محمد الحمامصي من القاهرة: شكل رحيل الشاعر السعودي غازي القصيبي فاجعة للكثير من المثقفين والكتاب والأدباء العرب، ففضلا عن حضور القصيبي المتميز شاعرا وكاتبا وروائيا، كان له حضوره الثقافي والإنساني، حيث استقبلته العواصم العربية في محافلها وأمسياتها وندواتها الأمر الذي جعله قريبا حتى في ظل مسئولياته سواء عندما كان وزيرا أو دبلوماسيا.

القصيدة والإنسان
يقول الشاعر جمال القصاص: لم أحظ بمقابلة الشاعر والأديب العربي د.غازي القصيبي لكنني بحكم عملي في جريدة الشرق الأوسط وعلى مدار سنوات طويلة كنت أستمتع بمقالاته التي كان يكتبها بين الحين والآخر، لقد كان رحمه الله صاحب معدن أصيل، كان له موقف وطني ناصع وهو أن العرب أصحاب حضارة ويملكون المقدرة على المشاركة بقوة في صناعة مستقبل العالم، وأنهم يرفضون دور التابع والخانع لسياسات الغرب التي يمليها وفقا لشروطه ومصالحه السياسية والاقتصادية.
تحمل القصيبي تبعات هذا الموقف المشرف بشرف وأمانة ولم يكترث لما قد ينجم عنه من مواقف قد تكد حياته، وبالفعل تجسد هذا الكدر في عملية إقصائه المباغتة من قيادة سفارة المملكة العربية السعودية في لندن، وبعد سنوات طويلة من العمل في السلك الدبلوماسي استطاع خلالها أن يبلور موقفا صلبا للدبلوماسية العربية في الغرب يساند ويدافع عنها، ويكشف زيف التواطؤات والمؤامرات التي تحاك ضدها.
موقف كل هذا لا ينفصل عن موقف القصيبي الشاعر والأديب، فلقد كان الهم العربي وقضايا الإنسان العربي أحد الشواغل الأساسية في شعره، حتى أنه كان يوحد في الكثير من قصائده بين مأزق الإنسان العربي ومأزق القصيدة نفسها، حيث تقنية الكتابة وشكل اللغة والدلالات والرموز، فالإنسان في شعره هو القصيدة وهو ما وراءها من أفكار ورؤى.
لقد امتازت قصيدة القصيبي بطاقة هائلة على الحلم والحب تجسد في لغة شفيفة وعذبة وقدرة طازجة على إثارة الخيال والأسئلة، وبهذه الروح الشعرية خاض مغامرة الكتابة الروائية، فمس في روايته quot;شقة الحريةquot; عصب الحداثة، بالمزج بين إيقاع السيرة الذاتية ومكاشفة الروح في مرآة زمن حي دوار، يجمع الماضي والحاضر في نسق سردي خصب، له رائحة خاصة حميمة، قادرة على أن تنقلك من دور القارئ المحايد إلى دور الصديق والعاشق، وكأنك أحد أبطال هذه الشقة بالفعل، أو كأنك تحلم بذلك.
رحم الله غازي القصيبي وأظن أن عطاءه الخصب سواء في الشعر أو في الأدب سيظل علامة لافتة وإضافة حقيقية في ذاكرة الثقافة العربية.

واضح الحجة
وقد نعت الشاعر والكاتب الكبير الدوائر الثقافية في مصر وفي مقدمتها مكتبة الإسكندرية، حيث نعى مديرها د.إسماعيل سراج الدين الفقيد في بيان جاء فيه quot;رحل عن دنيانا، إلا أنه لم ولن يرحل عن ذاكرتنا، إنه الأكاديمي والشاعر والأديب والدبلوماسي والوزير والإنسان غازي القصيبي الذي ننعى وفاته ببالغ الحزن والأسى، عرفته قويّ الشكيمة، طويل الباع، لا يحيد عن هدفه، واضح الحجة، منطقي التفكير، مر الرجل على مدار حياته بالكثير من التجارب الحياتية التي لم تزده إلا شجاعة وثبات؛ إذ أحدثت معظم مؤلفاته الأدبية ضجة كبرى حال طبعها، ومُنع كثير منها من التداول في بلده، وهاجمه ضيقوا التفكير والمتسلطين الذين نصبوا أنفسهم قضاة على الفكر والإبداع. تميز الراحل في كافة المواقع التي تولاها تعاونا سويا حينما كان وزيرا للصناعة من خلال عملي في البنك الدولي فكانت ثمرة هذا التعاون العديد من المشروعات التنموية ، كما أنه ذو شخصية متعددة المواهب؛ وهو ما يظهر جليا في تنوع المواقع التي شغلها.كانت بيننا منافسة علي منصب مدير اليونسكو بالرغم من كونها معركة انتخابية إلا أنها لم تمس صداقتنا الوطيدة بل تقابلنا بعدها في لندن في جلسة مطولة كانت صريحة إلي أبعد حد أكدت هذه الجلسة مدي ما يجمعنا سويا من الحرص علي الثقافة المعاصرة الحيوية التي تعطي للعرب الكثير، إنني إذ أنعي هذا الرجل المستنير، أؤكد أن إرثه سيظل باقيا في وجدان وعقل هذه الأمةquot;.

جيل تشكل وعيه عليه
ويؤكد الشاعر السعودي محمد خضر أن رحيل القصيبي يعد خسارة فادحة، ويقول: من زمن وفي وجداننا الإبداعي والإنساني كان صوته من خلال أعماله الأدبية وحضوره ومواقفه الشجاعة مؤثرا، ولعل جيل كامل تشكل وعيه بقراءة القصيبي المبدع والدبلوماسي والمثال على النجاح والوعي المغاير في زمن مبكر.
القصيبي المبدع والشاعر الكبير الإشكالي والمثقف المختلف.. أذكر أنه في أحد حواراته كان يقول إذا تذكرني التاريخ يوما فإنه حتما سينسى كل شيء ويتذكرني شاعرا، ومع كل هذا لا ننسى وعيه المبكر بالحداثة في حياته وأفكاره ورؤاه ومؤلفاته في الإدارة والتنمية.
رحيل القصيبي حقا يكاد لا يصدق فهو الشاعر والمبدع الكبير الذي نشأنا ونحن نعرفه ونقرأه له ونختلف معه ونتفق معه.. وكأنما هو جزء من وجداننا وتكويننا الثقافي بل لا يكاد أن نلتقي بأحد من الناس بكافة شرائحهم هنا لا يعرف غازي القصيبي.

ريادة في الدبلوماسية والأدب معا
وعدّ الشاعر الإماراتي خالد الظنحاني القصيبي رمزا فجع الشعر والأدب برحيله، وأضاف: ليس من السهولة بمكان أن تمر فاجعة رحيل د.غازي القصيبي دونما بكاء للقلب والعين معا، فهو من رموز الأدب العربي، ورجل من الطراز الأول في فعل الإبداع وقول الحقيقة ،هذه الأخيرة التي غابت عن المثقف العربي في زمن تمجد فيه المجاملات على حساب الحق،،هذا الرمز، شاعر من أهم الشعراء الذين عملوا بحب وتفانٍ،،هذا الرمز كاتب وروائي أسهم إسهاماً فاعلاً في خدمة الشعر والأدب والثقافة عموما من خلاله أعماله ومبادراته الأدبية التي لا ينكرها أحد، لقد كان رحمه الله متعاوناً ومتفاعلاً مع هموم المجتمع المحلي والعربي وقضايا الأمتين العربية والإسلامية كقضية فلسطين وغيرها، وقد تميزت إبداعاته بروعة العبارة، وبأسلوب متناغم مرهف وخلاق.
نعم نحن اليوم نودع رائدا من رواد الدبلوماسية والأدب معا، ونشعر بالخسارة التي حلت بالمشهد الثقافي العربي برحيله المفاجئ،وسنعمل جاهدين على إقامة العديد من الفعاليات الأدبية في دولة الإمارات، احتفاءً بإبداعاته المميزة وتخليدا لذكراه المجيدة.

في ساحة الإبداع
الكاتب مصطفى عبد الله quot;مساعد مدير تحرير جريدة الأخبارquot; ربما كان د.غازى القصيبى من ألمع المبدعين السعوديين في زماننا بما امتلكه من موهبة في العديد من مجالات الإبداع الأدبي ورؤية مستنيرة مما أكسبه هذه الشعبية والشهرة في مختلف أرجاء العالم العربي على المستوى الإبداعي والأكاديمي أيضاً، وقد عكست أعماله الأدبية بدءاً من quot;شقة الحريةquot; تجاربه فى المراحل العمرية المختلفة: طالباً مغترباً ودبلوماسياً ووزيراً حمل أكثر من حقيبة كلها كانت بعيدة عن الثقافة والإبداع، وقد كان ناجحاً فى حياته العملية بنفس القدر الذي شهدناه في ساحة الإبداع وكم أسعدنى قرار صديقي الشاعر د.عبد العزيز خوجة، وزير الثقافة السعودي، بإتاحة مؤلفات القصيبي للقارئ في داخل المملكة، وأتصور أن إبداع القصيبي يصلح لأن يكون مادة للعديد من الرسائل الجامعية في جامعات مصر وغيرها من البلدان العربية، وربما الأجنبية أيضاً.

المثقف صاحب الموقف
الكاتب الروائي السيد نجم : أحيانا يقع المثقف العربي فى حيرة من أمره، أمام بعض الشخصيات أو المواقف أو حتى الأخبار، منها ما شعرت به فور قراءة خبر المثقف (عرفته هكذا) السعودي quot;غازي القصيبى!
فقد التبستنى قناعة أن الرجل من المثقفين العرب الجديرين بالمتابعة، وذلك منذ سنوات طويلة، يوم أن وقعت فى يدى مجلة تصدرها السفارة السعودية بلندن، وأظن كان ذلك فى إحدى رحلات السفر بالطائرة، بينما وجدت المجلة ضمن المطبوعات في ظهر المقعد أمامي، وان تصفحتها على أنها مجلة رسمية تصدر عن سفارة، في بادئ الأمر، إلا أنني سرعان ما انتبهت إلى الجهد الحرفي والفكري المتضمن ببعض موادها، ما جعلني انتبه على اسم رئيس التحرير والسفير quot;غازي القصيبىquot;.
ومنذ ذلك اليوم البعيد أتابع أية أخبار عنه، وأي نشاط فكرى أو إنتاج أدبي، وزاد تطلعي فوري علمي بوفاته، حيث كانت المقالات التي نشرت على الانترنت توجز وتجمل ما أعرفه أكثر كثيرا عما كنت أعرفه من قبل، لذا أعود إلى سؤالي عن سر عدم التواصل أو التقصير بين مثقفي العالم العربي، هل يرجع إلى المثقف أم إلى المؤسسات الإعلامية؟ أم إلى النظم الحاكمة التي لم تعد تولى للثقافة أو المثقفين القدر الواجب من الاهتمام والرعاية والمتابعة.
رحمه الله رحمة واسعة، فقد كان عربي الانتماء، تشغله القيم العليا وقضايا الإنسان، في الحرية والحياة الكريمة.