إعداد عبد الله كرمون من باريس: كتب بيير أسولين في الملحق الثقافي لجريدة لوموند عن أحد عمالقة الأدب الفرنسي الذي رحل في السنوات الأخيرة، مشيرا إلى أن لويس بوارييه الذي سمي به مثل غيره من الناس لم يعد يذكره أحد بعدما اتخذ له اسم جوليان غراك الفريد والذيلا يزال حديث الناس. مشيرا بشكل تلميحي إلى أن أحد ساكنة بلدة سان فلورون لو فيي الواقعة في منطقة المين واللوار، أي جوليان غراك، سوف يبلغ في اليوم السابع والعشرين من شهر يوليو/تموز القادم مئة سنة من عمره.
هذا الأمر هو الذي يهمه إذن. ويصرح بأن هذا الحدث سوف يقلق، بحق، المهتمين والشغوفين بجوليان غراك، وهم على مشارف هذه الذكرى الأولى. لكن الذي سوف يزعجهم أكثر، في نظره، ليس هي اللقاءات المتوقع إجراؤها في ثانوية هنري الرابع، وليس أيضا quot;جائزة غراكquot; التي لُوِّح بإحداثها ثم سُحب ذلك المشروع إذ لا معنى له وقد يسخر منه غراك نفسه لو بقي على قيد الحياة. ما سوف يحير الغراكيين (محبي وأصدقاء غراك) هو اختيار الكتاب الذي عليهم نشره بالموازاة مع تلك الذكرى، خلافا لما نشره قراء مارسيل جوهاندو بعد موته أي quot;كراسات شامينادورquot;، وهي منطقة سبق أن كتب عنها جوهاندو نصوصا قصيرة تأتي على حياة أهلها منتقدا إياهم، وساخرا منهم أحيانا.
أشار أسولين إلى أنه لم يَرُق لأصدقاء جوليان غراك صدور كتاب جان دو ماليستروا منذ ما يقرب عن العام. وهو كاتب مزارع وجار لغراك. فقد كان يزوره مرتين كل عام ما يقرب من الأربعين سنة، وظل يسجل سرا مجريات محادثاتهما.
صرح ناشر غراك بِرْترون فيلودو بأن: quot;موضع الوقاحة في الأمر ليس هو أن نشهر في الناس ما كان شخصيا، ولكن هو أن نفعله عندما لم يعد المعني بالأمر على قيد الحياة، خاصة عندما نعرف مواقف جوليان غراك الراديكالية بهذا الخصوصquot;. ولو اكتفى الكتاب بأن يكون مجرد كتاب غير جوهري وغير ذي شأن فقط، فإن غراك سوف يكتفي بهز كتفيه. لكن الذي أثار حفيظة الغراكيين هو الجزء الأخير منه والذي أتى على وصف جوليان غراك بأنه رجل وهن وهرم، ما استنكره أصدقاء غراك الذين أكدوا أنهم لم يلحظوا لديه أدنى وهن فكري حتى آخر أنفاسه.
كما أن منشورا قد وزع في باريس مؤخرا، أنجزته الأميركية إنجبورغ كون، وهي أستاذة الأدب الفرنسي في الأكاديمية العسكرية لويست بوان. سبق لها أن ترجمت بعض كتب غراك إلى الإنكليزية. أتت في منشورها على بعض جوانب سيرة جوليان غراك، والتي تلقفتها خلال زياراتها المتكررة له طوال خمس عشرة سنة وذلك لأربع مرات تقريبا كل عام. على الرغم من حرارة سطورها عن غراك الذي ربطتها به صداقة أدبية بالخصوص، فإنه متى صدر على شكل كتاب سوف يوصم بما يوصم به ما يكتب عن أشخاص متوفين.
أكد ريجيس دوبريه: quot;كنت أريه على الدوام كل ما أكتبه عنه لكي لا أضعه أمام الأمر الواقع، ولم يعدل منها أي شيء أبداquot;. كما أن فيليب لوغييو، وهو أيضا من أحد الأوفياء لغراك، قد ذكر أنه أرسل له الكتابين اللذين خصصهما له، ما عدا quot;الغذاء على ضفاف نهر اللوارquot; الذي صدر سنة 2007 بعيد رحيل غراك. أشار فيليب إلى أن غراك يدرك بأنني سوف أكون رزينا وكتوما.
يقول أسولين إن جوليان غراك كان في الواقع ساخرا أكثر مما يمكن توقعه، ولم يكن يبخل بأحكامه على معاصريه. لأنه كان لاذع النقد، لم يكن شريرا ولكنه كان شرسا، ونجد ذكرا لذلك في كتاب انجبورغ كون. ثم هناك أيضا كراسة تحتوي على خمس وثلاثين صفحة تعود إلى سنة وفاة غراك عينها. والتي سجل فيها بيد معلولة مفاصل أصابعها هواجسه في العلاقة مع الأدب. هذه الكراسة توجد اليوم في حوزة وصيفته، والتي تسعى إلى بيعها، على الرغم من أن بندا في وصيته يؤكد منع نشر أي كتابات من ذلك النوع إلى غاية 2027.
يمكن تلمس بعض طعناته تلك في الكاتالوغ الأخير لمكتبة quot;نوف ميزquot;، والتي تعنى أيضا بمعالجة المسودات، ويتضمن ما يعادل 110 رسائل وبطاقات موجهة لكاتب صديق. نقرأ فيها خيبته لدى قراءة quot;مئة عام من العزلةquot; لماركيز، إذ اعتبرها مجرد هذر يتفوه به حكواتي مشرقي، ورأى أنه سيكون أكثر إمتاعا الإنصات إليها في ساحة جامع الفناء في مدينة مراكش المغربية. كما هجا فيها أيضا كتابات الفيلسوف المزيف برنار هنري ليفي وكذا جان إشنوز. ولم يفته أن يؤكد أن ريجيس دوبريه هو ذكي على الرغم من تشبثه بالصيغ الجاهزة.
لقد بيعت هذه الرسائل جميعها إلى أحد الهواة. وسوف يهزأ من ذلك شبح السيد بوارييه.

[email protected]