لا يشغلني كثيراً توصيف البعض لقضية المنظمات المدنية في مصر وما كانت تحصل عليه من تمويل أجنبي بأنها جناية أو جنحة.. ولكن يهمني في المقام الأول والأخير التطوارت التى لحقت بها منذ بضعة أيام فحولتها إلي فضيحة مدوية مست شرف القضاء المصري وألقت بظلال الريبة علي مجلس الشعب والحكومة والمجلس الأعلي للقوات المسلحة !!..
قضية منظمات المجتمع المدني وما تحصل عليه من تمويل أجنبي كانت مثار العديد من اللغط علي إمتداد فترة حكم الرئيس السابق حسني مبارك، لأنها ndash; أي المنظات ndash; كما اثبتت التقارير والوقائع كانت من أهم الأسباب التى وثقت علاقات مصر التى اتسمت بالتبعية بالسياسات الأمريكية والأسرئيلية غير المتوافقة مع مصلحة مصر العليا.. ولأنها كانت تستبيح سيادة الوطن وكرامة المواطن كل عام ndash; علي امتداد ثلاثة عقود ndash; كلما حان توقيت النظر فيها من جانب الكونجرس..
ولأنها أدت في نهاية المطاف إلي..
1 - تدمير الإقتصاد المصري علي المستويين الصناعي والزراعي
2 ndash; تراجع مكانة مصر عربياُ وإسلامياً وإقليمياً
3 ndash; منحت الفرصة كاملة لإسرائيل لكي تنفرد بالمنطقة ومن ثم تهمين كل الملفات المتعلقة بها سياسياً وأمنياً وإقتصادياً وأستثمارياً
لهذا، أعتقد كما يعتقد غيري..
أن قضية التمويل وما نجم عنها من إختراق لمقومات المجتمع المصري رسمياً وشعبياً إلي الدرجة التي يصفها البعض بـ quot; القدرة quot; علي تهديد الأمن القومي المصري وضربه في مقتل، أتاحت الفرصة كاملة لمسئولي الفترة الانتقالية الآن في مصر بقيادة المجلس الأعلي للقوات المسلحة لكي يقفوا وقفة مصرية صميمة مع الصديق الأمريكي.. وقفة تعيد للوطن والمواطن كرامته وعزته خاصة بعد أن رفعوا شعار quot; يجوع الشعب المصري ولا يتسول quot; والذي اعاد الثقة بعض الشئ في أمكانية وقف إستنزاف الإنسان المصري ووطنه علي يد هذه المنظمات التى وقفت وراء إفقاره وتعريته وتسميم بنيانه الفوقي والتحتي حتى يبقي دائماً في دائرة الإحتياج للمعونة الأمريكية التى يذهب نحو ثلثيها لعدد من الشركات والمؤسسات ومراكز الأنتاج الأمريكية..
آمنت وآمن معي كثيرون أن إحالة الامر للقضاء المصري سوف يضع حداً لمثل هذه الخروقات تحت شعار أن الصداقة مع الولايات المتحدة لا تعني الإذعان لها، بل هي صداقة تقوم علي الإحترام والتقدير المتبادلين وترتكز علي تفعيل المصالح المشتركة بينهما..
وصدقت وصدق غيري أن إطلاق يد القضاء لممارسة دوره في ظل الحالة الثورية التى تعيشها البلاد، سيساهم في إستعادة الدولة المصرية لهيبتها التى ضاعت وسيساهم في ضبط

حالة الإنفلات الأمني التى إستشرت، دون مواجهة مع الولايات المتحدة كأقوي دولة في العالم بشرط توافر الشفافية والمصداقية التى يجب أن تظلل كل تحرك ضمن الإطار القانوني سواء من جانب المجلس الأعلي للقوات المسلحة أو من جانب رئاسة الوزارة الانتقالية..
كانت المؤشرات كلها تسير في إتجاه استكمال مسيرة العدالة إلي نهايتها..
وان يمارس رئيس الجمهورية المنتخب مسئولياته وفق ما ينظمه الدستور..
وكنت وغيري نتوقع أن يصدر عفو عن الأجانب الذين صدرت ضدهم أحكام، وأن يشمل هذا العفو المصريون بما يتفق مع العدالة ومصالح الوطن المصري العليا، بالتوافق مع مجلسي الشعب والشوري والقوي السياسية المؤثرة في المجتمع..
لكن هذه المؤشرات بما حملته من توقعات ذهبت أدراج الرياح التى هبت علي أثر الكارثة التى بدأت بتنحي القاضي الأصلي عن الإستمرار في نظر القضية، وما أعقبه من موافقة لجنة التطلمات القضائية علي رفع الحظر عن الممنوعين من السفر.. وإنتهت بتسفيرهم علي متن طائرة أمريكية نزلت بطريقة القرصنة الجوية في مطار القاهرة الدولي !!..
قالوا هناك صفقة بين الطرفين !!..
صفقة عرضها الجانب الأمريكي علي رئيس المجلس الأعلي للقوات المسلحة، ووافق عليها حزب الأغلبية البرلمانية بعد أن تناولها بالعرض عضو الكونجرس الأمريكي جون ماكين ضمن مقابلته للدكتور سعد الكتاتني في حضور عدد من ممثلي حزب التنمية والعدالة.. هذا بالإضافة إلي ما ورد في صحيفة واشنطن بوست من أن خيرت الشاطر - القطب الإخواني المعروف ndash; إطلع عليها هو أيضا عندما قابله ماكين في مكتبه بحي مدينة نصر بالقاهرة..
تناول الكثير من الكتاب والمحللون المصريون أبعاد تلك الصفقة فوق صفحات الجرائد وضمن برامجهم الفضائية، دون أن يوفروا للقارئ و المشاهد quot; ما يبرهن علي صحة quot; ما توصلوا اليه من تعهدات أمريكية بفك أزمة البلاد الإقتصادية والإستثمارية.. أو دعم سياسي من جانب ابيت الأبيض لمطالب مصر من المؤسسات المالية الدولية.. أو تأكيد بمساندة دعوات التحول الديموقراطي للمجتمع المصري.. او فتح لمسارات الدعم العربي المالي لمصر !!..
علي الجانب الآخر رأي بعض رجالات الكونجرس الأمريكي ووسائل إعلامهم أن تسفير الأمريكيون من مصر بهذه الكيفية لا يُمثل موقفاً quot; بطولياً quot; من جانب مصر !! وانما هو ndash; في رأيهم - موقف quot; إستسلامي quot; من جانب المسئولين عن ادارتها في الفترة الراهنة نتيجة ما ششعروا به من ضغوط أمريكية متواصله، لذلك quot; لا يستحقوا ان يكافئوا عليه quot;.. كما أن المجلس الأعلي للقوات المسلحة لا يجب أن ينظر إليه كـ quot; طرف أبدي الكثير التعاون لحل هذه الازمة quot;..
لذلك اجمعوا علي مطالبة إدارة الرئيس أوباما بضرورة quot; إجراء تقييم واسع وعميق لقدرة مصر علي التحول للديموقراطية quot; قبل الموافقة علي تقديم المعونة السنوية لها، وقبل التوصية لدي المؤسسات المالية العالمية بتقديم يد العون لها !!..
اي كانت أبعاد الصفقة التى لم يزاح الستار عنها بعد..
وأي كانت المواقف الإيجابية أو السلبية التى سيتخدها الكونجرس الأمريكي تجاه الشعب

المصري ونظام حكمه الذي يشهد تغيرات جذرية في هذه الآونة..
فلابد أن يعرف الشعب المصري تفاصيل ما جري بمنتهي الشفافية والمصداقية، لأن ذلك سيضع حدا فاصلاً للضبابية السياسية التى تنتشر منذ حوالي أسبوع في ربوع مصر، وتزداد كثافتها يوماً بعد يوم..
نريد أن نعرف من الذي مارس ضغطاً علي القضاء المصري، مستخدماً رئيس محكمة الإستئناف ؟؟ ونتج عن ذلك أمرين علي جانب كبير من الأهمية..
الأول.. تنحي المستشار محمد شكري تجنباً للحرج عندما رفض رفع الحظر علي المتهمين الأمريكيون، وليس لأن ابنه يعمل في مكتب محاماة علي صلة بالسفارة الأمريكية بالقاهرة..
الثاني.. إصدار محكمة التظلمات لقرار رفع الحظر فور تقدم محاميوا المتهمين لطلباتهم برغم انهم - أي المتهمين - غير ماثلين امام المحكمة، وذلك بالمخالفة لمواد القانون الجنائي..
ونريد أن نعرف من الذي وافق علي دخول الطائرة العسكرية الأمريكية الأجواء المصرية بدون إذن مسبق ؟؟ ومن الذي سمح لها بالهبوط ؟؟..
كما نريد أن نعرف من الذي أمر بتوفير التأمين اللازم لقافلة سيارات السفارة الأمريكية التى نقلت المُفرج عنهم من وسط القاهرة إلي مطارها الدولي ؟؟ ومن الذي كلف بعض قيادات الشرطة بالتواجد في المطار لمتابعة سير إجراءات تسيهل تسفيرهم وتذليل أي عقبة قد تقف في طريق صعودهم علي متن الطائرة و وتوفير كافة سبل إقلاعها ؟؟..
لست ممن يكيلون التهم جزافاً لرئيس الوزراء المصري الدكتور كمال الجنزوري..
ولست علي استعداد لتحميلة هو ووزراء العدل والخارجية والداخلية والتعاون الدولي مسئولية ما وقع، ومن ثم محاسبتهم حساب الملكين.. وذلك لسبب جوهري ومنطقي !!.. لأن الرجل وإن كان قد حصل علي تفويض بسلطات رئيس الجمهورية لكي يقوم بتشكيل حكومة البلاد الإنتقالية، إلا أن هذه السلطات لا تشمل quot; الإشراف علي او تسيير أمور القضاء والقوات المسلحة quot;..
ولأن محوري القضية التى نحن بصددها هما.. القضاء والقوات المسلحة، فمن الأجدي ان يكون طلبنا موجه للمجلس الأعلي للقوات المسلحة..
اكشفوا لنا بشفافية مطلقة ومصداقية لا تشوبها شائبة عن أبعاد الصفقة التى عقدتموها مع الإدارة الأمريكية بموافقة حزب الأغلبية في مجلس الشعب المصري..
ولن نمل من الإلحاح والمطالبة..