کثيرة هي النماذج الانسانية النبيلة التي ضحت من أجل شعوبها و أوطانها من دون أن تفکر في النتائج المترتبة على موقفها المبدأي هذا، وان التأريخ ببعده و محتواه الانساني هو اساسا يشکل إمتداد و تواصل لهکذا نماذج استثنائية تجعل من ذاتها مشروع تضحية و فداء للمجموع، وان اسماءا مثل جيفارا و لومومبا و زاباتا و غاندي و مانديلا و آخرون کثيرون من شاکلتهم، رسخت في ذهن و ضمير الانسانية ماهية القيادة و معناها الحقيقي بالنسبة للشعوب.

التأريخ المعاصر لإيران، يطرح اسماء لامعة نظير الدکتور محمد مصدق و الدکتور علي شريعتي، اللذين أثبتا للعالم حقيقة مبدأ الإيثار و منح الاسبقية للمجتمع على الذات، ومن طالع او قرأ شيئا مفيدا عن التأريخ الايراني المعاصر لتبادر الى ذهنه من فوره المکانة و المنزلة غير العادية لهاتين الشخصيتين في ذهن و وجدان الشعب الايراني بدون إستثناء، مسعود رجوي، ذلك الرجل الذي لم يقفز من الفراغ و لاجاء على أثر إنقلاب او علاقة و تقرب من البلاطات و الدواوين الحاکمة و الخاصة، وانما فرض نفسه بموقفه المبدأي و کفاحه و إصراره على الصمود و الثبات على أفکاره من أجل أن تشرق شمس الحرية الحقيقية على إيران، رجوي، هو ذلك الرجل الذي طالما أکد و يٶکد على الحرية و جعلها محورا أساسيا لنضاله ضد الاستبداد الديني الحاکم في طهران، تمکن هذا الزعيم الايراني المکافح و المثابر من الجمع و الخلط بين تأريخ و تراث کل من الدکتور مصدق و الدکتور علي شريعتي و صاغ من عملية الجمع و الخلط هذه اسطورة بالمعنى الحرفي للکلمة للوقوف بوجه الدکتاتورية و الظلم في بلاده.

مسعود رجوي، ذلك الزعيم الذي إرتبط إسمه بالمقاومة و الکفاح ضد الاستبداد و الفاشية الدينية، يمکن إعتباره من أکثر القادة و المفکرين الذين تعرضوا و يتعرضون لظلم فاحش من جانب المتابعين و الملمين بالشأن الايراني، حيث کانت و لاتزال هنالك أکثر من مسعى و مخطط خبيث و مشبوه يهدف النيل من تأريخ و تراث هذا الرجل و تشويه صورته و تحريف مواقفه و دس الکثير من الاکاذيب و الاراجيف بخصوص ماضيه النضالي، وان النظام الايراني تحديدا و على وجه الخصوص وقف و يقف خلف هذه المخططات و المحاولات المشبوهة للإساءة لهذا الزعيم الذي وضع اللبنة الاولى لتأريخه النضالي بمقارعة نظام الشاه و دفع سنوات عديدة من عمره في سجون الشاه بسبب من ذلك و يکفي أن نشير الى أنه قد تنسـم عبير الحرية بعد سقوط الشاه.

رجوي و منذ الايام الاولى للثورة، أکد على الحرية و جعلها الاهدف الاسمى و الاهم في مسيرته و لم يساوم او يبدي أية مرونة للتفريط او التنازل عنها على الرغم من المغريات التي قدمت له من جانب شخص الخميني له، وان الاتصالات المکثفة التي أجريت معه عبر أحمد الخميني و التي کان محورها الاساسي حثه على إبداء نوع من المرونة لکي يقبل بنظام ولاية الفقيهquot;الاستبدادي شکلا و مضموناquot;، وقد کان رفضه لعروض و مقترحات النظام سببا لممارسة ضغوط استثنائية ضده بحيث رفض الخميني ترشيحه لمنصب الرئاسة کما ضيق الخناق على أعضاء منظمة مجاهدي خلق، حتى وصل الامر الى طريق مغلق عندما لم يقبل الخميني بکل الحلول الوسطية التي أقترحها مسعود رجوي في سبيل حقن الدماء و حفظ الامن و الاستقرار، وحينها حدثت المواجهة التي بذل رجوي أقصى جهوده لتحاشيها، لکن رجل يعتبرquot;الحرب نعمةquot;، و يتسلى بإرسال أمواج بشرية لإجتياز حقول الالغام و يصدر قرارا بإعدام ١٢٠ ألف سجين سياسي بأثر رجعي، لم يکن بإمکانه أبدا الاستماع و الانصياع لمنطق الحکمة و العقل، و لذلك فقد حدثت مواجهة عسکرية سياسية فکرية بين الطرفين، وکان مسعود رجوي منذ بداية المواجهة و حتى اليوم المطلوب رقم واحد و بإلحاح من جانب النظام بل وان اوساط استخبارية عديدة أکدت قبل سنوات بأن النظام الايراني قد بعث بأکثر من ٦٠ فريقا إستخباريا من أجل إغتيال الرجل و تصفيته جسديا، مما يبين بوضوح مدى التهديد و الخطورة التي مثلها و يمثلها على النظام.

مسعود رجوي الذي کانت اول خطبة له بعد خروجه من السجن في جماهير کبيرة قدرت بأکثر من ٣٠٠ ألف شخص، قد بدأها بعبارات مٶثرة جدا عندما قال: (الحرية طوبى للحرية، الحرية تعني روح و جوهر و ماهية الانسان، ذلك الشئ الذي من أجله ضحى الشهداء بحياتهم و أقتيد الاسرى للسجون و المنفيين جنحوا للهجرة، ومن أجله ثار الشعب، انها لحظات ليست في إمکاني و لابإمکان أي کان وصفها، مثلا لحظة الاعتقال؛ لحظات المعاناة و العذاب؛ اللحظة التي تودع فيها شهيدا و تقبل شفافهه الملتهبة و تسمع دقات قلبه؛ لحظات تنتفض من نومك على صراخ تعذيب اختکم او أخيکم او اللحظة التي تسمع فيها خبر إستشهاد اخت او أخ لکم او اللحظة التي يثور فيها الشعب و يحررونك و تعود لأحضان شعبك...عندما ذهبنا، ذهبنا لوحدنا، بعيون معصبة إقتادونا وکانت أيادينا و ارجلنا مکبلة بالاغلال، لکننا عندما عدنا، کنا في احضان شعبنا وکانت في أيادينا باقات الزهور و على محيانا قبلات، هل يمکن وصف هذه اللحظات؟)، هذا الکلام المعبر و الذي يجسد في سطوره المعدن و الماهية الخلاقة لهذا الرجل و يفسر ملحمة الثورة الايرانية و اسباب و مبررات إندلاعها بکلام مختصر ولکن مفيد و في غاية التعبير، هذا الرجل يعود اليوم ليزف للشعب الايراني إقتراب الفجر الصادق للنصر على النظام فقد أکد في خطابه الاخير بمناسبة عيد النوروز أن:( يوم الغضب الکبير للشعب الايراني ضد نظام الملالي سيحل قريبا.)، و هو يشير الى الخلفية التأريخية للصراع و المواجهة بين الشعب الايراني من جهة و نظام الملالي من جهة ثانية بقوله في نفس الخطاب:( لابد من قطع المراحل الزمنية، کما قطعنا مرحلة النضال ضد الشاه، و مرحلة 30 خرداد ضد الخميني، مرحلة جيش التحرير الوطني، ومرحلة إلقاء السلاح و مرحلة تحويل أشرف من معسکر الى مدينة و النضال بأيدي عزل.)، هکذا يقدم زعيم المقاومة الايرانية و بإختصار مفيد للمرحلة الحالية التي تمر بها إيران و التي ستنتهي من دون شك بيوم الغضب الکبير للشعب الايراني، هذا الغضب الذي سبق وان کانت منظمة مجاهدي خلق العامل الاساسي و الفعال في إذکاءه و تفجيره في زمن الشاه، لقادرة بأن تعيد الکرة مرة أخرى.