المصالحة العراقية بعيون غربية وهذا المصطلح، أي المصالحة الوطنية، بتنا نتعود على سماعه في وسائل الاعلام وتعني فيما تعني التعامل مع رموز النظام السابق والتوصل الى حلول توافقية مبنية على عملية مشاركة موسعة في حوار مبني على اسس ديمقراطية وعلى مبدأ احترام الرأي الاخر.

كنت قد اعدت على الكتابة سنويا حول معرض الكتاب والمكتبات التي تقام في خريف كل عام في مدينة كوتابورك (يتلفظ الكاف كما هي عليه لفظ الجيم المصرية) السويدية ولنكني لم اجد ما يثير اهتمامي في الدورة الحالية. الدورة الحالية عن ادب دول الشمال وقد غاب عنها الكتاب وكاتب العربية وقد اشرت الى ذلك خلال لقاء اذاعي لإذاعة السويد العالمية اجراه الاستاذ الاعلامي طالب عبد الامير. حيث اشرنا والصديق الكاتب القدير علي عبد العال الى اهمية التواجد العربي وأهمية عكس ما يحدث على الساحة العربية بصورة عامة. خلال تجوالي في اروقة المعرض جلب انتباهي ايضا غياب الكتاب الالكتروني الذي لم اجده حاضرا الا في احد زوايا المعرض.

المكان المحبب لي هو الساحة العالمية و مسرحه الصغير الذي يتداول فيها المناقشون عادة قضايا عالمية لحقوق الانسان والتنمية وقضايا الشرق وأفريقيا والعالم الثالث كما يحلوا للبعض تسميتها. وعلى هذا المسرح تم التطرق الى الربيع العربي وقضايا المرأة والأطفال وحقوق الانسان وسفينة غزة والمساواة.

قام صديقي الصحفي ارنولد لوند (كنت قد عرّفته على قارئ العربية في عدد من المقالات واللقاءات على صفحات موقع ايلاف الالكتروني) بعرض تصوراته عن الانتفاضة السورية في أفريقيا.

د. توفيق التونجي

هذه المرة اثار انتباهي كعراقي في المنفى منذ اربع عقود حديثا عن المصالحة العراقية. تحت عنوان quot;الحوار كعملية للسلامquot; اعدها اكاديمية فولكة برنادوت وقدمتها السيدة ماريانا كيلبرك حيث التقت احد الشهود البارزين والمشارك الفعلي في عملية المصالحة السياسية في العراق السيد يوئيل البرك. الاكاديمية باسم سياسي معروف في الشرق الاوسط أي الدبلوماسي السويدي الكونت برنادوت ويرتبط اسمه بالقضية الفلسطينية ومن المعروف ان بعد قرار تقسيم فلسطين اندلعت مواجهات بين اليهود والعرب في فلسطين فاختارته منظمة الامم المتحدة كأول وسيط في تاريخها لحل النزاع العربي الاسرائيلي في 20 من مايو ايار عام 1948.

ان الدبلوماسية الهادئة التي كانت دوما اساس النظرة السويدية للخلافات حيث شارك السويديين في حل معضلات خلافات العديد من شعوب العالم وكان داك هامردخولد الحاصل على جائزة نوبل للسلام و ثاني رئيس لهيئة الامم المتحدة قد فدى بنفسه في حادثة طائرة مروعة في افريقا عام 1961 وقضى نحبه اثرها وهو يمارس دوره السلمى في الوساطة بين الشعوب الافريقية. هذا السياسي العالمي لا يبعد بيته عن مكان اقامتي وسكني الحالي إلا عشرة دقائق مشيا على الاقدام يعتبر اول شهيد في طريق السلام بين الشعوب. خلال الدقائق القليلة حاول المحاضر ان يلقي نظرة عامة على الوضع في العراق من خلال متابعته الشخصية الميدانية ولقاءه مع جميع الاطراف السياسية والعقائدية الدينية والعرقية العراقية منذ عام 2006.

اكد السيد يوئيل البرك على دور الحوار والجغرافية البشرية في تقريب وجهات نظر الاطراف المتنازعة ومدى اهمية لقاء جميع المتخاصمين دون تهميش أي طرف من الاطراف على حساب الطرف الاخر. هناك دوما اختلاف كبير بين نظرة الشرق والغرب الى حل المعضلات والمشاكل بين الاطراف المتنازعة. لذا نرى بان هيئة الامم المتحدة ترسل المندوب بعد الاخر لحل النزاعات القائمة بين الشعوب المختلفة او ابناء الشعب الواحد.

في بداية الندوة تطرق السيد يوئيل البرك الى موضوع اللقاء مع العراقيين قائلا:
لقد التقيت باكثر من 100 شخصية عراقية من اعضاء الحكومة والساسة ورجال المجتمع المدني بعد سقوط النظام و واحتلال العراق من قبل قوى التحالف الدولي حيث عم الفوضى كافة انحاء البلاد وضاعت هيبة السلطة المركزية للدولة، وأردف السيد ألبرك الذي يعمل مديرا في الاكاديمية:

نحن نحاول ليوم ومن خلال هيكلة الحوار مع جميع اطراف النزاع التوصل الى قاسم مشترك يجمع كافة الاطرف المتنازعة لإنشاء ارضية للحوار السلمي الوطني. حيث نلتقي بمجاميع من ثلاثون فردا من مختلف الاتجاهات في نقاش مفتوح نحاول تقريب وجهات نظرهم. نستخدم كذلك كافة الطاقات المتاحة من قبل الشعب والحكومة ومن الخارج، أي من المجتمع الدولي في محاولة لرسم خارطة جغرافية للعلاقات الاجتماعية بين النسيج السكاني للشعب العراقي التعددي. نتناقش ايضا في امور اساسية تتحدى المجتمع العراقي كتوزيع السلطة والثروات الوطنية كالنفط وكيفية اخذ القرارات في الدولة الفدرالية. يجب ان لا ننسى ان هناك لدول الجوار اجندات مختلفة ونراه كمعوقات للعملية الحوار والمصالحة الوطنية. كما يجب ان لا ننسى بان هناك تحديات كبيرة اخرى تواجهنا كالتعامل مع رجال العهد البائد مثلا والعلاقة بين اقليم كوردستان والدولة المركزية. يجب ان لا ننسى ان الخريطة السياسية في العراق معقدة جدا حيث نرى قوى قوية ومؤثرة في مناطق ولا توجد لها أي تاثير في مناطق اخرى. هناك معوقات اخرى تتمثل في عدم وجود المشاركة الموسعة خاصة مشاركة لقوى وشخصيات سياسية عراقية قوية ومؤثرة في عملية الحوار وذلك لغياب الثقة فيما بينهم.

نحن نؤكد بدورنا ان ملف المصالحة الوطنية مهم جدا لترك ارث الماضي والتواصل مع المستقبل ويحتاج الى عملية تغيرية جذرية لمجمل العلاقات الانسانية بين جميع القوى السياسية من ناحية ومن ناحية اخرى بين ابناء الشعب انفسهم. ان مستقبل العراق والعراقيين مرتبط بإمكانية التوصل الى حلول حضارية توافقية كي تبحر السفينة وسفنتها بأمان وتصل بر الامان.

اشارات:
موقع المعرض:
http://www.bokmassan.se/sv/
القسم العربي من اذاعة السويد العالمية:
http://sverigesradio.se/sida/default.aspx?programid=2494
الجغرافية السياسية باللغة العربية:
http://www.folkebernadotteacademy.se/sv/om-fba/News/2012/Human-Geography-Explorations-in-an-Iragi-Dialogue/