القرآن الكريم هو الكتاب المقدس الوحيد من بين الكتب المنزلة الذى لم يحدث فيه تبديل وتغيير، ويريد البعض أن يعتبرون ما سمي ب (اتفاقية أربيل) مقدسة لا يمكن تغييرها ولا تبديلها شأنها شأن القرآن، وهى التى اتفقت عليها على مضض الأطراف السياسية العراقية المتخاصمة على كرسي رئاسة الوزراء بصورة مستعجلة بسبب الوضع المتوتر الذى كان يسود الأجواء بسبب تأخر تشكيل الحكومة الجديدة.

عندما يوقع رؤساء الدول التى سبقتنا حضاريا على اتفاقيات فهذا لا يعنى انها ستكون ملزمة للدول الموقعة عليها إلا بعد عودة الموقعين الى بلدانهم والحصول على موافقات برلماناتهم وبعد التأكد من أنها لا تناقض دساتيرهم. ولكن الظاهر أن الكتل التى فشلت فى الحصول على الحكم أرادت أن تشكل حكومة إضافية بعد يأسها من الحصول على الحكم تحت تسمية جديدة وهى (مجلس السياسات الاستراتيجية العليا). بدا ذلك واضحا من اصرار قائمة علاوي على اعتراف البرلمان بالمجلس الجديد ومنحه صلاحيات تنفيذية لا تقل عن صلاحيات رئيس الوزراء، بالاضافة الى صلاحيات تشريعية تماثل صلاحيات مجلس النواب نفسه، فيصبح لدينا حكومتان ومجلسان، بينما اكتفت الصين التى نفوسها 30 مرة بقدر نفوس العراق بحكومة واحدة ومجلس واحد فقط!

من الواضح أن قادة القائمة العراقية لا يهمهم شيء قدر ما يهمهم الحصول على رئاسة الوزراء، ومستعدون لعمل أي شيء حتى ولو كان نتيجته تدمير العراق. فمنذ أن اعلنت نتائج الانتخاب فى آذار/مارس 2010 وحتى بعد ان تم تشكيل الحكومة الجديدة فى 11 تشرين الثانى/نوفمبر 2010 والى اليوم لم تكف القائمة العراقية يوما عن ذكر ما أسمته بالاستحقاق الانتخابي، ثم حكومة الشراكة الوطنية، ثم مجلس السياسات، ثم اتفاقية أربيل. ومنذ ذلك الوقت وأبواقها مستمرة بعزف نفس اللحن النشاز الكريه ليل نهار وبدون انقطاع. قادة العراقية وعلى رأسهم الدكتورعلاوي ضربوا أرقاما قياسية بالمسافات التى كانوا يطيرونها من بلد لآخر يستجدون هذا ويستعطفون ذاك لمساعدتهم للحصول على كرسي الرئاسة، ويحذرون العالم من انهيار محتمل للعراق الذى سيجر ليس الشرق الأوسط وحده بل دول العالم كلها الى مصير مرعب مجهول!!

انضم اليهم مؤخرا رئيس اقليم كردستان مسعود البارزانى وزار الولايات المتحدة الأمريكية لمؤازرته فى الانفصال عن العراق، ويقال أنه فشل فى مسعاه (وياللأسف). وفى عودته عرج على اسطنبول فقابل عدو العراق الجديد اردوغان وقابل المتهم الهارب الهاشمي وانضم اليهم النجيفي الذى ذهب الى تركيا لغرض العلاج كما ذكر فى وقته (والبعض يقول انه ذهب الى لندن). وربما انضم علاوي اليهم لست متأكدا من ذلك، المهم ان هذه المجموعة تقوم بعمل واحد قبل كل شيء آخر وهو تبادل التنازلات فيما بينهم دون الالتفات لمصلحة الشعب المغلوب على أمره. فالبارزاني يتنازل عن حقوق الأكراد المهضومة فى تركيا، وقادة العراقية يؤكدون لتركيا عن تنازلهم عن الاقليم، بعدما تنازلوا قبلها عن كركوك وغيرها للبارزاني، وبرهنوا على ذلك بتنازل أثيل النجيفى محافظ نينوى عن مناطق تعود الى محافظته الى الأكراد والتى اثارت ضده السيد عجيل حميد الياور الذى اتهم أثيل بالخيانة بحسبما ذكرت الصحف.

وفى هذه الاثناء قام رئيس الوزراء المالكي بزيارة ايران، فارتفع ضجيج القائمة العراقية ورئيسها علاوي بأن المالكي يقدم فروض الطاعة لحكام ايران ويستلم منهم التعليمات. المحادثات كلها دارت خلف ابواب موصدة ولا يعلم أحد بالضبط ما هى نوع التنازلات التى -إن جرت- فهى ليست فى صالح العراق مطلقا.

ومؤخرا تكرم علاوي بتنازله عن منصب رئيس الوزراء لأي شخص يرشحه الحلف الوطني حتى ولو كان من الكتلة الصدرية، وأظنه جادا بهذا الكرم لأن أي شخص يرشح بديلا عن المالكي سيكون ضعيفا ويسهل على علاوي ازاحته. علاوي يتذكر جيدا أن الاتفاق بين الكتل على رئاسة المالكي استغرق 8 أشهر من المداولات العسيرة، فكم ستستغرق عملية الموافقة على المرشح الجديد؟ إن علاوي أن تمكن من خداع مقتدى الصدر الذى يطلق عليه لقب (سماحة السيد)، فلن يستطيع أن يخدع الجميع، وسيفتح الأبواب مشرعة لاضطرابات مريرة جديدة ليست فى صالح العراق والعراقيين الذين يعانون الأمرين من خلافات الزعماءالسياسيين والدينيين. ولكن شهية علاوي للحكم لاحدود لها، ولا يبالى بالثمن طالما انه حاصل على الجنسية البريطانية وعائلته فى بريطانيا وبحوزته الأموال التى تكفل له عيشة راضية هناك، وأما اهل العراق فإلى حيث...

وهذه نماذج من تصرفات قادة القائمة العراقية:
قالوا ان الحكومة لا توفر حماية كاملة لقادة القائمة، فلما ارسلت الحكومة قطعات لحمايتهم قالوا ان الحكومة تحاصرهم!
قالوا أن الحواجز الكونكريتية تعيق المرور، فلما رفعت بعض الحواجز وقسم منها أمام بعض مقرات القائمة قالوا ان الحكومة تعرضهم للخطر!
قالوا ان قضية الهاشمي سياسية فلما رفعت الى القضاء قالوا ان القضاء مسيس! وعادوا وقالوا انها سياسية، وغيروا رأيهم مرة أخرى وطلبوا أن تكون المحاكمة فى كركوك!
قالوا أن الحكومة تبذرأموال الدولة، فلما طلبت الحكومة من البرلمان الموافقة على تخفيض رواتب الوزراء والنواب، لم يحضر نوابهم للتصويت ففشل الطلب!

قالوا ان الجيش ضعيف التسليح، ولما عقدت الحكومة صفقة شراء الطائرات (اف 16) قالوا انه هدر للأموال، وقال حليفهم الجديد البارزاني ان الحكومة تريدها لقتل الأكراد وطلب أن يسلموه بعضا منها!

قالوا ان البطالة منتشرة والأمن مفقود فلما جندت الدولة جنودا وشرطة لامتصاص البطالة كحل مؤقت وحماية للمواطنين قالوا انه جيش مليوني لحماية المالكي، وقال حليفهم البارزاني انه لتهديد الأكراد!
عندما كان الطاغية بشار الأسد يسهل مرور الانتحاريين المجرمين الى العراق وذهب المالكي وطلب من بشار ايقاف ذلك رفض طلبه مما دعى المالكي الى إنتقاده عند عودته الى العراق، فقالوا انه يهاجم جارا للعراق، ولما قام الشعب السوري بانتفاضته على الأسد، ورفض المالكي التدخل الأجنبي فى سورية قالوا أنه ضد الشعب السوري ويجب عليه مهاجمة الأسد وتسليح الثوار وكأن العراق خال من المشاكل!

قالوا أن حزب الدعوة مستأثر بالحكم والمالكي يرفض الشراكة الوطنية، وهم يعرفون أن لهم 9 وزراء فى الحكومة (سحبوهم ثم أعادوهم واليوم يهددون بسحبهم مرة أخرى) ! وقال البارزاني مثل ذلك وهو يعرف أن لديه 5 وزراء فى الحكومة، ودولة القانون لديها 4 وزراء فقط!
طالبوا وبإلحاح على تقرب العراق من الدول العربية، وبذلت الحكومة جهودا كبيرة فعقد فى بغداد مؤتمر القمة العربي فقاطعته قادة العراقية وأحلافها وحثوا الزعماء العرب على مقاطعته، واليوم يقولون أن المؤتمر كان فاشلا!

ومؤخرا وبسبب عدم وثوقهم من نجاحهم فى الانتخابات القادمة طالبوا بتحديد تولى رئيس الوزراء الرئاسة بمرتين اثنتين فقط مما يمنع المالكي من توليها مرة ثالثة.
البعض يريدون تقريب موعد الانتخابات وهم يعرفون جيدا أن نتائجها لن تختلف كثيرا عن الانتخابات السابقة، وسيطالبون بانتخابات عاجلة أخرى، وهكذا تصرف الجهود والأموال هدرا وتشتد العداوات بين أفراد الشعب الواحد، ولا يستبعد أن يلجأ بعض القادة لحمل السلاح والاقتتال، والشعب هو الضحية، وأما الزعماء الخاسرون فسيفرون من البلد بجوازاتهم الأجنبية والأموال التى هربوها وأعدوها مسبقا لمثل تلك الساعة.