيهما لهو دليل حاسم على فشل خطاب الاعلام الرسمي وانسحاقه امام ارادة الجماهير وقدرتها على توظيف مامتيسر من ادوات وتقنيات لخدمة اهدافها المشروعة.
قناة الجزيرة - حضور مميز
في كلا الثورتين تم اعتماد اعلام الرقمنة والافتراضية الذي استطاع توفير وانتاج المعلومة وتخزينها وارسالها واستهلاكها بوقت قياسي فما كان يحصل في الشارع تتلقفه الاسماع والعيون بعد لحظات ان لم يكن مباشرة عبر كامبرات البث الحي الذي قامت به بعض الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي كالفيسبوك والتويتر وغيرهما، لكن الدور الكبير والمميز الذي اضطلعت به قناة الجزيرة تجاوز التوقعات فعلى مدار مجريات الاحداث وسخونتها كانت وماتزال عدسات هذه القناة تنقل نبض الشارع واحساس ومشاعر وافكار الناس دون رتوش، انها عين الحقيقة الساطعة التي صاغت خطابا ديناميا تقنيا متعددا متنوعا واضحا جاء بعيدا عن التنميط العادي والنقل الانتقائي بل كانت مرجعيته الوعي المعرفي والصدقية والايمان وفئته المستهدفة أرادة الجماهير وقدرتها على صنع التغير ورسم افق المستقبل
لقد وفرت لنا قناة الجزيرة خطابا اعلاميا بكفاءة مهنية احترافية ارتقى الى مصاف اكبر صناع الخبر وتداوليته في العالم، فما كان ينقل عبر شاشتها سرعان مايجد صداه لدى الجماهير الامر الذي دفع بالسلطات المصرية الى ايقاف عمل الجزيرة ومراسليها في انحاء مصر لكن ذلك لم يمنعها في ان تضاعف من جهودها وتجد سبل عديدة لمتابعة الاحداث بل انها اتاحت لكثير من القنوات استخدام بثها مباشرة ودون مقابل لايمان القائمين عليها ان ماتقوم به القناة من عمل اعلامي لهو جزء مهم من رسالتها الاعلامية وتوجهاتها في خدمة الانسان والثقافة العربية.
الاعلام الالكتروني في مواجهة السلطات
على اثر وقع ثورتي تونس ومصر دق ناقوس الخطر وهبت عواصف التغيير لتزعزع من تربعوا على كراسي الحكم وتولوا مقاليد الامور دون وجه حق، من انتهكوا حقوق الانسان ، ومارسوا الاستبداد واشاعوا الظلم بين الناس، لكن الظلم لايدوم والشعوب لاتصبر على الضيم مهما طال الزمن، البعض من هؤلاب الحكام اصابهم الهلع وشعر ان دوره لقادم ، لذا فقد افاقو من غفوتهم وخدرهم ليعلنوا ودون حياء عن بعض التنازلات،التي هي اشبه بذر الرماد في العيون، يظن هؤلاء الحكام ان في بمحاولاتهم الاصلاحية المتأخرة هذه يقدمون شيئا لما يحسن صورتهم اما انظار الشعب، لكنهم واهمون لان المواطنين الذين عانوالسنين من جورهم وفسادهم وطغيانهم سوف لن يقبلوا بعد الان بالاصلاحات الترقيعية بديلا لحريتهم ونيل حقوقهم المشروعة كما تقرها القوانين الانسانية والاعراف الدولية.
اليوم لم يعد خافيا على اي انسان ماتمارسه السلطات فالاعلام الحديث يوثق كل شىء والفضائيات الحرة المستقلة لم تعد اداة بيد اصحاب القرار الذين كانوا يوجهون الخطاب الاعلامي وفقا لمشيئتهم ومصالحهم، لقد انتهى عصر الرقابة والتعتيم الاعلامي واحتكار المعلومة ولم يعد بأمكان الاعلام الرسمي ان يلوي عنق الحقيقة ويظلل جمهور المتلقين،لان عيون الرصد الالكتروني من الكاميرات الصغيرة اوتلك التي تتوفر في الهواتف النقالة باتت لهم بالمرصاد انها قوة جديدة وسلاح ناعم لكنه شديد التأثير، لم يعد لخطاب السلطة منافسة امام خطاب الشعب الذي تصنعه الارادات القوية انه الخطاب المفتوح والمباشر والصادق ، الخطاب الذي يصنع في الفضاءلت المفتوحة ودون رتوش عبر ادوات بسيطة لكنها قادرة على نقل الكلمة والصورة وتجسيد الحقيقة ومشاعر الجماهير بكل صدق ووضوح.
الاعلام الالكتروني التفاعلية والتأثير
ان الاعلام الجديد جعل من مفهوم اعلام السلطة موضع مراجعة وتراجع انه قد الغى سطوة الاعلام الرسمي وفتح الافاق واسعة للتواصل والحوار، لاننا اصبحنا نعيش وسط عالم بلا حدود،
الاعلام الجديد المرتبط بتكنولوجيا المعلومات حين يتم توظيفه وربطه مع حاجات المجتمع بما يكون في متناول الاغلبية فهو من شأنه ان يتجاوز النمط الاستهلاكي او الاعلام المفرغ من المضامين القيمية والاخلاقية.
فالدور الحيوي الذي قام به الاعلام الالكتروني عبر ادواته المتنوعة والذي ارتبط بشبكة الانترنت من جانب وبالفضائيات من جانب اخر اسهم في توفير المعلومات وتبادل الوثائق وتدفقها وايصالها الى مليين الناس في شتى انحاء العالم وهو ماجعله اكثر تأثيراعلى وعي الجمهور المتلقي سواء العربي ام الدولي، لقد تم ادراك هذا الاثر سريعا عبر التغيير في اتجاهات الرأي العام وقناعات الناس وتبلور ذلك بوضوح عبر الكم الهائل من المتابعة والتواصل والتفاعلية المتبادلة والتخاطب الانساني عبر نظم تميزت بالضبط والدقة والتحكم والتوقيت السليم لبث المعلومات.
لقد اثبت الاعلام الالكتروني تفوقه الواضح كونه اعلاما حرا، سهل الاستخدام ومن هنا اصبح اداة رئيسية لادارة التحولات الثورية ومواكبة الاحداث واقصد دوره في انتفاضتي تونس ومصر وكيف فعل وتفاعل في صنع الحدث وانضاجه وبلوة النتائج التي ألت اليها الاحداث
ولكن رغم الامكانيات المتاحة امام الاعلام الالكتروني إلا ان استخدامه في مثل هذه الازمات يتطلب ادارة كفؤة قادرة على انتقاء المعلومة المطلوبة وكيفية التعبير عنها واستغلال عنصر الزمن والتوقيت السليم لبثها وكيفية التعامل مع ردود فعل الجماهير الحاشدة، من جانب اخر لابد من توفير أليات للتواصل مع مصادر الازمة للحصول على المعلومات الصحيحة ورفق الشواهد والادلة الحية التي تؤكد مصداقيتها وبالتالي مايولد القناعة التامة لدى الرأي العام المستهدف.
ان تكنلوجيا الاعلام والاتصال حين يتم استثمارها بشكل امثل توفر اعلاما مزدهرا يدعم ارادة الشعوب ويصون هيبة الوطن والمواطن كونه اعلاما ينتمي الى مصالح الجماهير ويعبر عن تطلعاتها وأمانيها، يسهم في تكافلها وتضامنها من اجل تحقيق اهدافها في التغيير نحو الحرية والعدالة والازدهار.
كاتب المقال استاذ نظريات التلقي الحديثة
السويد
التعليقات