حميد عقبي من باريس: لا يوجد مجتمع مثالي على هذا الكون ولا مدينة فاضلة، اكبر العواصم الأميركية والاوروبية تعج بالجريمة والعنف والقسوة وسلبيات اجتماعية كثيرة مثل العنصرية بسبب اللون او الجنس او الدين او الهوية الجنسية وهناك مؤسسات تسعى إلى رصد ومعالجة والوقوف ضد ضحايا العنصرية والعنف، ولعل هذا يخفف نوعا ما من قسوة المجتمعات، في العالم العربي بالتأكيد توجد السلبيات نفسها إضافة الى القمع والديكتاتورية والاضطهاد الديني للفكر والإبداع لكن الشرق بصفة عامة يمتاز بالروحانية وطيبة البشر وكان وما زال الشرق منبعا للخير والجمال والبساطة.
المخرج السينمائي quot;بير باولوبازولينيquot; قام بتصوير معظم افلامه في بيئة شرقية مثل اليمن وتركيا وايران وسوريا والمغرب العربي وكان يرى الشرق بصفة عامة منبعا ومنجما للروحانية والانسانية وكان يعشق الاساطير ويمزج الاساطير بخرافات الشرق لتقديم وجه الطفولة الانسانية الذي يكاد ينقرض بسبب المادية الغربية وفساد الطبقة البرجوازية والانظمة السياسية، اما السينما الاميركية فاستخدمت بيئة الشرق للدلالة على وحشية الانسان باعتباره نموذجا للبدائية وكثيرا ما نرى رجلا اشقر يأتي لإنقاذ الناس حاملا السلام والعادات المتحضرة باعتبار الشرق نموذجا للتخلف والجهل والعنف.
فيلم quot;الجنس والمدينة الجزء الثانيquot;يعيد التصورات نفسها عن الشرق ولكن الشرق الحديث وقد اعطى اهتماما بالغ للمباني والعمارات والفخامة اكثر من الانسان وركز صناع الفيلم على سلبيات فعلا هي موجودة في عالمنا العربي لا يمكن ان ننكرها ولكنه تجاهل بشكل مقصود ظواهر حضارية وانسانية وكان الهدف التقديم والترويج للنموذج الاميركي باعتباره النموذج الفريد
والمثالي عبر شخصيات نسائية اربع تأتي الى ابوظبي بدعوة من شيخ اماراتي يوفر لها وسائل رفاهية خيالية ويسعى الفيلم لعكس الواقع من خلال هذه الشخصيات.
بداية الفيلم تكون بحفل زواج مثلي في نيويورك ويتم تصوير الحفل بشكل مبالغ فيه بحيث يتحول لحفل اسطوري فخم ومدهش للدلالة ان هذا المجتمع تجاوز كل التعقيدات والقيود وهو عالم رحب وحر ونموذجي، اهداف اخرى تجارية بحتة من خلال المشاهد الاولى كونها دعاية واعلانا للملابس والاحذية والاكسسوارات ما يجعلنا ندرك من الوهلة الاولى اننا امام فيلم تجاري ودعائي بحت وان القضايا التي يثيرها مجرد مصيدة للمتفرج في الشرق او الغرب.
السيدات الأربع، كاري برادشو، التي تقوم بدورها الممثلة الأميركية سارة جيسيكا باركر، وسامنثا وميراندا وتشارلوت، ممن تقوم بأدوارهن الممثلات: كيم كاترال وكريستن ديفيز وسينثيا نيكسون، اربعة نماذج مختلفة في بعض الافكار والعادات تجمعهن صداقة وطيدة ومن خلال الحوارات يتم عكس بعض وجهات النظر حول امور اجتماعية عصرية تهم المرأة النيويوريكية وتقديم وجه مشرق للحضارة الاميركية باعتبارها ارقى حضارة انسانية معاصرة حاليا.

الفيلم لم يحظ باستقبال جيد في المهرجانات السينمائية باعتباره فيلما تجاريا بحتا، لكنه نموذج يدين الحضارة الاميركية الجديدة اكثر منه يحاول زخرفتها بنوع من الهالة والالوان الكاذبة والمباشرة في الطرح والمبالغة افقدته المصداقية quot;فكاريquot; مثلا تقضي وقتا عصيبا بسبب انها قبلت صديقا قديما وتطلب الاعتذار من زوجها للدلالة على عمق العلاقة والاخلاص للزوج والواقع بان المجتمعات الغربية والانسانية بشكل عام تشهد اضطرابا في العلاقات العائلية بسبب المتغيرات الجديدة وسطوة المادية ونسبة الطلاق في بعض المدن تصل الى تسعين بالمئة ومسالة العلاقات الجنسية في ظل مؤسسة الزواج أمر واقعي.
سامنثا تظهر كشخصية متحررة تبحث عن المتعة الجنسية وتتحول ابو ظبي الى جحيم بالنسبة لها بسبب ايقافها كونها حاولت ممارسة الجنس مع رجل امام الناس وهي تعتبر هذا تخلفا ويتم احتجازها وبسبب هذا التصرف يتم الغاء الحجز والضيافة، في المشهد الاخير نراها تمارس الجنس في مكان خال وصحراوي في اميركا وهي تصرخ كدلالة على اللذة والحرية الجنسية وهي قد تكون شخصية منحلة وساقطة بالنسبة للمتفرج الغربي ايضا، اما شارلوت فهي ام وزوجة ويشغل تفكيرها خوفها من ان يخونها زوجها مع مربية الاطفال والتي في الاخير نكتشف بانها مثلية وذلك لتبرئة الزوج، ميراندا هي نموذج اخر استطاعت التخلص من قمع مديرها بالعمل وهي اكثرهم حرصا على احترام عادات الشرق بما يخص المظهر اي عدم التعري امام الناس، لكن الشخصيات والنماذج الاربعة كانت نظرتها تجاه بعض القضايا متفقة خصوصا عندما مشاهدة امرأة عربية تاكل الشبس وتبذل جهدا كبيرا مع البرقع وهذا امر واقعي في المطاعم ولكن مبالغ فيه ان نرى فتاة مبرقعة تجلس امام حوض سباحة فالامارات العربية وابو ظبي بشكل خاص من المدن العربية المنفتحة، انا ضد البرقع باعتباره يعزل المرأة وانتقاصا من حقها ولكن من يقوم بزيارة دبي او ابو ظبي يجد نوعا كبيرا من الحرية الاجتماعية نحلم ان نرى مثله في مدن اخرى في اليمن او السودان.
لم يكن هناك توازن او تعمق في هذا الواقع بحيث ظهرت صورة الرجل العربي حيوانيا ومتوحشا وظهرت صورة المراة اشبه بجارية في قصص الف ليلة وليلة، بالطبع لن ننكر قسوة الواقع في عالمنا العربي وسيطرة التيارات الدينية وتضخيمها الكثير من الامور وصرفها الفتاوي لعزل المراة وحبسها ومحاربة اي نوع من انواع التحرر الاجتماعي والفكري والحضاري وهذا الداء على السينما العربية ان تكثف من نشاطها لابرازه والتعمق فيه، فكل يوم نسمع فتوى جديدة ومن اغرب هذه الفتاوى تحريم حمل الخيار او الباذنجان الى المنزل واظهاره للزوجة وضرورة تقطيعه في السوق باعتبار هذه الاشياء ذات ايحاءات جنسية وهذا امر معيب ومخجل.
في مشهد السوق اثناء الرجوع للمطار وما يحدث من مشكلة بسبب تهور سامنثا ثم هروب الشخصيات وبمساعدة نساء من المنطقة خلف السوق تكتشف الشخصيات ان النساء المحجبات والمنقبات من الخارج يتابعن ويلبسن افخم الملابس والموديلات ولعل ذلك دلالة ان الحضارة الاميركية اخترقت الداخل والعمق ولكن هذه البراقع شكليات يمكنها ان تنقرض وهذا المشهد جاء ليخفف من هول المشكلة التي وقعت فيها الشخصيات الاربع وفي الاخير لا يقف اي تاكسي وبمجرد ان كشفت احداهن عن فخذها توقفت سيارة فخمة وهذا الاجراء أشبه بإجراء انتقامي آخر في نهاية الفيلم ليكشف عن حماقة وحيوانية العرب حسب تصوير الفيلم ورؤيته.
مثل هذا الفيلم يضعنا امام مسؤولية مهمة جدا وهي ضرورة ان تعي السينما العربية اظهار صورة العربي او الواقع العربي بشكل فني وانساني والتوغل في الروح وان لا نهمل او نمارس تزويق الواقع والزخرفة الكاذبة فمن الافضل ان نصور نحن سلبياتنا وواقعنا المتناقض ونبحث عن حلول مناسبة ونطرح قضايا محرمة للنقاش والجدل والا نظل اسيري الهيمنة الدينية ونزوات رجال الدين الذين يحرمون خروج المراة وتمتعها باختيار شريك حياتها مثلا ويبيحون للرجال زواج المسيار وزواج الخميس والجير فريند وزواج الصغيرات والعرفي والمتعة وغيرها من الاشكال التي هي نوع من الاسترقاق والعبودية للمراة
وعلينا الا نلوم السينما الاميركية او غيرها في اظهار صورة سيئة لنا وعلينا ان نمارس الوسيلة نفسها والاسلوب نفسهللرد ولكننا مازلنا نستخدم هذه الوسيلة بشكل ترفيهي او ساذج وقليلة جدا الافلام العربية التي تعكس واقعا انسانيا وقضايا حضارية ووجهة نظر فكرية وفلسفية.