برزت في نهاية التسعنيات من القرن الماضي، دعوات من مفكرين وسياسين ومنظمات الى تأنيث السياسة الدولية، والمقصود بتأنيثها اعطاء المراة دورا اكبر في صنع السياسية الخارجية لبلدان العالم المتقدم والنامي، باعتبار ان اضافة لمسة او بصمات نسائية الى السياسة الدولية سيجعلها اكثر انسانية واقرب الى روح التعاون منه الى الصراع، ولان التجارب الماضية من السياسة الدولية التي هيمن عليها الرجال قد ادت الى حروب وصراعات دموية ادت الى إزهاق ملايين من ارواح البشر مثلما قادت الى نزيف في الثروات على نحو مهول بحيث نجد ان عقودا من التنمية الضائعة قد مرت على كوكب الارض في فترات عدة، ولو استثمرت هذه الاموال التاي ذهبت نحو التسلح، لاستطاعت قطاعات التعليم والصحة وغير ها من القطاعات الهامة من التقدم بخطوات متسارعة ولكان وضع ملايين الناس على نحو مغاير عما هو عليه الان. فعلى سبيل المثال اشار تقرير معهد ستوكهولم لابحاث السلام (Spri) الى ان مجمل الانفاق العسكري في العالم وصل عام 2009 الى (1.531) تريليون دولار، ليرتفع عام 2010 الى (1.630)، وبالمقارنة مع الانفاق على التنمية فان حصة الفرد تكون (4.5) دولار للتنمية مقابل (255) دولار على التسلح. وهو مايعكس حالة مؤلمة فرضتها قوانين الصراع والحروب وانفكاء مستوى الثقة والتعاون بين البلدان.

بيد ان الدعو نحو تأنيث السياسة الدولية سرعان ما تلاشت مع سرعة الاحداث في مطلع القرن الحالي واحداث 11 سبتمبر وما تلاها من حروب على افغانستان والعراق، لنكون امام واقع مليء بالنزاعات والفوضى وبحور من الدماء، وهذا ما يعزز النظرية القائلة بضرورة انسنة السياسة الدولية اي جعلها اكثر انسانية، ومن احد اشتراطاتها ان تكون المرأة فاعلة في صنع واتخاذ القرار.

د. باسل حسين

وقد عمد الدستور العراقي الجديد الى اتخاذ نوع من التمييز، عن طريق منح كوتا بنسبة (25%) من مقاعد البرلمان الى النساء، وهو تمييز ايجابي بالنظر لاستحالة حصول المرأة على هذا العدد او حتى ربعه في اية انتخابات على اساس التنافس المباشر، والدليل في ذلك عدم وصول اية امرأة الى العتبة الانتخابية في اية محافظة عراقية في انتخابات عام 2010 التشريعية.

غير ان هناك نظرة عامة لدى الساسة العراقيين او الجمهور ان هذه النسبة كبيرة لسيادة الثقافة الذكورية بوصفها ناتجة عن مجتمع ذكوري لايؤمن بالمرأة او دور المرأة، بل ان هناك نكوصا كبيرا في حقوق المراة وتطلعاتها ويراد فرض ارادة باسم التقاليد تارة والدين تارة اخرى لتحجيم دور المرأة وقضم حقوقها المشروعة في المجتمع على كافة الصعد، بمعنى انه يتم التعامل مع المراة بوصفها عنصرا تابعا وليس عنصرا مستقلا ذا كينونة وارادة حرة.

وتبعا لمحاضر مجالس المحافظات او البرلمان ولجانه المتعددة، فان اكثر العناصر حضورا هي المرأة، لكن الذي يؤخذ على هذا الحضور عدم الفاعلية، والمفارقة ان المرأة اكبر عدو للمرأة نفسها، لان السلوك التصويتي للمرأة الناخبة في العراق يشير ان المرأة عادة لا تتنتخب أمراة لاعتبارات شتى منها خضوعها لتأثير العائلة الزوج او الاب او الاخ، أو لاعتبارات تتعلق بالغيرة او عدم ايمان المرأة بقضية المراة او لضعف وعيها او احيانا للجهل الناتج عن الامية.

ويحاول الساسة العراقيين الانتقاص من المرأة ودورها، والاستهانة بها والنظر اليها نظرة دونية لان معظم هذه النخب تأتي من بيئة لاتؤمن اصلا بدور المرأة وتعتبرها عورة، وتعتقد ان فرض الكوتا هو نقمة اتت بإرادة خارجية، وبالتالي تجد نفسها مضطرة للتعامل مع وجود هذه النسبة، لذا نجد دائما محاولة للالتفاق على حقوق المرأة بحجج شتى واخرها قضية المفوضية العليا للانتخابات التي خلت من اية امرأة، والمراة جزء من هذه المعضلة لانها اترضت لنفسها هذا الدور مثلما قبلت ان تكون ضحية لان من تسنم هذه المهمة من النساء اتين من نفس البيئة، وهن لايعتقدن بحقوق المرأة وبالتالي فان اضعف الجهات مناصرة لحقوق المرأة في العراق هن النساء من البرلمانيات إلا اصواتا قليلة هنا وهناك.

لقد جرب العراق عقوداً من زعامة الرجال ولم يجلب ذلك للعراق إلا الخراب، وفي فترة ما بعد الاحتلال تسيد ايضا الرجال هذا المشهد برئاساته الثلاث ونوابها وكذلك القضاء ولم يثمر عن شئ يذكر سوى سيادة مشهد الفساد والصراع البيني والفشل في إدارة الدولة، لذا حان الوقت لمنح المرأة فرصة القيادة الحقيقية في العراق ولنرى ماذا يمكن ان يحدث، والتاريخ يشهد بمنجزات قيادة المراة لدول عظمى، فتاتشر رئيسة وزراء بريطانيا بغض النظر عن مواقفها، وضعت بصماتها على بريطانيا وتسمى الفترة التي قادت بها الفترة التاتشرية كنموذج ايجابي ولذلك اطلق عليها المرأة الحديدة، وفي العالم النامي ابلت انديرا غاندي دورا حسنا في قيادة بلدها الهند على نحو مشرف وهناك عدة امثلة لامجال لذكرها... الان على الرئاسات الثلاث التنحي جانبا والاعتراف بفشلها وفشل من يتولى زمامها ومنح الفرصة للمرأة العراقية لعلها تاتي بما لم يأتي به الاوائل.