الجابري: الأنثى التي تطلق كل خزائنها لا تبقى لها فتنة ولا يبقى لها جمال

عبد الجبار العتابي من بغداد:في سابقة، يمكن اعتبارها، طريفة وظريفة معا، امتلأت باحة المسرح الوطني في بغداد بالعشرات من الفنانات اللواتي ارتدين اشكالا والوانا من الحجاب، عبر ازمنة متعددة، وهو ما كان يلفت الانتباه في تلك الصور التي انتشرت مؤلفة اول معرض من نوعه يقيمه المصور الفوتوغرافي الفنان علي عيسى، مصور دائرة السينما والمسرح، وحافظ ارشيفها الفني، الذي اقامه لمناسبة شهر رمضان المبارك وحمل عنوان (من وحي الروح) وضم (150) صورة لعشرات الممثلات العراقيات عبر الادوار التي قمن بتجسيدها في السينما والمسرح والتلفزيون فضلا عن صور شخصية لهن في مناسبات معينة، والمعرض الشخصي لعلي عيسى يحمل الرقم (60) ضمن معارضه التي ابتدأها قبل اكثر من ثلاثين عاما، وكان الفنان يتباهى بأنه جمع الصور هذه من اعماق النسيان الذي لفها ولم يكن لأحد ان يستذكر تلك الصور لولاه.

لكن الصور المعروضة فتحت الباب ازاء تفسير البعض حول المغزى من المعرض، وهو ما حاول المصور الرد عليه بأنه لا يهدف الا الى عرض صوره من خزينه الارشيفي في مناسبة شهر رمضان، ولكن ما تحدث به وكيل وزارة الثقافة جابر الجابري احدث لغطا ما بين الحضور حتى انه شعر بذلك فعلق عليه من باب المزاح، ولكن ما بعد كلمته قالت لي احدى الفنانات (اراد ان يحجبني فقلت له انا شيوعية!!!).

المصور علي عيسى قال عن معرضه: هذا المعرض الجديد من نوعه يختلف عن المعارض السابقة التي اقمتها خلال حياتي الفنية التي بدأت من عام 1977 ولغاية هذه اللحظة، المعارض السابقة لي كانت جميعها عن الفن العراقي او المسرح العراقي او الصور الفنية او الشارع العراقي بشكل عام، ولكن في هذا المعرض تناولت الفنانات العراقيات في الحجاب، الحجاب على اختلاف اشكاله: (الفوطة، الشيلة، الجرغد او العباءة او القبعة)، عرضت في المعرض 150 صورة جسدت لاعمال سينمائية او مسرحية او تلفزيونية للفنانات اثناء تجسيدهن للادوار التي قمن بها وهن يرتدين الحجاب، فجمعت هذه الصور التي هي من سنوات مختلفة لعرضها في هذا المعرض لمناسبة شهر رمضان.

واضاف: اغلب الصور لاعمال فنية ما عدا قلة منها لاسيما بعد احداث عام 2003 حيث ارتدت بعض الفنانات الحجاب خوفا من المشهد العام للشارع العراقي وكونهن ظهرن في صورة جديدة فكنت اشتغل هذا الموقف وألتقطت لهن صورا هي جزء من هذا المعرض.

وتابع: الغرض من المعرض الابتعاد عما كنت اقدمه في معارضي السابقة ووجدت انه يمثل قفزة جديدة لا بد من اظهارها كونها تمثل نوعا من الطرافة، الصور معبرة عن نفسها بتلك الجمالية التي عليها الفنانات، لكنني لا اقصد من ذلك الاساءة الى الحجاب او تمجيده، وجدت انها صور مميزة تمتلك خاصيتها من خلال ارشيفي الخاص فأحببت ان اعرضها كونها، والمعرض.. يمثل لي منعطفا جديدا في شكل المعارض التي اقيمها، المعروف عني انني اقيم معارض عن المسرح او السينما او عن منتدى المسرح او عن الفن العراقي عامة وحسب مناسباته، الان.. علي عيسى في صورة جديدة على الرغم من انني سبق لي ان اقمت معرضا للصور من واقع الشارع العراقي.

وقال علي ايضا: المعرض ليس دعوة للحجاب وانما اردت فقط ان اقدم صورا جميلة ومعبرة ومن الذاكرة للفنانات العراقيات، ولم تخطر على بالي اية فكرة عن الحجاب من منظوره الديني ابدا، وكل ما هنالك انني اغترفت من ارشيفي الفني هذه المجموعة من الصور التي جمعها جامع واحد بمناسبة شهر كريم.


افتتح المعرض الوكيل الأقدم لوزارة الثقافة جابر الجابري يرافقه مدير دائرة السينما والمسرح الدكتور شفيق المهدي، وبحضور فرقة الجالغي البغدادي التي ملأت اجواء الباحة بموسيقاها التراثية، كما كان هناك حضور لافت للفنانين والإعلاميين.

وكيل الوزارة الجابري قال: نحتفل اليوم بغابة من النرجس والياسمين ومن الورود التي لم يصنع احد مثل جمالها وروعتها واشراقتها وإطلالتها على روحنا، هذه الروح التي تضفي عليها المرأة كل معاني العاطفة والجمال والدفء والخصوبة والحنان، هذا الكائن الاجمل في الكون، اليوم يطلقها الاستاذ علي عيسى في معرضه الستين محجبة، ومن هنا نريد ان نشير ولو باقتضاب الى هذه القضية، قضية الحجاب، ونحن كما قلت في شهر الله، في شهر رمضان، فأمام هذا التهتك والابتذال والانحلال والتعري والسقوط الاخلاقي في العالم كله، نحتفل اليوم في قلب بغداد، بغداد الجميلة الرائعة الاجمل بين المدن والعواصم، نحتفل بالحجاب الجميل، وأظن هذه الالتفاتة من الاستاذ علي في هذا الشهر التفاتة رائعة وتبنيها من قبل السينما والمسرح التفاتة اروع، انا اقول إن الكائن الاجمل في هذا الكون هي المرأة وان الله اراد ان يطلقها رحمة للعالمين واراد ان يطلقها عطرا وجمالا وبهاء وقلبا وروحا اخاذا، لذلك موضوع الحجاب الذي فرضه الاسلام وفرضته الديانات السابقة للاسلام، لم يكن هذا الحجاب لاهانة واذلال وحجب وحجز حرية المرأة وكرامتها بقدر ما اراد لها ان تكون اكثر وهجا وبهاء وروعة وتأثيرا على الطرف الاخر وهو الذكر، هذه المرأة التي تحجب ما فتن به الرجل او ما يفتن الرجل، هذه الصورة الرائعة من الارادة الالهية الجميلة، اراد الله ان يحميها ويحفظها ويطلقها نجمة وكوكبا كما الليل عندما يدير القمر بهالته ويدير النجوم والكواكب بهالتها، لذلك انا كشاعر وكأديب وانتم فنانون مرهفون وانا اتكلم من موقع الذوق ومن موقع الرغبة ومن موقع الحس بالجمال، انا اعتقد ان الانثى التي تطلق كل خزائنها من الفتنة لا تبقى لها فتنة ولا يبقى لها جمال، انا انظر هكذا، مع احترامي، وانتم براحتكم ونحن ديمقرطيون، لذلك في شهر رمضان اشاهد اكثر الموظفات يرتدين الحجاب، انا كمتذوق كشاعر، اقول: (قل للمليحة بالخمار الاسود / ماذا فعلت بناسك متعبد / قد كان شمر للصلاة ثيابه / حتى وقفت له بباب المسرح الوطني!!!)، انا اقول لعزيزاتنا لجميلات العراق، وصدقوني انا خضت العالم كله ولم أر جمالا حقيقيا بقدر الجمال العراقي، لذلك نريد لهذا الجمال روحا وجسدا ان يبقى مخفورا ومحفوظا ومصانا واخاذا وجذابا بهذه الفوطة او الشيلة او المقنعة او الحجاب او اي شيء اخر، انا اتكلم ليس من باب التدين والتطرف والتعصب ولانني انا على اساس محسوب على الاسلاميين، ليس من هذا الباب اتكلم، بل اتكلم من الناحية الجمالية الصرفة، واعتقد ان اذواقكم مع (كل محظور مرغوب) واعتقد انكم في داخلكم، وهذا ما يجب ان نبوح به الى كل الاناث والبنات الجميلات الفاتنات، نبوح به: ان اولئك الفنانات الممثلات الجميلات اللواتي يظهر الجمال فتنتهن واشراقتهن وضوءهن واطلالتهن، والحجاب يطلق الجمال ولا يحجب الجمال، لان المرأة كل ما عندها ومفاتنها ومعالم وجهها وايحاءاتها لما تحمى في اطار، وهن اعتقد يعرفن هذا السر، فأذا هي اطلقت كل ما عندها من هذا الجمال ماذا بقي، والى ماذا انظر بعد، وعلى اي شيء ابحث؟ اذا هي تقدم لي كل ما في جعبتها، كل ما في خزينها الجمالي، اذن عما سيبحث بصري ونظري مرة اخرى، هذا انا اقوله مع اعتزازي واحترامي بكل حرية وذوق واتجاه، لذلك انا من باب الحرص الحقيقي على الجمال العراقي الذي اخرجه الاستاذ علي عيسى من خلال الفنانات الجميلات والرائعات، اظهر هذه الهالة السوداء حول القمر المشرق، حول هذا الوجه الذي يوحي، حول هذه العيون، والشفاه والخدود، (اريد ان اتحدث على راحتي على الرغم من انني صائم وهذا ليس من المفطرات)، لذلك انا من باب الحرص على هذا الجمال والذوق اتحدث مع سيداتنا وآنساتنا وحبيباتنا وزميلاتنا لانه لا بد من حفظ هذا الكنز الهائل والرائع بما يحميه لانه بالتجارة والاقتصاد يقولون (كلما يزداد العرض يقل الطلب)، نحن نريد ان نقلل هذا العرض ليزداد عليه الطلب وتزداد الرغبةفي اكتشافه وفي الوصول الى اسراره ومكنوناته، فنحن من هذا المنطلق انا اشكر المصور علي عيسى حينما اظهر الممثلات الفاتنات الجميلات وهن مطوقات بهذه الهالة من الضوء وهن يشرقن بهذا الحجاب، لذلك انا من دعاة الحجاب ليس من باب التدين ولكن من باب جاذبية المرأة وحفظ جمالها وروعتها واشراقتها لكي لا تكون مبتذلة ومعروضة للجميع دون مقابل، دون ثمن، انا اريد ان ابحث عما وراء هذه (الفوطة، او الشيلة، او المقنعة او الايشارب) بالاصطلاحات المتعددة العربية، واعتقد انهن يدركن تماما ان جمالهن ليس عرضة للشراء والبيع بالمجان وانما هن كنوزنا وثرواتنا الهائلة واسرارنا التي لانريد ان نقدمها لكل من هب ودب، اتمنى لهذا المعرض ان يكون رسالة.

اما مدير دائرة السينما والمسرح د. شفيق المهدي فقال: الفنان علي عيسى الفنية يجسد وثيقة الفن العراقي والمسرح العراقي، انه انسان صادق في عمله وحريص عليه، فعندما كان البعض منشغلاً بسرقة ارشيف الدائرة ما بعد احداث 2003 كان هو يحافظ على هذا الأرشيف، لذلك نوجه له الف تحية لأنه حفظ الذاكرة والأرشيف معاً.

فيما قالت الفنانة عواطف نعيم: علي عيسى فنان قناص، قناص للحظات الجمال، انه يقتنص اللحظة في سخونتها فيحفظها لنا، علي.. هو من حفظ الذاكرة العراقية عبر العروض المسرحية عندما حدث ما حدث في العراق واهتزت اركان الوطن وبحثنا عن ارشيفنا وشعرنا بالخوف والهلع، اكتشفنا ان علي عيسى حفظ لنا هذا الارشيف، حفظها لكل اجيال المسرح العراقي، علي عيسى نحن نقول له: شكرا لك لانك كنت حافظا لكل ما نحلم به، شكرا لك لان كنت موثقا لكل لحظاتنا الإبداعية لكي تبقى في ذاكرة المسرح العراقي وفي خارطة المشهد الثقافي الفني العراق.