عندما نقول الحزب الشيوعي العراقي نعني القيادة والأعضاء الحزبين المسلكين، ولا نعني الماركسيين الذي خرجوا من الحزب بعد إن اكتشفوا ارتهانه وتبعيته العمياء للاتحاد السوفيتي في السابق وتحالفه مع بعث صدام في السبعينات وارتهانه للذيول الأميركية وتحالفات اليوم، كما اكتشفوا إن الحزب هو أداة لتهديم بنية المجتمع العراقي. فالماركسيون الشيوعيون العراقيون الذي تركوا الحزب سابقا او لاحقا كانوا صادقين بتبنيهم العمل من اجل الطبقة المحرومة والكادحة على العكس من حزبهم، والأحداث تصدقنا القول.

منذ منتصف الخمسينات تأسس عداء الحزب الشيوعي العراقي للمرجعية الدينية الاسلامية بالتحديد وخصوصا الشيعية في العراق، وذلك على خلفية تحريم الشيوعية وإطلاق فتوى المرجع الديني الأعلى أنذلك السيد محسن الحكيم والتي كان نصها quot; الشيوعية كفرٌ والحاد quot; وكان لصدور هذه الفتوى سببين الأول إن الحزب الشيوعي أشاع مظاهر الانحلال الأخلاقي الجنسي كما يرى رجال الدين وذلك حين دعا إلى المشاعية الجنسية والاختلاط بين الجنسين بدون ضوابط أؤكد بدون ضوابط وكان هتافه الشهير بالعامية العراقية ( بعد شهر ماكو(لايوجد) مهر و القاضي نذبه (نرميه) بالنهر)، وهذا ما يتنافى والشريعة الإسلامية ويضع علماءها تحت التهديد والمسؤولية.

اما السبب الثاني والأهم هو ما تبناه الفكر الشيوعي وما اعتبره جزءً من مبادئه وهي نظرية quot; الدين أفيون الشعوب quot; في الحقيقة هنا نتذكر مقولة العين بالعين و السن بالسن و البادئ اظلم، فهنا الحزب الشيوعي من أسس للعداء التاريخي للدين الإسلامي في منطقتنا ودخل في صراع مع معتقدات الغالبية العظمى من الشعب العراقي، وتبني هذه الفكرة و إشاعتها مع أسباب أخرى كان سياسة غير حكيمة ولا تدلل على وعي بالظروف الاجتماعية والدينية للبلد رغم الاشاعة التي نعرفها بان الحزب الشيوعي حزب المثقفين ولكن يبدو ان المثقف الشيوعي بوادي و الحزب بواد اخر، بل هذه السياسة تدلل على عدم فهم لطبيعة الشعب العراقي الذي كان يعيش حالة التصاق وتمامي مع عاداته وتقاليده الإسلامية التي صارت تشكل أسلوب حياته، حيث أصبح الإسلام و تقاليده الجزء الأكبر من يومياته لذا جاءت تطبيقات أفكار الحزب الشيوعي مفاجئة وصاعقة على الجماهير في العراق مما دعاهم لتأيد رأي المرجعية الدينية.

بالتدريج صار الحزب الشيوعي يتصدى للمرجعية الشيعية التي كفرته ومن ثم نشب العداء مع الأحزاب الشيعية زمن معارضة الدكتاتورية، لان الاحزاب السنية وعلماءها تركوا المعركة للشيعية، حتى أصبح الحزب الشيوعي ومع تصاعد المد الاسلامي الشيعي وأحزابه يقف ضد الشيعة وضد عادتهم وتقاليدهم بطرق مبطنة وعلنية وهذا ما أكد للجماهير الشيعية صحة رأي المرجعية وسداد فتوتها بتكفيرهم وبما إن الشيعة هم غالبية الطبقة المظلومة والمحرومة والكادحة في العراق، فان الحزب الشيوعي العراقي ومن دون إن يعلم يقف ضد جماهيره لأنه وكما هو معروف عن مبادئه انه يقف مع الطبقة الكادحة والمظلومة. ومن مفارقات الحزب الشيوعي العراقي انه وافق ممتنا على ان يحسب على حصة الشيعة في التقسيم الطائفي و محاصصة المناصب زمن مجلس الحكم الذي اسسه بريمر quot;الامبرياليquot; و زمن حكومة علاوي، ورغم هذا الاتكاء على الشيعة وحصتهم بالحكم واصل الحزب الشيوعي التصعيد في ممارسته الطائفية العلنية ضد الشيعة حيث ينتقدهم ولا ينتقد السنة ولنا بحادثة النائب بهاء الأعرجي quot;المدانة طبعا quot;حين قارن بين الخليفة أبو بكر(رض) واحمد حسن البكر رئيس العراق منتصف السبعينيات، هذه الحادثة خير دليل فقد انبرى الكتاب الشيوعيون للنقد والذم والتصدي لهذا الخطأ الجسيم ولكنها كلمة حق يراد بها باطل ومحاولة لتصفية حسابات قديمة وإلا لماذا لم نجدهم يفعلون الشيء نفسه للتصدي للفتاوى التكفيرية التي صدرت من بعض علماء التكفير؟ ولم نقرأ نقداً من أي شيوعي لحارث الضاري أو للزرقاوي الذين يدعون لقتل الشيعة ولسلخ جلودهم؟ و لماذا لم ينتقد الحزب الشيوعي الحكام العرب الذين اتهموا الشيعة بوطنيتهم و تبعيتهم إلى إيران؟

لذا تحول الحزب الشيوعي إلى حزب طائفي ينتقد الشيعة فقط وبأسماء كتاب شيوعيون شيعة ذوي عقليات هرمة سيطر التحامل على عقولها حتى ألتف حبل الترهل والنسيان على رقبة الحزب الشيوعي وهو يحتضر في انفاسه الاخير الان ودليل ذلك عدم حصوله على مقعد واحد في انتخابات المحافظات ولم يحصل على مقعد واحد في البرلمان ولا أي موقع في الانتخابات القادمة حتى ولو انتقل من اقصى اليمين الى اقصى اليسار بتحالفاته أي من علاوي العلماني البعثي الى حزب الدعوة الاسلامي الشيعي وقد انفض عنه اغلب المثقفين والكتاب والفنانين ولم يبقى معه سوى الحزبيين المسلكين او انصاف المواهب الذين ادمنوا الطاعة لدكتاتوريته التي يسمونها المركزية ولم تنفع دعوات الاصلاح والتغير وتبديل اسم الحزب التي اطلقها بعض الشيوعيين احتراما لدماء شهداءه المخلصين وذلك قبل ان يتركوا الحزب وبقيت قيادة الحزب الشيوعي المستفيد الاول لذا ترفض أي تغير وبقي الاسم الحزب الشيوعي الوحيد في الساحة السياسية العربية والدولية، فالحزب الشيوعي يأكل نفسه بنفس لأنه يعادي جماهيره وغدا لناظره قريب.