السؤال البسيط الموجّه الى رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء والمجلس النيابي هو : متى سيتم حلّ المليشيات المُسلّحة وتجميد فعلها؟
مَن يظن أن واجب الدولة بتسليح المليشيات التي تعتنق الولاء المذهبي العشائري أو القومي والسكوت عن حملها السلاح والقبول بوجودها، فليتكلم؟
الخدعة الكبرى التي أدخلها البعض الى أذهان المجتمع العراقي أن هناك مليشيات مُسلّحة أرهابية ومليشيات ( من نوع آخر) تقف على النقيض من الأرهاب وتحاربه مع وجود القوات المسلحة النظامية. ومن يريد التمييز بينها فليتفضل! الخبرة العملية التي ندركها هي أن جميع المليشيات أرهابية ظلامية لأحتفاظها للسلاح وخزنه وبيعه والتهديد بأستخدامه متى ما تلائمت لها الظروف والفرص.

قادة العراق الجدد لعنوا وشجبوا الأرهاب والأرهابيين وحاربوه حيناً وجلسوا مع زعمائه وأحتضنوهم في أحايين أخرى و مناسبات مايسمى quot; الحوار الوطني والشراكة الوطنية quot;. فهل من تعليل وتفسير؟

أحزاب عربية وكردية، شيعية وسنية، حملت السلاح ضد طغيان النظام السابق لازالت تحمل السلاح. ومما لاشك فيه أن مليشيات تحمل السلاح وحكومة تحمل السلاح وأفراد وقوى أرهابية أسلامية تحمل السلاح، ماهو أِلا مسلسل اجرامي أرهابي سادي لاتجد له مثيلاً في دولة تطمح في الوصول الى مؤهلات النجاح والتقدم الاجتماعي الحضاري. فقادة الكتل السياسية التي وصلت الى السلطة ولها ممثلين في مجلس النواب كانت قد أتفقت فيما بينها على وضع نص دستوري، الفقرة ب من المادة 9، ( يحظر تكوين ميليشيات عسكرية خارج اطار القوات المسلحة).

لقد علمتنا الخبرة السياسية أن الوفاء بعهود يمثل مرآة المصداقية لأي حكومة تعمل بأستشارة الشعب وتحقيق رغباته أِلا أن الكثيرين منا لايرى أن الحكومة العراقية لديها النية في تنفيذ هذا الحظر.

ومن العبث أقناع أي مسؤول كان قد شارك ومولَ سرايا فرق الموت والأرهاب والتفجير التي قامت وأتمت أعمالها بوحشية وكان لها النصيب الأوفر والدور الأكبر في ترهيب المجتمع العراقي، بدراسة مشروع حل وحظر المليشيات ونزع السلاح منها. كما أنه من العبث دعوة من هرّبَ وخطّط وكلّف أشخاص للقيام بأعمال الأرهاب والتفجير والقتل على الهوية وكان على علم ومعرفة وهو في أعلى المسؤولية في الدولة، دعوته الى المشاركة في حظرها وفق نص الدستور. فاذا كانت لائحة الأتهام الجُرمية الرسمية التي تخص نائب رئيس الجمهورية لها 150 تهمة أرهاب وأغتيال وتفجير، فما هي اللوائح الجرمية التي تخص الأخرين في السلطة ؟ ويبدو أن الدرب طويل في مجتمع يؤازر القوات المسلحة النظامية من جهة ويؤازر من جهة آخرى مليشيات الأرهاب العشائرية المذهبية المُسلًحة. وقد تكون المحاججة مملة للبعض وخاصة من يدخل في قالب المتاجرة بالسلاح وتهريبه.

التغيير الذي حدث بعد عام 2003 وبين تشكيل الحكومة الحالية عام 2010 الى أنتهاء دورتها عام 2014، مرَّ وسيمر بعقبات أعمال أرهاب فكري ومادي داخلي.
ووقوف بعض قادة الكتل السياسية ضد تفعيل القضاء للمحاسبة وضد القوات المسلحة النظامية والقوات الأمنية وأِعاقة دورهما في حفظ مؤسسات الدولة وأملاك المواطنين، ووقفهم بالأفتراء والتبرير ضد مبادئ الدستور الأساسية التي تمنع نصاً أستمرار عمل هذه المليشيات من أجل أستقرار العراق، لها تفسيراتها في الخطب التي تطن بألم في آذان العراقيين. فالائتلافات الوطنية ( المالكة للمليشيات وتسليحها وتمويلها) لاترغب تماما بالتخلي عن السلاح، وحتى حماياتها الشخصية المسلحة لم تتم أصولياً وفق قانون يُخصص بموجبه أفراد من الجهة الأمنية ذاتها لحماية مسؤول في الدولة والجهة المسؤولة عن دفع راتب المنتسب الأمني.

من المُسلّمات الأساسية أن أي صراع داخلي على السلطة السياسية يقود الى التسلح بنهم وعشوائية. ولن يكون من الحكمة وضع الأسلحة والعتاد الحربي بيد فصائل شعبية متعارضة تتصرف على الطريقة الصومالية نتيجة للصراع الداخلي بين قياداتها حيث يقع الشعب المحاصر فريسة بيد هذه المليشيات. كما أنه من المُسلّمات وجود هذه الظاهرة في أنظمة العبودية والوراثة التي لاتؤمن بالتداول السلمي للسلطة.

منذ سنة 1964 والأحزاب السياسية تقوم بتسليح أنصارها. من البعث القديم وتشكيل وتسليح فرق المقاومة الشعبية الى الأحزاب الكردية المتصارعة على تسلط حركة الحكم الذاتي الى الأحزاب الشيعية المسلحة التي خاضت قتال عنيف ضد الدكتاتورية. وقد تأصلت أفكار حمل السلاح بين قادة هذه المليشيات المسلحة ومشاركاتها في شن حملات الصراع والاعتقال وألارهاب والمطاردة والملاحقة والخطف. وهي ماأدت اليه من تداعيات يراها المواطن ماثلة أمامه من احتقان وفساد اداري الى نهب وسلب واغتصاب للحريات والى مانراه اليوم من مليشيات (يمنع وجودها دستور البلاد) لكنها ماتزال فاعلة نشطة. ويبدو أن أرتباط مؤسسات الدولة بمظاهر الفساد المالي والاداري والاخلاقي، والتصور العام بأن مشكلات العراق المذهبية والقومية لا تحل أِلا بالسلاح والتهديد به، جعل من وجود هذه المليشيات حقيقة لايريد أحد مناقشتها ودراسة معالجتها بطرق متحضرة.

ولانجد أن الحكومة ومؤسساتها قامت بأي مجهود بمحاورة الكتل السياسية وبطرق سلمية كفوءة وتوعية نفسية جادة لنزع السلاح عن هذه المليشيات طوعاً أو أجراء دراسة موضوعية بيانية بغرض تحويل الفصائل المسلحة الى الحياة المدنية الكريمة أو بناءها على أسس وطنية جديدة كي تكون حرس وطني ينضبطُ تحت راية القوات المسلحة العراقية وتحاسب وفق تعليماتها في مجتمع يسعى الى الحياة الديمقراطية.

وبينما نجد قبول الكتل السياسيةالعراقية بوجود هذه المليشيات وأستمرار تسليحها كأنه أعترافاً بمصافحة اليد التي شنت حرباً سادية ووحشية قذرة في مدن العراق وأراقت دماء المدنيين العراقيين الأبرياء وأرهبت الشعب منذ عام 1964 وبعد عام 2003، أضافةً الى مواقف الأفتراء التي يتخذها البعض للأسباب الموجبة لوجود فصائل مسلحة لا ولاء لها، تنافسُ بوجودها القوات المسلحة العراقية. هذه الأفتراءات والمواقف هي تكريس للفشل العام، ولم تعد مبررة ومقبولة والتسليم بها يعني أخضاع المجتمع العراقي لعصابات أجرامية تحمل السلاح بتمويل ورخصة من الدولة نفسها.

وبتقصي الحقائق بصورة بيانية للأرقام الغير رسمية لدول قامت بتزويد العراق بمختلف ألأسلحة المحمولة باليد وعلى الكتف وعتادها فأن المبالغ التي تم تبديدها على هذه الأسلحة تصل الى أكثر من 18 بليون دولار منذ عام 1992 ( عدا المهربة من دول الجوار لعصابات مختلفة الولاء ).

وخلاصة الأمر أن العراق بهيئاته الأجتماعية الحقوقية المدنية أمام أختبار الوفاء الذي سيحددُ مستقبل البلاد ومسارها، لأننا نرى أن أي حكومة تقبل ما يصرف على تسليح هذه المليشيات أو تهريب الأسلحة أليها وبيعها في السوق السوداء تتحمل كامل المسؤولية أذا ما أتبعت أسلوب التسليم للأمرالواقع أو أتباع مايُعرف بالمداهنة السياسية لمليشيات الأرهاب للبقاء في السلطة.

ضياء الحكيم
كاتب وباحث سياسي مستقل