ألغت مصر بالأمس اتفاقية الغاز التي تم توقيعها قبل نحو عقد من الزمان، آبان حكم الرئيس المصري السابق حسني مبارك، والتي كان يتم بمقتضاها تصدير كميات من الغاز لإسرائيل. لم يكن إلغاء الاتفاقية مفاجئاً في ظل وصول إسلاميين متطرفين معروفين بعدائهم الشديد للدولة العبرية وبكراهيتهم للسلام والتعايش في منطقة الشرق الأوسط إلى سدة الحكم في مصر. كان من المتوقع أن يتم إلغاء الاتفاقية فور تنحي الرئيس مبارك وصعود الإسلاميين، خاصة بعدما مارست جماعات متطرفة دينية وقومجية ضغوطاً كبيرة على المجلس العسكري شملت تفجير أنابيب تصدير الغاز الذي يمر عبر سيناء عدة مرات.

بحكمة لم نعهدها فيه طوال الأشهر الأربعة عشر الماضية التي قضاها في إدارة شئون مصر، سعى المجلس العسكري للإبقاء على الاتفاقية المصرية الإسرائيلية كدليل على حسن نية مصر تجاه اتفاقيات كامب دافيد التي أنهت حالة الحرب بين الدولتين. لكن المجلس العسكري استسلم في النهاية للضغوط وقرر، من جانب واحد، إنهاء العمل بالاتفاقية بحجة واهية وهي أن الجانب الإسرائيلي لم يوف بالتزاماته المالية نحو مصر، وهي بالطبع حجة مشكوك فيها لأنه ليس من مصلحة إسرائيل التي إلى جانب سعيها للحصول على الغاز اللازم لتوليد الكهرباء فإنها تسعى بكل حرص للحفاظ على معاهدة السلام مع مصر.

لإلغاء اتفاقية تصدير الغاز سبب وحيد ومعاني كثيرة. السبب هو وقف أي شكل من أشكال التعاون مع الدولة العبرية. هذه هي أيديولوجية الإسلاميين الطرف الأبرز الفائز في كل الانتفاضات التي قامت في الدول العربية منذ مطلع العام الماضي والتي يشاركههم فيها القومجيون الطرف الأبرز الخاسر في كل هذه الانتفاضات. لا يرغب الإسلاميون ولا القومجيون في إقامة علاقة من أي نوع سواء سياسية أو اقتصادية أو رياضية مع دولة إسرائيل. هم لا يعترفون بها ولا يقبلون بوجودها ويحملون بإزالتها من الخريطة ويعملون ويخططون بكل همة لتحقيق هذا الحلم بمساعدة إيران وذيولها في المنطقة كحزب الله وحركة حماس.

أما المعاني الكثيرة التي يحملها إلغاء الاتفاقية فمن أهمها أولاً: إرسال رسالة لإسرائيل تفيد بأن لا مجال لاستمرار جميع الاتفاقات السابقة التي أبرمت مع إسرائيل في عهد الرئيسين السادات ومبارك بما فيها اتفاقات كامب دافيد. ثانياً: محاولة تعطيل مظاهر الحياة وإقلاق إسرائيل والشعب الإسرائيلي المتضرر الأول من وقف إمدادات الغاز. ثالثاً: إرسال رسالة مباشرة للعالم مفادها أن مصر اليوم لا تقبل بما لا يتفق مع اعتقادات حكامها حتى ولو كان ذلك على حساب قطع المعونات المالية والاقتصادية. رابعاً: التضامن مع إيران في مواجهتها مع المجتمع الدولي بشأن برنامجها النووي لأنه إذا كان المجتمع الدولي يرفض برنامج إيران النووي بغرض حماية إسرائيل، فإن مصر تحت حكم الإسلاميين ترفض إمداد إسرائيل بالغاز تضامناً مع إيران. خامساً: قدرة الإسلاميين على فرض شروطهم على المجلس الأعلى للقوت المسلحة، ومن المؤكد أن إلغاء الاتفاقية جاء في إطار صفقة جديدة بين المجلس العسكري والإسلاميين. الشق المعروف من الصفقة حتى اليوم والذي حصل عليه الإسلاميون هو إلغاء الاتفاقية، ويبقى الشق غير المعروف الذي حصل عليه المجلس غير معروف.

ها وقد سقطت أخر مظاهر السلام بين مصر وإسرائيل، الذي كان بالأساس باردا ولم يكن يؤيده إلا القليلين من العقلاء. سقطت قبل الاتفاقية الثقة بين الطرفين حين لم تتمكن مصر من الدفاع عن سيناء من موجات الإرهابيين الذين اتخذوا من هذه البقعة المهمة والحساسة من أرض مصر قاعدة لشن هجمات على أنبوب الغاز و على جنوب إسرائيل. سقطت أيضاً علاقة الاحترام المفترض أن تحكم علاقات الدول حين هاجم إسلاميون وقومجيون السفارة الإسرائيلية في قاهرة واقتحموها على مسمع ومرآى من قوات الأمن والجيش. كما سقطت أيضاً كل الأمال في سلام حقيقي بين الدولتين يقود إلى سلام شامل وعادل في المنطقة؛ سلام يعطي الفلسطينيين كل حقوقهم بدون انتقاص ويعيد للسوريين جولانهم ويمنح الإسرائيليين الأمن والتعايش بطمأنينة. سقطت كل علامات السلام. وللعلم فهذه هي الأشواك الأولى للخريف الإسلامي الذي تشهده الدول العربية الذي سيلقي بظلال قاتمة على مستقبل منطقة الشرق الأوسط بكاملها.


[email protected]