تشهد مصر ولأول مرة انتخابات رئاسية هي الأولي في تاريخها وقد تبدو حتى الآن انتخابات ديمقراطية ونتمني أن تستمر كذلك للنهاية، والأقباط كتله تصويتية لا يستهان بها فهم يمثلون ما بين خمسة عشر إلي عشرون بالمائة من جملة الأصوات الانتخابية في مصر. يتميز الاقباط بالرغم من كونهم أقلية دينية بأنهم شعب يضم كل الاتجاهات السياسية فمنهم اليساري والليبرالي والشيوعي والتيار الوحيد الذي لم يستطع جذب الأقباط إليه هو التيار الإسلامي بالرغم من محاولات بعض الأقباط المستميته الذين باعوا انفسهم لهذا التيار في جذب ذويهم ولكنهم فشلوا حتي في إقناع أقرب المقربين لهم بل أحرقوا انفسهم بدءا بجمال أسعد ومرورا برفيق حبيب ونهاية بشريف دوس التي أدت مساندته لأبو الفتوح ليس في حرق شخصيته فحسب بل وبما يسمي بالهيئة القبطية العامة برمتها.

وقد بدأت عملية التصويت للمصريين في الخارج وبدأ أقباط المهجر في الإدلاء بأصواتهم وإن كان أقباط المهجر كتلة تصويتية قليلة العدد ولكن الكل سعي لمحاولة الحصول علي أصواتهم لأن الجميع يعرف مدي قوة تأثير اتجاهات اقباط المهجر علي ذويهم بالداخل.

وقد حصل شفيق علي نصيب الأسد من أصوات أقباط المهجر ومن المتوقع حصوله علي غالبية أصوات الأقباط، ويري الناخبون الذين أعطوا اصواتهم لشفيق أنه افضل الموجودين، نظرا لخبرته السياسية الكبيرة ونظرا لأنه سيعمل ضد التيار الإسلامي بشكل واضح وصريح، وهو الشئ الذي سيصب في مصلحة التيار الليبرالي في المستقبل، فعدم إتفاق شفيق مع التيار الإسلامي سيحول بين أسلمة مؤسسات الدولة وسيحافظ علي البقية الباقية من مدنية الدولة، كما سيجعل شفيق في حاجة لمساندة التيار الليبرالي وربما سينموا التيار الليبرالي في مصر حتي يصبح هو الحاكم في المرحلة القادمة، كما أن البعض يري في شفيق الشخصية الإدارية القادرة علي حل مشاكل مصر نظرا لخبرته الكبيرة كوزير وعلاقاته المتميزة مع القوات المسلحة كأبن من أبنائها ولهذا كان قرارهم للتصويت لشفيق.

ويأتي في الترتيب الثاني عمرو موسي ويري مؤيدوه أنه رجل دولة من الطراز الأول كما أنه يتمتع بعلاقات جيدة مع دول الجوار وكذلك له خبرة دولية كبيرة في العلاقات الخارجية، كما أن فوزة قد يرضي جميع الأطراف وسيجنب البلد الدخول في دوامة العنف حالة خسارة التيار الإسلامي للانتخابات، وهو الشخص الدبلوماسي القادر علي احتواء جميع التيارات السياسية، وإعلانه عن عدم نيته لترشح مرة أخري هو ميزة علي أعتبار أن الرجل ليس له طموحات سياسية مستقبليه سوي الحفاظ علي تاريخه ولذلك فهم يرون أنه الأقدر والأجدر علي قيادة مصر في هذه المرحلة علي أمل تراجع شعبية التيار الإسلامي التي بدأت بالفعل في التدهور في الشارع المصري، وربما يكون فوزه هو أفضل وسيله لتمهيد الطريق للبرادعي الأب الشرعي والوحيد للثورة المصرية وأمل كل المصريين الشرفاء.

ويري فريق ثالث من الأقباط أن التصويت لموسي أو شفيق هو خيانة للتيار الليبرالي واليساري الذي دافع عن حقوق الأقباط طوال تاريخة وهو التيار الوحيد في مصر الذي طالب ومازال يطالب بالمساواة الكاملة للأقباط ومعاملتهم كمواطنين مصريين من الدرجة الأولي، وهو التيار الذي دافع عن حقوق المهمشين المصريين بغض النظر عن دينهم. ولكن ظل هذا الفريق متردد ما بين حمدين والحريري وخالد علي والبسطويسي، نقصت أسهم حمدين صباحي نظرا لميولة الناصرية الشديدة وتمسكة بالقومية العربية تلك المدرسة التي أثبتت التجربة فشلها، ثم تراجعت شعبية خالد علي بعد دفاعة المستميت عن أبو إسماعيل بالرغم من كل الدلائل التي ثبت باليقين القاطع أن والدة أبو إسماعيل تحمل الجنسية الأمريكية، وجاء الحريري صاحب المبادئ والقيم ليفوز بغالبية أصوات هذا الفريق ومعه البسطويسي، وبالرغم من تأكد أنصار التيار الليبرالي واليساري من عدم فوز أي من مرشحيهم فأنهم يروا أنه خيرا لهم أن يخسروا الانتخابات من أن يخسروا مبادئهم وقيمهم، وأن الانتخابات لن تحسم من الجولة الأولي فهم سينتصرون لقيمهم ومبادئهم في المرحلة الأولي ولمصالحهم في الإعادة، وأري أن هذا الفريق هو فريق جدير بالإحترام.

ويري البعض أن تشتت أصوات الأقباط هو عيب شديد ربما سيؤدي لضياع أصواتهم بالجملة، والبعض يري أنها ميزة في أن يكون الأقباط منتمين لمختلف التيارات السياسية المدنية الوطنية، كما أن للأقباط تجربة مريرة في الاستفتاء علي الدستور ومجلس الشعب حيث أدي الإعلان عن رغبتهم في التصويت ب quot;لاquot; للدستور والتصويت quot; للكتلة المصريةquot; في إستغلال التيار الديني لهذا في المرتين علي أنه حرب ضد الإسلام، الامر الذي أثر في كثير من أصوات البسطاء من المصريين، وفي النهاية نتمني أن تنتهي العملية الانتخابية علي خير وكل ما يهمنا أن تكون الانتخابات نزيهة وأن تمر بسلام.....