أراد المغيبون أن يرجموه فرجموا أنفسهم وهم لا يدرون.. أراد الجهلاء أن ينتقموا من الذي فضح فكرهم علانية ففضحوا أنفسهم وهم لا يبالون.. أراد البؤساء أن يخدشوا حياء الرجل فظهرت عورتهم ولا يعرفون كيف يستترون. يا إلهي.. إلى هذا العمق هم تائهون وبدلا من أن يكرموه لأنه حاول أن يوقظهم من سباتهم وغفلتهم يحاولون أن يعاقبوه.
ماذا فعل وماذا يفعلون؟ هو فنان قدير.. يرى ما لا يراه الآخرون ويملك الآليات التي بها يجعلهم يبصرون... يسمع بعقله ما لا يسمع الآخرون، ويملك من الأدوات ما يجعلهم بأذنيهم وعقولهم يسمعون بيد أنهم لا يريدون... إنه فنان قدير بملكاته يكشف الماضي ليعلنه للحاضر، ويبصر الواقع لنتدبر المستقبل، أما هم فقد توقف الزمن عندهم فلم يعودوا قادرين على الحركة إلا في المكان، فتبددت قواهم الفكرية فلم يعودوا قادرين على فهم معاني ومفاهيم الإبداع الفني والإحساس بالجمال.
اتهموه بخدش الحياء ولم يفهموا أنه ما كان يخدش الحياء وإنما يعلم ويبين ما هو خدش الحياء وهم لا يفرقون... ففي معظم افلامه التي بين فيها الشبق الجنسي والهوس الجنسي المخزون في الناس لم يكن ليحض الناس على فعل مالا يفعلون، وإنما بين لهم ماذا يدور في عقول الشباب والرجال والنساء في الخفاء، غير أن احدا لم يحرك ساكنا للبحث عن حلول أو حتى مقترحات..
ولا ينسى أي منصف كيف استطاع مع غيره أن يجسد عطبا شديداً أصاب العملية التعليمية والتربوية في المدارس آنذاك وكان هذا الأمر شائع جدا ومن السلوك اليومي للطلاب ونحن على هذه الحقبة شهود، وكيف أستطاع بحسه الفني الرفيع أن يجعلنا نبصر ما لم نبصر لنتدبر الأمر ونصلح الأحوال.
وعندما انتقد التصرفات اللا اخلاقية للمهووسين دينيا.. أراد ان يبين لهم ولأولى الأمر كم وكيف العطب الذي أصاب مفاهيمهم الدينية، فكان عليهم أن يشكروه بدلا من أن يتهموه، وقد بين لهم بإبداع شديد كيف يراهم الناس وكيف بسبب هذه السلوكيات ينفرونهم من الدين وهم لا يدرون. فالإنسان لا يرى نفسه إلا من خلال مرآه وهو كان لهم هذه المرآه.
وعندما وضح العلاقة بين المسيحي والمسلم ببراعة فائقة فقد وجه إنذارا للمجتمع أن استيقظوا قبل فوات الأوان لأن الناس باتت تتعامل على أسس دينية وليست إنسانية، وأن العقول قد تم شحنها بكراهية الآخر حتى ولو كان ملاكا من السماء.
لقد كتبت هنا في ايلاف تحت عنوان quot;فقه الإبداع في العقل العربيquot; منذ حوالي العامين ولكن لا حياة لمن تنادي.. لن يكف المبدعون عن النقد البناء متسلحين بمقولة الفيلسوف المبدع فولتير quot;النقد هو أهم آلة للبناء أخترعها العقل الإنسانيquot;. ولن يستسلم المبدعون لسلطان جبابرة المنع والتضييق، الذين لا يزالون يسيطرون على النصوص والنفوس. فأقاموا قلاعاً من الفقه المقدس بدلاً من النص المقدس، ولا يسمحون لأحد أن يقترب من قلاعهم لأنها غير محصنة، ولم يسمحوا لأحد بفهم النصوص لأن ذلك من شأنه أن يهدم قلاعهم.
ولذلك فالمبدعون هم وحدهم الذين سيذكرهم التاريخ.. لأنهم هم الذين صنعوه وجعلوه حياً، وبدونهم ما كان للتاريخ أن يكون. المبدعون هم الذين لم يزوروا التاريخ، وقراؤه بأمانة وصدق ولذلك فالمبدعون وحدهم هم الذين يحترمهم التاريخ. المبدعون هم الذين يخشون سلطان التاريخ ولا يخشون قط أي سلطان وهمي مهما كان ولذلك كتب التاريخ أسماءهم في أهم صفحاته.. المبدعون هم الذين ستذكرهم الشعوب حتى ولو بعد حين.. ولما لا؟ وهم وحدهم الذين أناروا لهم الطريق وبذلوا كل ما يملكون من أجل تحسين ظروف الحياة وإيجاد الحلول الناجعة للمشكلات التي تواجههم.
أيها الزعيم تقدم إلى الأمام.. انتقد وانتهر وعلم على مدى الأجيال... أيها الفقيه أشرح وبين الصحيح من الدين لغير العارفين... أيها الإمام تقدم مسيرة الفن والاستنارة والتنوير ونحن وراءك نسير ننتظر منك الكثير. مع خالص التحيات والتقدير.
التعليقات