في ظل التساؤلات الجادة والحادة المعلقة بعد الثورات العربية ونتائجها انعقدت أعمال الدورة الثانية عشرة للمؤتمر السنوي الذي ينظمه مركز الخليج للدراسات هذا العام تحت عنوان quot;الإعلام العربي وقضايا الأمةquot;. عنوان يثير الكثير الجدل في مضامينه كما شعاره ويعيد طرح اشكالية مفهوم quot;الأمةquot; الذي اضمحل عمليا تحت وطأة المتغيرات الثقافية والفكرية والعملية بعد ان أصبح الخطاب القومي عملة تاريخية قديمة لا تتلائم بطبيعة الحال مع القفزات المرحلية التي يشهدها العصر.

لقد انكب المشاركون في المؤتمر على استعراض ما اعتبروه quot; غزوا ثقافيا quot; يجب صده ورده، معتبرين ان الإعلام العولمي سيل جارف لا تصده الإمكانات quot;القطريةquot;، وأن الخلاص من هذه الإشكالية يتمثل في العودة إلى quot;كنوزquot; المشروع النهضوي العربي لمواجهة التحديات والحفاظ على quot;الهويةquot;.

أما عن الاعلام الالكتروني فقد بحث المؤتمرون ظاهرة هجرة الشباب العربي من الصحف المطبوعة إلى الإنترنت والوسائل الإلكترونية، مبينين أنها أجهزة يقودها أفراد، ومن ثم يمكن أن تمثل ضرراً بالغاً، وقد تصبح منبراً للتطاول على الآخرين، ولذا لابد من تقنينها من دون تقييد حرية الأفراد، مؤكدين أن وسائل الإعلام الحقة لها دور فاعل في تحقيق المشاركة في مسيرة quot;الأمةquot;، وبث الوعيquot;القومي quot;.

وأمام هذه المعطيات الواردة في محاور هذا المؤتمر والنقاشات التي تناولها فإني أسجل النقاط التالية :
اولا :إن quot;الامة quot; كمفهوم قومي وبكل ابعاده الجغرافية والسياسية والتاريخية والاقتصادية قد اضمحل عمليا تحت وطأة حداثة العصر وأدواته كافة من جهة ؛ علاوة على الفشل الذي منيت به كل مشاريع quot;القوميين quot; خلال نصف قرن حيث عجزت عن تحقيق ابسط شعاراتها ، ولم تعد العودة إلى العقل المركزي الفوقي االشمولي الذي ورثه القوميون منذ قرون طويلة مجدية لحل قضايا عصرية.

ثانيا : يتعذر عمليا ان نلج او نناقش بفعالية موضوع الاعلام في هذا العصر بوصفه ثمرة حقيقية وحتمية للفضاء السيبري والرقمي المعولم، و نحن نقبع خلف حصون فكرية مقوقعة لا زالت تعتبر quot;الآخر quot; متآمرا وquot;غازيا quot; ولم تعد تنفع في الوقت نفسه المراوغة التي مورست خلال عقود للالتفاف على المشاريع الحداثية وتحييد مضامينها الفكرية بحجة ان المكتسبات المادية للتطور شيئ منفصل عنها.

ثالثا: الاعلام الجديد هو صنيعة الشباب الجدد من المدونيين ومرتادي مواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات الرقمية ممن اعتمدوا على الفضاءالسيبري، حيث حققوا ثورتهم الرقمية قبل ثوراتهم على الارض متجاوزين بذلك quot;كهول الاعلامquot; وحراس quot;الصحف الورقيةquot; والاعلام الرسمي، معتمدين على لغة سريعة حية سيالة تتجاوز القوالب المقننة منفلتين من مقص الرقابة ، وهو مدخل رقمي ثوري حداثي لم يتولد عن عقائد دينية او أيديولوجيات تمجد البطولات وتعيد انتاج بيروقراطية الثقافات المتداولة.

رابعا: ان المسار التطوري للبشرية يجعل من الحداثة سيرورة شبه حتمية لا يمكن تحييدها لانها تجتاحنا بكل رموزها ومفردتها المادية ، ويكمن الابداع في التعاطي الذكي والفاعل مع مفرداتها وقيمها واستثمار نماذجها بشكل متحرر يتجاوز في طرحه كل انغلاق.

اخيرا؛ فان العديد من الاوراق البحثية التي نوقشت والكلمات التي القيت على قدر كبير من الاهمية ، بيد انه غاب عنها العنصر الشبابي مما يدل على ان quot;شباب الانترنت quot; في واد ومعظم quot;النخب الثقافية quot; في واد آخر. فحبذا لو نشهد في المؤتمرات القادمة شباب دون الثلاثين يتصدرون منابر المؤتمرات الاعلامية يعرضون تجاربهم الحية بدلا من استضافة quot;الرموز والشخصياتquot; نفسها في كل مرة لتكرر الخطاب نفسه.