لعل واحد من أهم الملفات الإقليمية الشائكة والذي يحمل أبعادا ستراتيجية خطيرة على أمن الشرق الأوسط والخليج العربي، هو ملف إرهاب الدولة الإيرانية ضد أمن المنطقة وشعوبها وملف تصدير التخريب والفوضى تحت شعار الشعارات الدينية والطائفية وإستغلال الأساطير والروايات في تصدير التخريب وتعميم النموذج السلطوي الإيراني الشاذ الذي هو في النهاية والبداية مشروع قومي عنصري إستبدادي أثبتت الأيام مدى خطورته ودمويته والمآسي التي إنبثقت عنه وأطنان الدماء العبيطة التي سفكت في محاولات تنفيذ صفحاته وتجسيدها ميدانيا منذ عام 1979 وحتى اليوم، وملف الإرهاب الإيراني في الخليج العربي والشرق القديم والغوص فيه يعني فتحا لملفات وصحائف غدر سوداء وتاريخ أسود مخزي ملطخ بكل معاني الغدر والخديعة والجريمة بأسوأ أشكالها وأحط معانيها، كما يعني العودة لتقليب صفحات دموية مرعبة قد يحاول البعض تناسيها او تجاوزها والقفز عليها نتيجة لإعتبارات مصلحية ودبلوماسية وتكتيكية، ولكن تصريحات وممارسات أقطاب النظام الإيراني العدوانية وتطور المشروع التخريبي الإيراني في الخليج وإمتداده لآفاق ومراحل متقدمة أخرى قد أنعشت الذاكرة التاريخية لإرشيف الإرهاب السلطوي الإيراني الذي لن ينسى أبدا بل تظل الدماء البريئة التي سفكت على أعتابه أبد الدهر عن الثأر تستفهم.. إنه إرشيف عامر بالخفايا و الخبايا والأسرار والفواجع و المآسي الإقليمية التي لم تكن ضرورية ولا حتمية ولكنها حدثت و تناسلت و تأصلت في منهجية الفكر العدواني الإيراني، وقيام النظام الإيراني بنفي الإتهامات ومحاولة تبييض صفحاته السوداء الطافحة بكل معاني وصيغ الإرهاب أمر لن يؤدي في النهاية سوى لتوثيق تلك الجرائم و التي نحاول إستعراض جانبا بسيطا منها يتبين منه حجم الكوارث الإقليمية و الفتنة السوداء التي تسبب بها ذلك النظام العدواني المتغطرس، فلا مجال أبدا للتملص والتهرب من الحقائق التاريخية و الميدانية الدامغة المعروفة لكل ذي بصيرة ولكل من يحيط بحقائق و مستلزمات و أسس البنية التحتية للأنظمة الشمولية التي تعتبر العمل الدبلوماسي جزءا من الصورة و العقيدة الآيديولوجية للنظام، هكذا كانت سفارات المعسكر الشيوعي المنقرض، وهكذا كانت سفارات الأنطمة العربية الشمولية و دبلوماسييها الذين كانوا من كبار رجال المخابرات و الأمن و العمليات السرية، فسفارة الجمهورية العربية المتحدة مثلا أواخر الخمسينيات من القرن الماضي مارست في لبنان أدوارا مشهودة في تغذية الحرب الأهلية اللبنانية عام 1958 و كذلك فعلت في أحداث العراق الدموية المرعبة في الموصل و كركوك عام 1959، و ما أتبع ذلك من إنقلابات عسكرية دموية، وكذلك كانت السفارات البعثية العراقية بمثابة ( عين المقر ) بعد أن تحولت وحولت لوكار إستخبارية و إرهابية تمارس التجسس و القتل و الخطف و التخريب كما كان حال السفارات العراقية السابقة في الكويت وعدن و الرباط أو إستوكهولم ولندن وغيرها، ففي الكويت مثلا كان لسفارة نظام البعث دور مركزي في إغتيال الفريق حردان التكريتي وزير الدفاع الأسبق على أبواب المستشفى الأميري عام 1971 و أمام عيون السفير العراقي الذي كان برفقته وفي سيارة السفارة العراقية!!

وفي الكويت أيضا تم إغتيال ممثل منظكة التحرير الفلسطينية علي ياسين عام 1978 على يد عصابة أبو نضال الإرهابية الممولة وقتذاك من العراق؟ وفي الكويت أيضا مارست السفارة العراقية جرائم الخطف و التعذيب للمعارضين العراقيين مستهترة بأمن و سيادة دولة الكويت، و الأمثلة كثيرة و تحتاج لصفحات طويلة ومملة في تتبعها و تصنيفها و إحصاؤها، و اليوم يخوض النظام الإيراني المتغطرس العدواني في المعمعة نفسها و يعود لتقمص أدوار الأنظمة الإرهابية و الشمولية المندرسة، رغم أن ذلك النظام الثيوقراطي كان منذ بداياته يعتبر السفارات الإيرانية في الخارج بمثابة رسل الثورة الإسلامية مع ما يعنيه ذلك المفهوم و التوجه الستراتيجي في الحرص على تطبيق و تنفيذ برنامج ( تصدير الثورة ) ودعم الجماعات الطائفية المؤيدة، و تكوين و إنشاء اللوبيات المالية و الطائفية و السياسية و الإعلامية المرتبطة به في دول الخليج العربي على وجه الخصوص و التحديد وكما هي الحال أيضا في لبنان و الذي عن طريق سفارتي إيران في دمشق و بيروت تم التمكن من تجنيد العناصر و تأسيس الخلايا و تأسيس واحد من اهم الأذرعة الإيرانية في الشرق وهو تنظيم حزب الله والذي هو أهم مشروع تعبوي وفخر الصناعة الإيرانية، ودرة التاج الإيراني بلا منازع وقمة نجاحاته الإختراقية، وحيث لم ينجح النظام الإيراني أبدا في بناء أي مؤسسة أمنية وعسكرية مرتبطة به في الخارج شبيهة بتنظيم ومقدرة حزب الله اللبناني رغم المحاولات الإيرانية الراهنة مع التنظيمات الطائفية العراقية كحزب الدعوة أو العصائب او المجاميع الخاصة وجميعها جثث متعفنة لاتلبي ابدا الإحتياجات الإيرانية.

الإرهاب الإيراني في الكويت.. تاريخ حافل

لقد حاول الإيرانيون منذ وقت مبكر التركيز على بناء شبكة محكمة لتنظيم حزب الله في الكويت و السعودية و البحرين خصوصا، ولكنهم فشلوا لأسباب عديدة رغم بعض محاولات الإختراق الناجحة في موقع هنا أو موقع هناك، وكذلك سبق لهم فعل ذلك في العراق الذي أسسوا الكثير من تنظيماته الدينية والطائفية فقسموا مثلا حزب الدعوة المتهالك أساسا لدعوات، وكونوا تنظيم المجلس الأعلى للثورة الإيرانية في العراق برغبة مباشرة من الخميني شخصيا لتوحيد الأحزاب الشيعية العراقية العاملة في خدمة المشروع الإيراني تحت مظلة واحدة برعاية المخابرات الإيرانية و بتمويل من الدولة الإيرانية، وحرصوا أشد الحرص على بناء تنظيم لحزب الله العراقي لم يستطع أبدا أن يصل لمستوى البناء التنظيمي لشقيقه اللبناني، وبرغم الإختراق الإيراني الواسع للعراق إلا أن المشروع الإيراني في النهاية هو مشروع فاشل لا يعدو أن يكون سوى وسيلة وأداة مساعدة لتقسيم و تشظية العراق وهو ما يجري حاليا تنفيذه بصورة دموية مرعبة و بشكل سيترك آثاره المباشرة على الشرق القديم بأسره، وحكاية السفارات الإيرانية و مخابراتها مع تنظيمات حزب الله المحلية واسعة جدا و تضم أحداثها و ثناياها منعطفات دموية خطيرة في تاريخ المنطقة تركت بصماتها على الذاكرة التاريخية الوطنية، لقد تميز عقد الثمانينيات من القرن الماضي بحالة كبيرة من النشاط و الحيويةوالحركية التنظيمية للأجهزة الإستخبارية الإيرانية وكان ذلك التحرك جزءا من عملية واسعة لإدارة الصراع خلال الحرب العراقية/الإيرانية و إفرازاتها و حالة التجييش و التحشيد الطائفي التي كانت سائدة، وكانت البداية مع دعم الحرس الثوري الإيراني و المخابرات السورية لسلسلة من العمليات الإرهابية في الكويت كان أوسعها تلك الضربات الإنتحارية التي نفذت في يوم 12/12/1983 و التي ضربت سفارتي الولايات المتحدة وفرنسا وبعض المنشآت الوطنية الكويتية الأخرى وخلقت حالة غير مسبوقة من التأهب الأمني في الكويت وكانت الفاتحة و المقدمة لعمليات إرهابية أخرى بلغت ذروتها مع محاولة إغتيال أمير دولة الكويت الأسبق المرحوم الشيخ جابر الأحمد الصباح في 25 مايو / أيار 1985 ونفذها إرهابي تابع لحزب الدعوة، ثم إستمرت عمليات المواجهة الأمنية مع الجماعات المدعومة إيرانيا في الشوارع أيضا، كما حدث بين أعوام 1987 و 1990 وهي عمليات إعترفت بها أجهزة الإعلام العقائدية للنظام الإيراني في موقع ( دار الولاية ) التابع لمكتب الولي الإيراني الفقيه و الذي يتضمن أسماء لكويتيين وعرب مؤيدين للنظام الإيراني و معتنقين لعقيدة الذوبان فيه، وهي مسألة معروفة للجميع و كل الأسماء منشورة لمن يود الإطلاع عليها، وطبعا خلال تلك المرحلة من تاريخ الصراع الإقليمي الساخن شهدت الكويت أيضا أعمال إرهابية ذات طابع دولي مثل خطف الطائرات كما حدث في ربيع عام 1988 في خطف طائرة ( الجابرية ) الكويتية من مطار بانكوك وتبديل الطاقم الإرهابي في مطار مشهد الإيراني ثم المساومات التي أعقبت ذلك ومصرع رجلي أمن كويتيين في تلك الحادثة في مطار لارناكا القبرصي ثم إنتهاء العملية بشكل غامض بعد هروب الإرهابيين في الجزائر ويعتقد أنه كان من بينهم الإرهابي الراحل اللبناني عماد مغنية، وكان هدف العملية إطلاق سراح الإرهابيين الذين نفذوا تفجيرات عام 1983 إلا إن إصرار القيادة الكويتية على رفض مطالب الإرهابيين ووفقا للشعار السائد وقتذاك ( لن ننثني أو نخضع للإرهاب ) قد أفشل كل الخطط الإيرانية، ولكن قيام الغزو العسكري العراقي عام 1990 هو من تكفل بإطلاق سراح القتلة الذين تم تهريبهم لإيران في لجة الفوضى التي أعقبت الغزو و الإحتلال، وكانت كل تلكم العمليات بتخطيط مركزي واضح المعالم من قيادات النظام الإيراني الأمنية و من خلال العملاء العرب العاملين معه من عراقيين ولبنانيين و خليجيين و كانت الدولة الإيرانية متورطة بالكامل في تلكم الملفات المخزية.

الإرهاب الإيراني يضرب مكة المكرمة

إن أخطر دور مارسته المخابرات الإيرانية من خلال بعثاتها الدبلوماسية كان ذلك الفعل الإرهابي الخسيس في مكة المكرمة عام 1989 و في موسم حج ذلك العام حيث تورط دبلوماسيان إيرانيان في سفارة إيران في الكويت بتزويد عصابة ( السائرون على خط الإمام ) بمواد شديدة التفجير من الباب الخلفي للسفارة في يوم 23 يونيو/ حزيران عام 1989 وحيث أدخلت تلك المواد للملكة العربية السعودية و تسببت في إحداث تفجيرات إرهابية في مكة المكرمة و أسماء الدبلوماسيين الإيرانيين هما :

صادق علي رضا

محمد رضا غلام

وكل تلك الوقائع مسجلة ومعروفة ولاشيء يمنع المخابرات الإيرانية من تكرار ماحصل فنفس الأدوات موجودة اليوم و كل المبررات متوفرة أيضا!! وبإيقاعات أشد خساسة من الماضي القريب؟ وربما تكون أشد وطأة و أكثر تطورا!!، لقد فجر الإيرانيون و عملائهم قنابلهم في البلد الحرام وفي المسجد الحرام في الشهر الحرام، وتسببوا بهلاك عدد من الحجاج الإبرياء، ومن يستهين بحرمة الحرمين لن يردعه أي رادع... وقد أعلنت السلطات السعودية وقتذاك عن إلقاء القبض على الفاعلين وبعض المشتبه بهم و نفذت حكم الإعدام بحق العناصر المتورطة و التالية أسمائها :

علي عبد الله حسين كاظم

منصور حسن عبد الله المحميد

عبد العزيز حسين علي محمد شمس

عبد الوهاب حسن علي بارون

هاني حسن طاهر المسري

عادل محمد خليفة بهمن

حسن عبد الجليل حسين الحسيني

عبد الحسين كرم درويش ناصر

إسماعيل جعفر غلوم جعفر

عبد الله أسد عبد الله علي رضا

صالح عبد الرسول ياسين حاجية

محمد عبد الله أحمد عباس دشتي

هيثم عباس غلوم حسين

سيد أحمد سيد علي سيد عباس عبد الرسول

يوسف عبد الله غلوم بن حسن

علي أحمد عباس باقر

كما تم الحكم بالسجن لمدة عشرين عاما و 1500 جلدة بحق كل من

يحيى قمبر علي آل جعفر

محمد عباس باقر

محمود عبد الله حسين كاظم

حسين حبيب عباس حسين

كما صدر حكم البراءة بحق التالية أسماؤهم :

حسن حبيب حسين السلمان

أحمد محمد طاهر حاجية

عبد الجليل سيد حسين سيد باقر الطبطبائي

عدنان سيد عبد الصمد سيد أحمد زاهد

جاسم محمد غلوم محمود دشتي

محمد عبد اللطيف حسن الموسى

فاضل حاجي محمد أحمد

جمال عيسى حسن القطان

كان ماتقدم جزءا بسيطا من المأساة الإنسانية التي تسببت بها المخابرات الإيرانية في تغريرها بمواطنين كويتيين وفي تحريضها الطائفي المريض، وتلك وقائع تاريخية موثقة لا يمكن أبدا نفيها أو التجاوز على حقائقها الميدانية الشاخصةمن قبل أي سفارة أو وزارة أو جهة..، لقد كانت كل المعلومات السابقة مجرد سطور قليلة في ملفات إرهاب ضخمة كانت ساحتها الكويت و الخليج العربي و نفذتها إرادة الشر الإيرانية، وسنستمر في فتح ملفات الإرهاب الإيراني لتذكير الغافلين، ومكروا و مكر الله و الله خير الماكرين... لن ينجح أو يفلت القتلة و دعاة الإرهاب و سيفضحهم الله أمام العالمين.

[email protected]