مرحباً بتصويت المصريون في خارج الوطن لإختيار من يرونه الأفضل لشغل منصب رئيس الجمهورية، ولكننا لا نرحب بمسلسل إعلان النتائج كما نتابعه منذ مساء الجمعة ( 18 مايو ).. مرحباَ بتفاعلات حماسية صاحبت هذه الخطوة التى شاركت فيها مئات من الآلف هنا وهناك، ولكن بهجة إيجابيتها لم تكتمل بسبب إصرار اللجنة العليا للإنتخابات علي أن تقوم كل لجنة إنتخابية في الخارج بنشر نتائج فرز إصوات المشاركين، فور الانتهاء من العملية برمتها..

من البداية نتوافق مع الرأي الذي يقول أن وزارة الخارجية كانت مُلزمة بتنفيذ التعليمات التى تلقتها من اللجنة العليا للإنتخابات فيما يتعلق بتنظيم العملية الانتخابية في مقار سفارتها وقنصلياتها بالخارج بما في ذلك quot; الإعلان الفوي عن نتائج فرز الاصواب quot;..

من هنا نقول أن تحليلنا هنا، منصب من أوله إلي آخره علي هذه التعليمات الصماء التي لم تراع روح القانون، وتمسكت فقط بحرفيته المقيته..
نحترم رأي اللجنة العليا فيما يتعلق بحتمية الإقتراع داخل الوطن عن طريق الدوائر الإنتخابية، حتى تتلافي كافة المستويات إشكالية quot; إمكانية ان يقوم نفس الشخص بالتصويت أكثر من مرة في دوائر غير دائرته لصالح مرشح محدد، تنفيذا لتعليمات مركزية صدرت إليه سواء من هذا الفصيل أو من ذاك quot;..

ونحترم الإشراف متعدد المستويات الذي وافقت علي تواجده سواء من جانب منظمات المجتمع المدني المصرية أو الأجنبية.. ونثمن كثيراً الجهد الذي بذلته لتسهيل نقل الناخبين في الخارج ndash; عن طريق خدمة شبكة المعلومات - من دوائرهم الإنتخابية علي إمتداد الوطن إلي حيث يقيمون في بلاد المهجر و حيث يعملون..
لكننا لا نوافقها علي ضرورة تطبيق النص الملزم للدوائر الإنتخابية داخل الوطن فور الإنتهاء من احصاء النتائج والمراجعة فور الإنتهاء من عملية الفرز، علي البعثات الدبلوماسية التى فتحت أبوابها للمصرين لكي يدلوا بأصواتهم..
لأن..
مقار البعثات الدبلوماسية المصرية في الخارج ليست دوائر إنتخابية ذات شخصية lsquo;عتبارية، بل هي مقار إضافية للمقار الأصلية داخل الوطن.. وإن شئنا الدقة هي دائرة واحدة quot; في الخارج quot; تابعة للدائرة الواحدة علي مستوي الوطن.. لماذا ؟؟..
لأن الأصل عند التصويت لإختيار رئيس الجمهورية أو في حالة الإستفتاء quot; يتحول الوطن إلي دائرة واحدة، ولولا quot; مخاوف quot; تكرار إستخدام الصوت الواحد لدعم مرشح بعينه في أكثر من دائرة.. لكان هذا هو الواقع العملي الذي يراه التشريع مناسباً..
ولأن النص علي أن تقوم كل لجنة داخل الوطن بإعلان النتائج فور الإنتهاء منها بهدف توفير اكبر قدر من المصداقية والشفافية مساء ثاني أيام الإنتخاب في الدورة الأولي والثانية، لا
يتوافق مع الأيام السبعة التى منحت للمصرين في الخارج لكي يدلوا بأصواتهم قبل مواطنيهم في الداخل، بل يتعارض معها علي طول الخط..
هذا من الناحية الإجرائية..
أما من الناحية العملية، فقد أدي توالي إعلان النتائج بالشكل الذي لا زلنا نتابعه إلي..
-تباري مناصري المرشحين المتقدمون عبر وسائل الإعلام في التباهي بما حصل عليه مرشحهم من أصوات في الخارج وفق مؤشرات الفوز المعلنة ndash; علي محدوديتها - لكي يؤكدوا قدرته علي الفوز في نهاية المطاف..
-مع قيامهم في نفس الوقت بإستباق بقية النتائج التى لم تعلن بعد لكي يثبتوا ما توصلوا إليه من توقعات تؤيد ضمان الفوز لمرشحهم..
-لم يأخذ أحد من المناصرين أو المحللين ndash; المفترض فيهم الإستقلال في الرأي - في إعتباره الخلفيات الثقافية لمن شارك من المصريين في التصويت بالخارج.. وقام غالبيتهم بتصنيفهم إما إلي مؤيديين للتيار الإسلامي أو معارضين له !!..
-من ناحية أخري بدأ عدد من أصحاب الأقلام في الإستناد علي ما أفرزته هذه النتائج التي لم تكتمل بعد، للقول ان النتيجة النهائية ستكون لمصلحة المرشح الفلاني أو ان الإعادة ستكون بين فلان وفلان !!..
-الأمر الأكثر لفتاً للإنتباه، مبالغة بعض المناصرين والمؤيدين لمرشحي التيار الإسلامي عبر تقنيات التواصل الإجتماعي في تزكية هذا المرشح أو ذاك مدعين ان قطاعا واسعا من المصريين في بلد ما صوت له، وبلغ الأمر ببعضهم إلي القول أن اجمالي المقترعين في المدينة العربية (... ) صوتوا لصالح فلان !! وهي حالة من الإدعاء غير المبرر معدوم المصداقية..
كل هذه الخلاصات غير المؤسسة علي حقائق كاملة وما أثمرته من توقعات ليست قائمة علي واقع تحليلي قابل للضبط وفق القواعد المتعارف بها ساهمت في زيادة حيرة المصريين في الداخل، أكثر مما هم حائرون.. وربما زادت من أعداد الكتلة التصويتية الكامنة أو أبطأت من حركتها التفاعلية التى تماثل جبال الجليد..
وهذه الكتلة هي التى تهمنا في المقام الأول، كما تهم عدد من المرشحين الذين هم علي وعي باهميتها ويحرص كل منهم علي التقارب منها وتحريك النسبة الأكبر من وزنها إلي ناحيته بالجهد الإيجابي..
تؤكد العديد من المؤشرات أن مؤشر حسمها ndash; أي هذه الكتلة - لموقفها الإختياري، تراجع في ضوء توالي إعلان نتائج الخارج، لأن المعلقون والمحللون لم يتناولوا بالعمق الكافي عرض الأسباب التى وقفت وراء نتائج تصويت المصريين بالخارج بهذه الكيفية ولا أجهدوا انفسهم في التفرقة بين نتائج الإستطلاع التى يتباري مركز الأهرام ومؤسسة البصيرة في طرحها بشكل دوري علي الشارع المصري منذ نحو ثلاثة أسابيع، وبين ما تتدلل عليه هذه النتائج.. ولا حتى شغلوا انفسهم بتتبع الأسباب الاجتماعية والخلفيات الثقافية التى دفعت هذه النوعيات المختلفة والمتنوعة للتصويت لهذا المرشح علي وجه التحديد..

قد يقول البعض أن هذه النتائج ستدفع المرشحون الذين هم في المقدمة لمواصلة المسيرة للحفاظ علي تقدمهم إلي نهاية المشوار.. وتفرض علي مرشحي المؤخرة أن يبذلوا الكثير من الجهد والطاقة من أجل تحسين أوضاعهم..
وهذا قول ينافي الواقع لعدة أسباب جوهرية، منها:

1 ndash; أن هذه النتائج ليست لعينة عشوائية من المصريين يتم إختيارها وفق المعايير العلمية التى تجمع أبناء محافظات مصر وأطيافهم المختلفة.. وتضم أعمار سنية وخلفيات ثقافية وإجتماعية متنوعة.. وتحرص علي تنوعهم التعليمي.. ومسئولياتهم الحياتية والحرفية والمهنية..
2 ndash; أن التصويت من الخارج لا يُمثل الغالبية من المصريين في المهجر أو في بلدان الإقامة من أجل الرزق و تقديم الخيرة والمساهمة في البناء والتعمير، لأن الأعداد التى شاركت تتراوح - وفق ما هو متاح من بيانات ndash; بين 560 ألف و 720 ألف مصري.. وهي نسبة ضئيلة إلي حد كبير عند مقارتها بالأعداد الحقيقية علي كلا المستويين..
3 ndash; أن بعض التقارير أشارت إلي شراء أنصار بعض مرشحي التيار الإسلامي لأصوات عدد من المصريين في بعض العواصم العريبة، مما يتعارض جملة وتفصيلاً مع قواعد التصويت الحر من ناحية ومع أمانة الإقتراع النابع من حقيقة التفضيل من ناحية أخري..
وهنا يعن لنا أن نتسائل..
لماذا أصرت اللجنة العليا للإنتخابات رئيس الجمهورية quot; بشدة وتصميم quot; علي أن تقوم المقار الدبلوماسية المصرية بالخارج علي تنفيذ خطوة إعلان النتائج رغم هذه المحاذير العملية ؟؟

bull;استشاري إعلامي مقيم في بريطانيا [email protected]