ماجدة داغر من بيروت: أثار خبر غياب الشاعر والأديب والدبلوماسي والوزير الدكتور غازي القصيبي الأسى والحزن في الأوساط الثقافية اللبنانية، لدوره الكبير في حركة التنوير التي رافقت مسيرته الفكرية، ولما يتمتع به من حضور ثقافي متميز في الساحة الأدبية. وأبدى معظم الكتّاب والأدباء في بيروت أسفهم العميق لخسارة أحد أعلام العالم العربي، وأعربوا لـ quot;إيلافquot; عن حزنهم لفقد شاعر طليعي كبير أعطى القصيدة والرواية والعمل السياسي بعداً ومدى جديدين سيتركان أثراً كبيراً في الأدب العربي. وهنا بعض الشهادات في الشاعر الراحل:
الشاعر محمد علي شمس الدين:
|
غازي القصيبي هو علم ثقافي من أعلام المملكة العربية السعودية. هو متعدد الاهتمامات لكنني من المهتمين به روائياً وشاعراً. ترك القصيبي عدداً من الروايات أبرزها رواية quot;شقة الحريةquot; التي تعتبر من الروايات المؤسسة في المملكة، حتى لو انها اخذت صدى أكثر مما أخذ شعره. إلا انني شخصياً أنحاز إلى شعره وبشكل أخص إلى مجموعة شعرية له إسمها quot;سُحيم عبد بني الحسحاسquot; وهو كان عبداً لقبيلة بني الحسحاس، وكانت القبيلة تحتقره نظراً للونه الأسود، ولكنه كان شاعراً وشديد الاعتداد بنفسه فانتقم من القبيلة من خلال نسائها، وكتب أشعاراً سمّى فيها النساء اللواتي أحببنه وأحبهن وعاشرهن، وكانت تلك وسيلته للانتقام، وبعد ذلك قتلوه. فالموضوع درامي والحكاية ذات دلالات استلّها القصيبي من عمق التراث، وكتب فيها مجموعة شعرية من أجمل ما قرأت، إذ استطاع أن يوظَف الحدث بجميع وجوهه العنصرية والدرامية وجدل الحب والانتقام، وكأنني في كتاب القصيبي أمام دراما شكسبيرية.
برحيل د. القصيبي خسرت الثقافة العربية إسماً محترماً من أسمائها، وهو لم يكن من الذين يخضعون لموقعهم السياسي، بل كان أكبر من مواقعه الدبلوماسية. لقد كان نديّ الإحساس لأنه شاعر وروائي قبل أن يكون وزيراً. حزنت عليه حزناً شخصياً وإبداعياً، ولكن هذه هي الحياة، يرحل هو ويبقى شعره وأدبه وتبقى سيرته العطرة.
الإعلامي والشاعر زاهي وهبي:
لا شك أن رحيل د. غازي القصيبي هو خسارة لكل قارئ ولأي باحث عن كلمة عميقة وعن نص جميل، سواء بالشعر أو بالرواية. أهم ما في تجربته أن المسؤولية والمهام الرسمية لم تقفا حائلاً بينه وبين النص الإبداعي. فهو لديه الكتابة المتحررة من الشكليات الرسمية ومن القيود التي
يفرضها المنصب. هو رمز لجيل كامل مثَله وعبّر عنه بعدد كبير من الروايات والقصائد أبرزها quot;شقة الحريةquot;، فضلاً عن تجربته الإدارية وعناوين كبيرة.
الملفت في شعره اهتمامه بالقضايا العربية العادلة والفلسطينية منها، فهو كتب أكثر من مرة عن المأساة الفلسطينية والواقع العربي المأزوم. نصوصه الجريئة والشجاعة تكمن في كونها تصدر عن غازي القصيبي وما يمثّل على المستوى الشخصي والدبلوماسي، والقصائد التي تسببت بنقله من موقع إلى آخر. سنفتقد برحيله إسماً كبيراً من رواد الكتابة العربية المعاصرة والسعودية في شكل خاص. وهو ترك أثراً على عدد كبير من الكتّاب السعوديين، ومنهم من ساهم في تشكيلهم. لا يستطيع الكاتب أو القارئ إلا أن يشعر بوجع حقيقي برحيل القصيبي. لقد فاتني أن أحاوره نظراً للظروف فكان الموعد المؤجل دائماً، وشاءت الأقدار أن يرحل من دون تحقيق هذا الموعد.
الأديبة والشاعرة دكتور نور سلمان :
أعزّي العالم العربي برحيل هذا المفكر الكبير. كان شاعراً متميزاً، وكلما فقدنا شاعراً نشعر أن نجمة سقطت من السماء، خصوصاً برحيل القصيبي الذي كان وطنياً وصادقاً وجريئاً جداً، ولم تفسده الشهوات المادية. كما كان لديه ولاء عظيم للإبداع. يبقى دائماً رسالة العنفوان والأنفة والوطنية.
الشاعر شوقي بزيع:
لم يحدث أن تعرفت على الشاعر والدبلوماسي والسياسي بشكل مباشر، لكن هذا لا يشكل عائقاً أمام قراءتي له بموضوعية، لأن ما يبقى في النهاية من الكاتب هو النص.
لذلك أستطيع من خلال قراءتي الشعرية على وجه الخصوص، أن أقول إن الهواء الذي يلفح شعره هو هواء quot;شاميquot; بامتياز، كأنه لا يبدو قادماً من الصحراء أو من طبيعة قاسية، بل يبدو شفافاً
مرهفاً وتبدو اللغة طريّة ذات أبعاد جمالية لافتة، هناك رشاقة في الإيقاعات ببساطة في التعبير تتقاطع إلى حد ما مع مناخات المدرسة اللبنانية في الكتابة المتمثلة في سعيد عقل والأخطل الصغير، كما تتقاطع بقوة الحياة واللغة الشفافة عند نزار قباني، من دون أن يعني ذلك وقوعه الكامل في نسخ هاتين المدرستين، لأن الشعر عنده يستند إلى الحياة ويتصل بدورة الدم. حيث أن القصيبي عاش قصيدته قبل أن يكتبها، سواء في علاقته بالطبيعة أو بالمرأة أم بالزمن الذي شكل شغله الشاغل في فترة كهولته.
وقد تكون مفاجأة القصيبي الأهم متمثلة في ديوانه quot;سحيمquot; الذي استلهم فيه تجربة الشاعر القديم عبد بني الحسحاس. هي مجموعة شعرية رائعة يتحدث فيها عن علاقة الجمال بالرعب والحب بالموت، وأظن أنها لم تُقرأ بعناية من قبل النقاد العرب، وهي من أجمل ما كُتب في شعر الحب العربي.
الشاعر والصحافي يحيى جابر:
استطاع غازي القصيبي أن يحقق صوتاً خاصاً في الأدب السعودي، وهو صاحب الروايات الجريئة والشاعر المشاكس في بيئته. كان تنويرياً يسعى إلى المعاصرة، وفي عمله السياسي كان يسعى إلى تطوير آلية المجتمع. وبرؤيته السياسية كان صاحب نظرة أقرب إلى الشاعر.
الكاتب والناقد دكتور ياسين الأيوبي:
د. غازي القصيبي رحمه الله هو أحد طليعيي الشعر السعودي الحديث، عرفته في التسعينات من القرن الماضي عندما كنت أحضّر أطروحة للدكتوراه حول الشاعر السعودي الراحل حسن عبدالله القرشي. لفتني شعره لأنه أثبت حضوره وكانت له قصائد فيها ميزة من مِيز الشعر العربي الحديث الذي خرج من إطار المناسبات والمدائح وما شابه مما عُرف عند شعراء كثر. كان يحاول أن يطبع شعره بطابع خاص في بعض موضوعات الغزل وشيء مما يقوله اليوم البعض من شعراء الشباب. وربما الغربة التي عاشها جعلته يتحرر من تزمت الكتابة الشعرية في الخليج العربي. آسف لرحيله وأعزّي الشعر العربي بغيابه.
التعليقات