لابد من التذكير بأن هذا الموضوع يتعلق بردود قراء على مقال سابق نشرته أيلاف بعنوان quot; تسليح مليشيات عراقية أرهاب من الدرجة الأولىquot; وكان غرضه تحرير العقول من عسكرة الدولة بمليشيات لاتتناسب مع ثقل الدولة وماينقله بعض المسؤولين من وعود ببقاء أو حظر المليشيات والمرتزقة ومجاميع من العصابات المارقة التي يظهر في جوهرها على أنها وعود مغايرة للحريات الديمقراطية وأحترام والدستور والديمقراطية وألأئتلاف الوطني ويستوجب منع نشاط عملها.

ولم أكن أريد أن أنقل القارئ من التعميم الى التخصيص أِلا لضرورته والمتعلق أساساً بعبئ الثقل العسكري الذي تم بتحويل العقيدة العسكرية العراقية منذ عام 2008 الى العقيدة العسكرية الأمريكية المتبناة في دول عربية طبقت العقيدة الغربية في أعداد وتدريب وتسليح قواتها المسلحة وفق دراسات علمية حديثة في أمور الأدارة والسيطرة والحرب الألكترونية والأستراتيجية وطرق محاربة الأرهاب،كما وردت في كتيبات M.F.M دليل الميدان العسكري الذي يُدرّس حالياً بين مراتب القوات العراقية المسلحة التي هي تحت أمرة وزارة الدفاع.

وأحدى أهم فقرات هذا الدليل تتعلق بألأمن الطبيعي الذي يُوضح أنه في خلال أية مرحلة من مراحل عدم الأستقرار، تكون المصلحة الأولية لأفراد الشعب هي الأمن الطبيعي لحياتهم ولأسرهم، وعندما تفشل الدولة في توفير الأمن أو تقوم بتهديد أمن المدنيين، فأنه من المحتمل أن يلجأ السكان الى البحث عن ضمانات الأمن لدى المتمردين أو المليشيات أو الجماعات المسلحة الأخرى. كما أن أفراد الشعب يكونون أكثر ميلاً لدعم الحكومة التي ترعى مصالح العامة بتوفير فرص العمل وتحقيق الخدمات الأساسية من أنتاج وتوزيع وأستهلاك ثروات البلاد، وأذا ماأستطاعت أن توفر لهم:
bull;الأمان من الأذى والضررالمادي
bull;وجود نظام ساري للشرطة والقضاء
bull;وكانت الشرطة والمحاكم عادلة ومنصفة دون تمييز
للقوات المسلحة قيّم وتقاليد عسكرية أنضباطية تخضع للمحاسبة اليومية ولاتتأثر بألأثارات الحزبية، مقارنة بالمليشيات التي لها أتباع وأنصار وولاء حزبي ضيق الفكر والعقيدة، ويُصعب السيطرة على مخالفات أعضائها.

ويبدو أن تَنَقّل أفكار من عاشَ الأيام السياسية البائسة أثارت حفيظة أيام سوداء مرّ بها شعب العراق بالقصف الجوي اليومي في شمال وجنوب العراق والأقتتال الداخلي الذي حصل في عهد صدام حسين بعد عام 1991، ووقوف وأحزاب وطنية عربية وكردية بثبات بوجه الدكتاتورية والأستبداد والعنصرية. أحزاب حاربت وضحت بشبابها من أجل الطموح الى حياة مدنية كريمة أفضل، ومغايرة لِما يجري اليوم من عسكرة وتسليح شعب العراق لتجريده من هوية تأخيه القومي السلمي بنفخ سموم المذهبية والقومية والحروب العبثية التي يشنها البعض. أنه الأمر الذي دفعني لعنونة المقال quot;مليشيات الدولة أم دولة المليشيات quot; لتحريك الأنسان ذو العقل الحر أن الزمن لن يعود الى الوراء، أنسان العقل الحر الذي لايتبع أنصار وأتباع ولايؤيد قومية ضد آخرى ولا يُسلًح مليشيات اللصوص ضد القوات العراقية المسلحة الممثل الشرعي للدولة والشعب، حيث لايستطيع القائد العام للقوات المسلحة (كما يُخرف البعض) تحريك قطعات عسكرية لضرب المدنيين كما فعل صدام.

وسواء أقتنع أهل السياسة والفكر بمليشيات الدولة أم دولة المليشيات، فأن الحالتين تعني أنتحار الدولة وتفسخها وتفكك الشبكة الأجتماعية فيها.
وفي وقت تزداد فيه الخدع الأسرائيلية لتنفيذ مخططات الصهيونية العالمية في الدول ذات الأنتاج البترولي كالعراق وأيران، فالأجدر بالأنسان ذو البصيرة أن يتسائل : ماهي أستراتيجية العراق في المنطقة؟ ومن يُخطط لها؟ وقد يكون من المناسب أن نذكر أن صفقة الطائرات المقاتلة ف-16 التي أبرمت مع الولايات المتحدة هي ليست موضوع أجتهادات وتفسيرات أعلامية شخصية، لأنها لم تتم أِلا بعد قيام وفد عسكري فني بزيارة مصانع التصنيع والأنتاج في فرنسا والولايات المتحدة ودراسة مواصفات أداء الطائرات وفحص مزاياها والحاجة أليها، حيث قدّمَ الوفد العراقي بعد رجوعه دراسة شاملة للحكومة على ضوء تلك الزيارة الفنية.

وقد كتبَ أحد الأخوة العراقيين بوعي ومعرفة وصواب quot; أن ما وصل اليه الحال اليوم في العراق بسبب تسلط المليشيات الحكومية التابعة لاجندات خارجية يعتبر سابقة خطيرة وينذر بحرب اهلية quot;.

مرتكبوالتحريض على الثورة والأنفصال والترحيب بالعنف والأرهاب، ومن يطعنون بتاريخ العراق وتجربته المريرة في محاربة الأستبداد والدكتاتورية وبث روح عسكرة الشعب وتطبيعه على حمل السلاح هم من السذج المساهمين في العبث بمقدرات الدولة وصروحها التي هي ليست ملكاً لمسؤول ولا لطائفة أو قومية. ومرتكبو التحريض في حاجة الى تجاوز هفوات وأخطاء الماضي وتهيأتهم لثقافة شعبية تؤكد أن العملية الديمقراطية بيد أهل العراق ومدى أيمانهم بها.

كاتب وباحث سياسي مستقل