يتكرر هذا الموضوع في الأحاديث والحوارات التي تطرق أذني يومياً حتى أصبت بتخمة الملل : فشل العلاقات العاطفية في المجتمع الإماراتي. اعتورني الملل حتى كيفت نفسي على تقبل كل ما أسمعه.

ما من فتاة مثقفة أو غير مثقفة حادثتها في هذا الموضوع إلا وتعكس نبرة حديثها نغمة سخرية يائسة من ايجاد شريك الحياة المناسب كذلك الأمر نفسه يتكرر مع الشباب. وإذ نتأمل حركة مجتمع الإمارات في هدوء، على الرغم من سرعة رياح التغيير التي لا تترك فسحة لأي تأمل، نجد تحت السطح بضعة ظواهر وتفاعلات وعمليات أدت لانتشار هذا الإحباط الجماعي.

مروان البلوشي

يقول المفكر العربي عبدالوهاب المسيري، رحمه الله: أن المجتمعات السريعة الحركة (والإمارات منها) تقوم بتفريخ quot;الإنسان ذو البعد الواحدquot;. ما معنى هذا الكلام؟
هذا الإنسان هو نتيجة مجتمع يقدس التطور المادي السريع ويعظم من شأن تحقيق معدلات متزايدة من الوفرة والترف والإستهلاك. مجتمع تحولت العلاقات الإنسانية فيه إلى التعاقد (من العقد) حيث هي قابلة للتفاوض حسب الربح والخسارة، تم افراغ العلاقات العاطفية هنا من مضمونها التراحمي حتى يتحول المحتمع بأسره إلى ما يشبه سوق كبير أو بالأحرى (مول) كبير. هذا الإنسان يتركز جل اهتمامه على وظيفته وتنصب أحلامه على السلع الكمالية التي تعطيه هويته وقيمته، ولأن السلعة quot;شيءquot; فإن العلاقات بين البشر تتحول إلى ما يشبه العلاقات بين الأشياء، يصبح الإنسان قابلاً للتبادل، هذا الإنسان الإستهلاكي يمتلك مهارة غير عادية في التعامل مع الأشياء بطريقة اختزالية بسيطة ولكنه يجد وعورة بالغة في التعامل مع البشر بسبب تركيبتهم العاطفية المتنوعة والمعقدة.

ينكمش الإماراتيون أكثر فأكثر، يتحولون إلى كائنات آلية تتقن الحياة الإستهلاكية، لكنهم لن يستطيعوا حتما الاستمرار في هذا التعب الباهظ فهذا مضاد لقوانين الطبيعة. الصحيح كذلك أن الإماراتيين (أو قسم كبير منهم على الأقل) يشعرون برغم البحبوحة التي يعيشون في كنفها أن حياتهم ينقصها الكثير.

لكني لا أحب الجزم بأن العلاقات العاطفية في المجتمع الإماراتي فاشلة أو محكوم عليها بعدم الاستقرار والتفتت، غير صحيح. فقد تفاجأك المجتمعات المتحركة بتحولاتها، وقد يصيبها حنين جماعي في مرحلة ما في العودة إلى شكل أكثر إنسانية من الوصال، وقد يعود الإنسان فيها إنساناً حميماً مكتمل العواطف كما يجب.