د. حسين الانصاري: تشتد المنافسة وترتفع نسبة البرامج الدرامية والمنوعة خلال شهر رمضان من كل عام في القنوات العربية سواء المحلية منها او الفضائية وهكذا الحال بالنسبة للقنوات العراقية التي اصبح حضورها يتزايد عاما بعد اخر، حيث تتخذ البرامج المنوعة في الشهر الفضيل حصة واضحة من الخطة البرامجية وذلك لجذب اكبر عدد من فئات المشاهدين لايصال الخطاب الاعلامي من جانب وتمرير الرسائل الاعلانية من جانب اخر حيث ترتفع نسبة اجور عرض الاعلانات خلال مايسمى بالفترة الذهبية، ومن البرامج التي عرضتها قناة البغدادية في هذا الاتجاه برنامجين هما: خل نبوكا وبرنامج من حبك لاشاك وكلا البرنامجين لا يمكن ان يحسبا على لائحة البرامج المنوعة بل هي برامج هجينة افتفدت الى مقومات البرامج الناجحة من ناحيتي المضمون والاسلوب الفني نتبجة الاسباب التي سنناقشها فيما يلي: إن البرامج التلفزيونية ليست مادة جامدة وثابتة،ولابد لاية قناة تلفزيونية ان تواكب الجديد ولا تبقى اسيرة التقاليد الماضية من اجل الدخول لحلبة الصراع والمنافسة الاعلامية بأدوات واثقة وخبرات مهنية واحترافية لاتقان ضرورات الخطاب الاعلامي وكسر حواجز الكهنوت البرامجي السالف والذي لم يعد يتماشى مع واقع العصر ومستجدات الثورة الاتصالية والتكنوالكترونية، ولا اريد ان اطيل في الحديث عن مقومات البرنامج الناجح الذي لابد ان يستند الى قيمة اتصالية واجتماعبة وثقافية وفي ذات الوقت يسعى الى تحقيق هدف او مجموعة اهداف تنشدها القناة او الجهة المنتجة كالنهوض بالثقافة الوطنية او صيانة اللغة والاهتمام بالتراث الوطني والتعريف به ونشر الاسماء المبدعة او تربية الذوق الفني واكتشاف المواهب والاهم هو محاولة الترفيه والترويح للمشاهد بعد عناء يوم من العمل والقلق والانتظار لا سيما في الظروف الصعبة والمعاناة التي يعيشها المواطن العراقي الان. ففي ضوء ذلك كله يتم فعل المشاهدة والتلقي وتتحقق اشكال التفاعل بين طرفي البث والارسال ليتحقق الاثر من خلال التأويل وانتاج المعنى.

خل نبوكا: بين قيمة الفن وسطوة العنف
تندرج برامج المنوعات ان حسبنا هذا البرامج افتراضا تحت ظلال هذا المصطلح بأنها نوع من البرامج التي تهدف الى تحقيق متعة المشاهدة عبر ما توفره من التسلية والترفيه مستخدمة كل ما تتلقاه الحواس الانسانية بصرية كانت او سمعية، لغوية أو حركية وفق شكل فني وجمالي وفكر متجدد،بما يجعل التواصل بين طرفي الارسال والاستقبال قائما وفاعلا وممتعا، والان دعونا لتطبيق هذا المفهوم على مضمون وشكل واسلوب اداء وتنفيذ هذا البرنامج فماذا ستكون الحصيلة،! حين يتماهى الفن مع الواقع يتنصل عن خطابه الابداعي ويفقد سطوته في الارتقاء والتسامي ويتخلى عن اهم اهدافه الا وهو تجسيد الصورة الامثل للواقع او رسم الحالة الافتراضية المتخيلة والمأمولة
ولكن ما رأيناه عبر شاشة البغدادية في برنامج ndash; خل نبوكا ndash;الملتبس من العنوان الذي اريد من خلاله الاشارة الى مايجري في سجن بوكا السىء الصيت واتخذ منه عنوانا له والجانب الاخر في الارباك يكمن في طريقة اللفظ فمرة يلفظ بالكاف واخرى بالكاف الثقيلة وفي كلا الحالتين ثمة خلل واضح من حيث المصطلح او الدلالة.
اما فكرة البرنامج فهي تتواشج مع السائد حيث ان الواقع يشىء بحالة من غياب الامن وشيوع القلق والترقب والشك والخوف من مصير مجهول يلاحق اي عراقي وفي اية لحظة يمكن ان يتعرض للمخاطر والاتهام.
على مستوى المضمون والافكار مالذي اراد ان يقوله البرنامج؟ لقد وقع المعد في فخ اختيار موضوع شائك وخطير قبل ان يفكر بأنه سيوقع ضيوفه في فخ الاصطياد والاستدراج المقصود وان يجعلهم تحت ظرف قاس جدا يمكن ان يحصل لاي عراقي ويصبح في لحظات متهما بأخطر الجرائم وممارسة اعمال العنف والارهاب وهو فعل حتى لو كان غرضه المزاح وصناعة موقف تمثيلي الا انه لايقل ارتكابا لجرم التجاوز على مشاعر ووطنية وانفعال انسان قبل ان يكون فنانا او اعلاميا يخضع لحالة من التحقيق، يحيط به ثلة من الجند او رجال الحرس ويبقى لمدة من الوقت في موضع الاتهام والمساائلة المباشرة وسط فضاء مفتوح دون مراعاة لوضعه النفسي والجسدي ومنزلته الاعتبارية بوصفه يمثل قيمة ورمزا اجتماعببن, ناهيك عما يمكن ان ييدر منه اي سلوك او تصرف غير محسوب وهو تحت ظرف استثتائي كهذا. ومن جانب أخر الامر الذي يتعلق بالمشاهد بأعتباره هو الجهة المستهدفة لهذا البرنامج اساسا لا سيما المواطن العراقي في الداخل الذي يعيش في ظل واقع صعب وسط عمليات العنف والاتفجارات والمفخخات والعبوات اللاصقة التي باتت تستهدف الابرياء والعابرين الى سبيلهم دون تمييز، فهل يعقل ان نجعل المشاهد يعيش حالة القلق ايضا وهو في داخل بيته؟ ونعيد الى ذهنه تلك الصور المأساوية التي اعتاد رؤيتها وباتت تشكل هاجسا للقلق وكابوسا ثقيلا. انه من السهولة خداع الانسان ndash; الفنان- وبهذه الطريقة الخبيثة والساذجة ايضا كونها تخلو من الافكار الاتسانية النبيلة. - اما على مستوى الشكل الفني فنجد ان المخرج لم يجهد تفسه الا بوضع الكاميرا في مكان مخفي لتسجل المشهد بما يحمله من ردود فعل عفوية للضيف وحوارات وحركات مصطنعة لمقدم البرنامج الذي شابت طريقته في اداء الدور الكثير من المبالغة في الحركة والتكرار الممل لنفس العبارات والكلمات التي لاتنسجم وموقف كهذا والتركيز على تقديم نفسه دعائيا بأنه احد النجوم اللامعة في سماء الاعلام الحديث. اما بالنسبة للمجموعة العسكرية فيبدو ان المخرج قد تركهم بحرية كاملة للتصرف امام الكاميرا ولم يفطن الى ان الواقع المفترض في الفن لهو مختلف تماما عما هو عليه في الحياة، لذا جاء سلوكهم ارتجاليا في اكثر الاحيان يخلو من الدراية بفن اللعبة الذي يقوم على الاختيار والانتقاء والتكثيف والترميز وادارة الحركة بأتقان والنقطة الاهم في ذلك هي مسألة المحاكمة العلنية للضيف المتهم من قبل اشخاص غير معنيين بهذا الشأن الى جانب القيام بضرب الشخص المقدم بالارجل في محاولة لخداع الضيف بأن مايجري هو حقيقة قائمة لكن في هذا السلوك اساءة الى رجل الامن اوالحرس الوطني الذي ينبغي ان يتصرف بحكمة وبما يمليه القانون وان لا يمارس فعل العنف على شخص لم تثبت ادانته بعد، ان البرنامج عكس صورة سلبية عن رجل الامن دون قصد. وبعد انكشاف اللعبة يكون الضيف قد وصل حالة من الاعياء والقلق لتبرير وضعه وموقفه الذي يبعث اي شخص للخوف والارتباك هنا بتنفس الصعداء ويحاول ان يتمالك اعصابه بعد فخ العنف والقسوة لا يحسد عليه ـ
نراه في الاستوديو مع المقدم بعد ان استعاد شيئا من انفاسه وهو يثني على البرنامج وفكرته وطريقته المحبوكة وقدرة العسكر على الاداء الاحترافي وصناعة الدراما الراقية والموقف المؤثر موافقا على عرض الحلقة كونها ستسعد الجمهور، ولكن اية سعادة!!

من حبك لاشاك: فكرة مكررة ومعالجة سطحية
تقوم فكرة هذا البرنامج على خدعة بسيطة للفنان الضيف من خلال اشراك فنان شاب معه يدعي انه يمتلك من الموهبة والخبرة الشىء الكبير الذي يؤهله لان يكون هي مصاف الاسماء المعروفة ومحاولا تمرير اللعبة من خلال استخدام بعض الصور التي تمت معالجتها بالفوتو شوب والتي تجمعه مع فنانين معروفين او الحديث بأسلوب اثارة الاخر واتهامه بسد الطريق امام المواهب الشابة والاستحواذ على فرصهم، الى جانب القيام ببعض المواقف التي تجعل الضيف يعيش حالة استغراب لما يبدر منه كأن يدعي النعاس او الجوع او الرد على هاتف ليقاطع تسلسل كلام الضيف ومع تكرار الحالة يضجر الضيف ويشعر بأنه الامر ليس عاديا مما يقوده اما الى مغادرة البرنامج والاعتذار او التواصل بذات الموقف الساخر وفي كلا الحالتين سرعان ماتنكشف اللعبة وتفقد عملية التواصل اثرها. الشكل الفني للبرنامج بسيط في طريقة تنفيذه ويتم داخل استوديو يلعب مقدم البرنامج دورا مبالغا ايضا في الثناء على الضيوف ويكاد دوره ينحصر في عملية الربط والترضية واعادة الامور الى مجاريها، لا يحمل هذا البرنامج شيئا من الجدة والاضافة وهو استنساخ لبرامج سابقة لم نجد فيه الكثير من المتعة والتسلية بل تكريس الشخصانية والغرور والنجومية الفارغة والاساءة لقيمة الفنان واستغلاله بهذه الطرق الرخيصة، وربما تقديم حلقة واحدة من هذين البرنامجين تكفي لاستيعاب ماسيحصل في الحلقات القادمة.
ان قناة البغدادية التي اثبتت حضورها الاعلامي وصنعت تأريخا مميزا في العلاقة مع المشاهد عبر برامجها السياسية والاخبارية الصباحية التي تابعت حياة المواطن العراقي ميدانيا وأنيا لهي جديرة ايضا بتقديم البرامج الثقافية والمنوعة لذا نأمل من الادارة الفنية والجهة التنسيقية فيها الى اعادة النظر في اختيار البرامج المنوعة وفق متطلبات الضرورة الفكرية والفنية وبما يلبي حاجة المشاهد ويزرع لديه الامل والتفاؤل والتسلية الهادئة والبريئة بدلا من برامج الانفلات والغرابة والعنف والبساطة والارتجال وتجاوز مشاعر ووعي المشاهد وتماشيا مع قاعدة خالف تعرف.

كاتب المقال استاذ نظريات التلقي وناقد اكاديمي
السويد