الحقيقية ان دبي قدمت تجربة هندسية نموذجية على مستوى العالم حيث استقدمت اكبر و اشهر المكاتب الهندسية الدولية في التصميم و ادارة المشاريع في مختلف المجالات الهندسية من الجسور الى الطرق و الابنية العالية و المدن البحرية و الموانيء و التخطيط العمراني والمياه و المجاري و الصرف الصحي والبيئة التحتية و المطارات ومولات التسوق و المستشفيات و غيرها من التخصصات الفريدة و المتنوعة و المتخصصة.

تلك الشركات العالمية بكل ثقلها و تاريخها العريق، سمحت لهن امارة دبي بفضل خطتها ورؤيتها للمستقبل في مرحلة quot;ما بعد النفط quot; و مع توافر الامكانات و السبل و السيولة و حرية الابداع ان تأتي الى الخليج وامارته الدافئة الحاضنة للمبدعين لاجل ان ينطلقوا في حركة تصميم و بناء امارة عصرية تحتضن الشواطيء و الابراج ومشاريع لا يمكن ان تتكرر في اي مدينة ناشئة في، quot; قلب الصحراء quot;، اخرى خلال فترة زمنية محددة و قياسية و بسرعة انجاز متطورة و تنفيذ دقيق و هندسة ذات قيمة مدروسة و مضافة.

ان الامارة و بما صدرعالميا من كتيبات و كتب عن هندستها و عماراتها و برجها و قطارها و طرقها و جسورها تصنفها ضمن كتيب مفتوح على ارض الواقع لينهل المعماريون و مدراء المشاريع والمساحون و طلاب الهندسة و المؤرخون ما هو اكبر و اكثر من مبنى او طريق، انها المحاضرة العينية المفتوحة التى تثبت و تؤكد النجاح و الاصرار و العزيمة، و ان و لديها الاجابة على كل الاسئلة من خلال الاتقان و قوة التأثير البصري فيما يطلق عليه quot;سماء دبي المعماريquot; و quot;مترو دبي quot; الذي يحتضن الابنية و الطرقات بدون سائق.

لم تكن دبي فقط هندسية او حقلا لتجارب ابداعية و تحدي للارض و التربة و الماء و السماء بل كانت اصلا في كل ما هو متميز و حضاري، وصل في احد الايام تعداد العاملين في المقاولات و البناء و الهندسة ما يقارب 250 الف وافد من 194 دولة، و بل تمثلت مشاريعها الضخمة باستحضار اكبر مكاتب المحاماة و مدراء العقود لينهضوا بحضارة عقدية غير مسبوقة. و تناغم ذلك بسوق اعلاني و حملات تسويقية الى الحد الذي قيل : لو دخلت اي عرض سينما في العالم او محطة بنزين فلا بد انه يوما ما من ان تصدفك quot;دبيquot;.

و لا بد من خلال عملي الهندسي و مشاركتي في بوتقة دبي الصاقلة للنفس و الفكر و التخيل الابداعي ضمن مجموعة دولية عملت معا لاجل البناء بلا حدود، ان اتسائل مثل غيري : هل كان بالامكان ان يقبل حكام دبي باقل من quot;التميز الدولي quot;؟، أو ان تقوم مشاريع استنساخية عمرانية على ارضها؟ بالقطع لا، فقد رفضت تصاميم اكبر المكاتب عند لامست الاعين الهندسية تشابه بسيط في تصميم لبرج في دولة اخرى، و لذلك كانت دبي تقدم للعقل الهندسي فرصة التفكير بلا حدود لاجل ابداع غير متوافر في منطقة اخرى، و كانت الاجهزة المعنية تراقب و تدقق و تتابع ان يكون كل عنصر هندسي في امارة دبي مولودا جديدا و اضافة نوعية، و فكرة غير مسبوقة، و سمحت لجيل من عباقرة العالم ان يفكروا و يسهروا و يحلموا ثم يستيقط كل منهم فاذ باحلامهم واقع. لقد صنعت دبي و اضافت عباقرة لقماشة كادت الا تكفي احد، و مررت سهولة التنفيذ ضمن قرارات صعبة بالغة التعقيد و مصيرية. اذ كيف يمكن مثلا هدم اساسات بالملايين و الغاء تصميم معماري بعد ان وجد تشابه في الفكر لدى المكتب المصمم في الوقت ان المكتب لم يحرم من الحصول على اتعابه. انها بذلك قدمت نموذج جديد في فن اخلاق التصميم و مراعاة حقوق الاخرين التصميمية و لقد اخذت قرارات جريئة في الوقوف امام مكاتب دولية شعرت انها لا تقدم المتطلبات الحضارية لمدينة ناشئة تنافسية في مرحلة التحول الى ماسة مصقولة عمرانيا.

كانت تتعالي اصوات من غيورين مما تقدم دبي، و لا تزال، انها المدينة العربية التى ساهمت في بناء و احياء منطقة و تطوير خبرات و خدمات مهندسون الى نقطة لا ترعف النهاية و لا تؤمن بالنهايات، نقطة تنفيذ المستحيل و التحدي، خيث كان على سبيل المثال صب الخراسانات اعلى من المعدل العالمي، سرعة انشاء الطرق فوق طبقات مهددة بالمياه المالحة، فنادق اسطورية و انفاق تحت الماء، الى الدرجة ان بناء البرج الخمسيني كان يأخذ سته عشر شهرا لتسليم المفاتيح للساكن الجديد، كما و ان معدلات حفرو نقل الرمل فاقت كل التوقاعت، ايضا معدلات طم البحر و انشاء مدن في الماء كلها ارقام و خبرات تصلح لتكون في كتابquot;جينيس quot; للارقام العالمية.

لو اردات دبي ان تقوم باعادة انشاء ما تم من جديد فأن التكلفة ستطاول برجها بمليارات مكدسة علوا متوازيا، و ما قيل ان ثلاثمائة مليار دولار هي التكلفة هي بلا شك ستصبح عشر اضعاف وفي ضعف المدة ن لقد حققت دبي طفرة هندسية بمعدلات قياس مالية متلازمة مع الرغبة في quot;تكون او لا تكون quot; و قد كانت حيث لا مكان في دبي quot;للثانيquot; !.

الدروس من الواقع تفرض سؤالا ماذا بعد برج دبي ؟ الى اي درجة تتجه بوصلة دبي ؟،و الاجابة ببساطة هي ان الخبرات التراكمية لدي الاجهزة و المؤسسات الحكومية التى باشرت و عملت و اشرفت و تابعت تلك المشاريع العملاقة، و التى امتزجت بالخبرات العالمية و التظورات الدولية، لا بد و ان تتحول الى شركات خاصة لادارة مشاريع عالمية اخري خارج الامارات و ان تتقدم كبيوت اصحاب الخبرة الاستشارية و الادارية للمشاريع العملاقة من كافة الانواع.

و اقصد هنا على سبيل المثال هيئة الطرق و المواصلات في دبي بالامكان ان تتحول في جزء منها الى شركة هندسية مساهمة تتقدم في عطاءات عالمية لادارة مشاريع القطارات و السكك الحديدية في استراليا و كندا و شمال افريقا و في دول مجلس الخليج صاحب مشروع القطارات و السكك، حيث لا بد ان تتحول الى شركات قادرة على اضافة دخل للامارة و التحرر من الاعتمادية على ميزانيتها، وهي بما تملك من خبرات و عقول متميزة قادرة على هذا التحول مستفيدة من تجربة quot;مواني دبي quot; في ادارة الموانيء العالمية.

دبي قادرة على البناء و لكن اليوم و بعد ان اكتملت بينتها التحتية و تحولت الى السياحة لا بد ان تستثمر في مواردها البشرية و مؤسساتها مستفيدة مما حققت و من التجربة الكورية في تصدير الكفاءات الهندسية التى حولت الجيش الكوري الى شركات مقاولات عالمية.

دبي بما فعلته و انجازها في الداخل بالامكان ان يتحول الى انجاز في الخارج، لان خبراتها تراكمية عالمية عالية و لم يحدث في العصر الحديث ان قامت مدينة بما قامت به دبي مقارنة مع السكان و الزمن و الموارد و الجغرافيا.

دبي صقلت كل من عمل بها، دربته، فتحت افاقه،مهدت له طريق التفوق و التميز عن كل من سواه، لدرجة ان السيرة الذاتية لاي مهندس او مساح او مدير مشروع عمل في دبي كافية لان توازي عمل و حده شركة هندسية محلية لعدد من السنوات حيث النسب بين الجهد المعماري و الهندسي و قيمة المشروع مفاجيء لمن يطلع على تلك السير الذاتية.

و بتلك الخبرات اصبحت دبي مصدرة لتلك النوعية ذ العلامة الفارقة في التاريخ الهندسي في منطقة الشرق الاوسط و العالم الى الدرجة ان في كل شركة عالمية هنالك من ختم و مهر quot;عمل في دبي quot;.

هذه الطاقات التى استوردتها دبي ثم صقلتها ثم اعادات تصديرها هي جزء من عقلية دبي التي اشتهرت باعادة التصديرللمواد و الصناعات و لكن في هذا المرة دبي اعادت تصدير الكفاءات و البشر.

هل تبنى دبي برجها الثاني المتمثل في مواردها البشرية من خلال مؤسساتها القائمة من خلال نهجها و رسالتها الهندسية، اعتقد انها قادرة على ذلك بلا ادني شك.

[email protected]