عقدت هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي مؤتمرا ناجحا في باريس، رتبت خلاله منظمتها في المهجر، واستقطبت العديد من الأعضاء الجدد. الخطاب كان يتركز على الثوابت الأصيلة للثورة السورية: لا للطائفية ولا للتدخل الخارجي ولا للعنف. وهي اللاءات التي كان الشعب السوري يتمسك بها ويرفعها في بداية ثورته السلمية ضد النظام الديكتاتوري الاستبدادي، قبل ان تتدخل الاجندة الخارجية ويجد البعض في هذه الثورة فرصة لتصفية الحسابات مع محاور اقليمية. فتم نصب الفخاخ للمعارضة السورية، ووقع البعض فيها( عن قلة خبرة أو طائفية دفينة او طمعا في المغانم)، فراحوا يتحدثون عن حربهم للحزب الفلاني، وضرورة التصدي لنفوذ الدولة الفلانية، او وقف مد الطائفة الفلانية. وتراجع الخطاب الوطني الثوري السوري كثيرا، وخمد مع جنون آلة الإرهاب والقتل التي ارسلها النظام لتحصد المدنيين العزل، بحجة quot;محاربة المسلحين والارهابيينquot;!. عصام العطار، وهو رجل حكيم ومجرّب، حذر الشعب السوري في بداية الثورة من اللجوء الى السلاح، لان quot;النظام يتمنى ذلك، وسوف ينازل الشعب الاعزل في ميدان السلاح والرد العسكري الذي هو ميدانه وهو صاحب الاقتدار فيهquot;، وسيدمر المدن والقرى على رأس السوريين بحجة انهم quot;مسلحون ويقاومون الدولةquot;. وحدث تسليح جزء كبير من الثورة، وسار النظام في طريق العقاب الجماعي. تنظيم الاخوان المسلمين نجح في استدراج بعض قوى المعارضة وبعض الشخصيات الى تركيا، حيث يحكم حليفه حزب العدالة والتنمية، واسسوا مجتمعين، مع وعود خليجية بالمال والسلاح واسناد اعلامي هائل (المجلس الوطني السوري)، الذي اٌريد له ان يكون على غرار (المجلس الانتقالي الليبي). وكانت التجربة الليبية هي المثال، في تنفيذ واضح لاجندة خارجية لاتأخذ خصوصية سوريا بالحسبان. ولم يكتف المجلس بفتح ابوابه للمال والسلاح، بل صار يطلق التصريحات ضد المحاور الشيعية في المنطقة ( تقربا من دول الخليج) ويهاجم الكرد السوريين وينفي حقوقهم ويصف بعضا من قواهم بالارهاب( تقربا من تركيا)، فتضعضعت صورته الوطنية، وبات اللون الطائفي والقومجي الاحادي واضحا عليه. هيئة التنسيق الوطنية على النقيض. بقيت على مسافة واحدة من كل المكونات السورية. ادركت بان سوريا ليست ليبيا او تونس او اي بلد آخر، فسوريا هي سوريا وعلى الجميع ان يتعامل معها كماهي. وهيئة التنسيق رفضت الارتهان للخارج، وصدّت كل الاغراءات والوعود. فرفضت طلبا تركيا متكررا باقصاء حزب كردي سوري عضو في الهيئة لان ايديولوجيته لاتروق للحزب الحاكم في تركيا، وعدت هذا الطلب تدخلا غير مقبول في الشأن السوري الداخلي. ورفضت استعداء اطراف اقليمية لها كلمة الفصل في الحدث السوري، لارضاء اطراف اخرى، منطلقة من المصلحة السورية العامة قبل كل شيء. ورأت في التفاوض مع النظام( مع من لم يتلطخ اياديه بدماء الشعب السوري) وسيلة من وسائل الحل واخراج سوريا الوطن والشعب من الازمة/المجزرة. واتصلت بكل الاطراف المعنية بالازمة السورية، بل وبكل العالم، باستثناء اسرائيل التي تحتل جزءا من الوطن السوري، في سعيها للحل ولفرض مزيد من الضغط على النظام في دمشق لارضاخه للحل السلمي ووقف آلة القتل والدمار. ولكل هذه الاسباب تٌحارب هيئة التنسيق من قبل القوى المستفيدة من التدخل الخارجي الرامي الى تحويل سوريا الى ساحة لتصفية الحسابات، وتحويل السوريين الى quot;ضحايا تحت الطلبquot; لتمرير مشاريع تلك الجهات الخارجية في سوريا، وهي قطعا مشاريع لاعلاقة لها بمطالب الشعب السوري في quot;الديمقراطيةquot; وquot;الحريةquot; وquot;العدالةquot;. فهذه الدول ليست ديمقراطية ولم تٌعرف عنها اي احترام لحقوق مواطنيها. الوعود التي كان المعارضون السوريون يطلقونها للشعب السوري من فنادق اسطنبول وانقرة حول تدخل قوات (الناتو) في بحر اسبوع، او ان quot;حدثا كبيرا وحاسما سيحدث ليغير مجرى الثورةquot; باءت بالفشل. فحلف (الناتو) لم يتدخل ويكرر ان لانية لديه بالتدخل، وحلفاء النظام في دمشق لم يتخلوا عنه، منطلقين من مصالحهم الاستراتيجية: لانهم لايريدون ان تقع سوريا في أيدي دول أخرى يراقبونها وهي ترسل الاموال وكل اشكال الدعم للمعارضة، وتجهر بالعداء للمحور المؤيد للنظام. الخطاب العقلاني والوطني المستقل الذي تقود لوائه هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي بات الان في المقدمة بعد فشل خطاب المعارضة المرتهنة بيد القوى الخارجية، والتي حاولت تسويق مشاريع الخارج داخليا عبر دمغها بختم quot;مصلحة الثورة السوريةquot;. هذا الخطاب يتقدم ويستقطب الكثير من الاغلبية السورية الصامتة( اقليات وغير اقليات) ومن كل الذين تعبوا كثيرا خلال الاشهر الطويلة الماضية، وباتوا يريدون مخرجا للازمة الدموية هذه والعودة الى حياتهم الطبيعية. انه الخطاب العقلاني الذي يعاديه النظام ويستمر في اقصائه لانه يسحب المسدس من يديه، بقدر ماتعاديه المعارضة الغارقة في الاتصالات مع الخارج، والتي قدمت له وعودا بالتسّلح وquot;الحرب التحريريةquot;. وهي الآن في حرج من أمرها، وتريد تنفيذ تعهداتها في اقرب وقت ممكن، ومهما كان الثمن.
- آخر تحديث :
التعليقات