كنا نرجو أن يدفعنا الحنين لا المحنة للحديث عن السودان الشقيق؛ لكن عسي في المحنة رباط يثيبنا المولي عز وجل عليه ويهدينا سبيل الرشاد والوحدة العربية والإسلامية. فالسودان منذ عقد اتفاقية الحكم الثنائيrlm; سيئة السمعة بين مصر وبريطانيا فيrlm;19rlm; ينايرrlm;1899rlm; كان خاضعا لحكم بريطاني مصري من الناحية القانونية ولحكم بريطاني شمولي منفرد من الناحية الواقعيةrlm;،rlm; وكان القائد محمد نجيب بعيد النظر حين سعي إلي استقلال السودان ليصيب أكثر من هدف بطلقة واحدة، فيتخلص من الوجود البريطاني الذي يهدد أمن مصر القومي، ويساعد السودانيين علي توحيد صفوفهم ونيل استقلالهم، الأمر الذي سيجعل مصر صاحبة يد عليا دائما في السودان، ثالثا سيتخلص من كراهية ومقاومة بعض السودانيين ممثلون في حزب الأمة لإصرار المفاوض المصري علي تبعية السودان حكما وملكا لمصر.

وتمكن الداهية محمد نجيب من توحيد المقاومة السودانية في حزب واحد هو الحزب الوطني الاتحادي في 3 نوفمبر 1952، وإجبار بريطانيا في النهاية بعد رحلات الصاغ صلاح سالم ابن السودان إلي منطقة القبائل بجنوب السودان، ونجحت المفاوضات بين مصر وبريطانيا، وتم توقيع اتفاقية الحكم الذاتي للسودان بمقر رئاسة الوزراء بالقاهرة يومrlm;12rlm; فبرايرrlm;1953.rlm;

ونجح باكتساح الحزب الوطني الاتحادي الذي أسسه نجيب بالفوز بأول انتخابات برلمانية في السودان وتم اختيار اسماعيل الأزهري رئيسا للوزراء في 6 يناير 1954، واحتفل الإعلام المصري بهذا الفوز الساحق، وانتظر الشعبان المصري والسوداني بدء اتفاق الوحدة بين الشعبين؛ لكن الصراع علي السلطة في مصر وسعي عبدالناصر ورفاقه إقصاء نجيب من المشهد السياسي المصري مستغلين حادث ميدان المنشية في 26 أكتوبر 1954 حال دون تحقيق حلم الوحدة، وصدر قرار جائر بإعفاء محمد نجيب من منصب رئيس الجمهورية الشرفي وقتئذ في 14 نوفمبر 1954.

أثارت الإطاحة بنجيب وتقييد حريته الشخصية بهذه الطريقة المهينة، والقسوة الشديدة التي عومل بها الإخوان المسليمن لاتهامهم بتدبير حادث المنشية، أثارت مشاعر السودانيين الذين كانوا يعتبرونه رمز الاتحاد بين البلدين فضلا عن خشيتهم مما سوف يحيق بهم إذا ما اتحدوا مع مصر بعد أن رأوا ما ارتكبه أعضاء مجلس الثورة ضد رئيسهم وقائد ثورتهم لذا بدأ ابتعادهم تدريجيا عن قضية الاتحاد مع مصرrlm;.rlm;

ثم بدأت الملاسنات الإعلامية بين اسماعيل الأزهري وصلاح سالم، وشرع سالم في تطبيق سياسة شراء الموالين في السودان، وإرسال التقارير المكذوبة للإعلام المصري ولعبد الناصر حتي تفاجأ الشعب المصري في أول ينايرrlm;1956rlm; بعقد البرلمان السوداني جلسته التاريخية التي أعلن خلالها رئيس الوزراء اسماعيل الازهري استقلال السودان، ثم أخطر اعضاء البرلمان أنه قد تلقي اعترافا بهذا الاستقلال من جمال عبدالناصر رئيس مصر وسلوين لويد وزير خارجية بريطانيا وهكذا تم استقلال السودان وطويت قضية الاتحاد بين السودان ومصرrlm;.rlm;

منذ هذا التاريخ انشغل مجلس قيادة الثورة المصرية بصراعاتهم علي السلطة، ومع الإخوان والعالم الغربي، فتحرك الكيان الصهيوني بهمة ليملأ الفراغ المصري خاصة في جنوب السودان، وكشفت صحيفة (جيروزاليم بوست) الصهيونية أسرار الزيارة التي قام بها رئيس دولة جنوب السودان سلفا كير إلى الكيان الصهيوني الأسبوع الماضي، والتي اعتبرت دليلاً على نمو التحالف بين الجانبين. وألمح شيمون بيريز لكير بمساعدة الكيان للمتمردين في جنوب السودان في ستينيات القرن الماضي، وذلك عندما التقى بيريز عندما كان نائبًا لوزير الحرب بصحبة رئيس وزراء الكيان حينها ليفي إشكول في باريس مع قادة محللين لمتمردي جنوب السودان.

ونقلت عن بيريز أن الكيان قدم حينها لجنوب السودان مساعدات مكثفة في الزراعة والبنى التحتية، كما أشارت إلى المكالمة الهاتفية التي أجرتها مع جيمي مللا، المدافع عن جنوب السودان من واشنطن، والذي أكد أن الكيان قدم مساعدات لمتمردي جنوب السودان لا تقدَّر بثمن في مجال تدريب المتمردين، كما ساعد الكيان حركة التمرد عبر إمدادها بالتعليمات، والدفاع عن المتمردين في المحافل الدولية.

وقالت الصحيفة: إن هذا الدعم الصهيوني لجنوب السودان جعل تهنئة الجنرال جوزيف لاجو، زعيم حركة التمرد في جنوب السودان، للكيان الصهيوني بعد انتصاره على الدول العربية عام 1967م غير مفاجئة.

إذن الصورة باتت واضحة الآن وأظهرت عمق الوجود الصهيوني في جنوب السودان، ودوره في الحرب الدائرة الآن بين الشمال والجنوب السوداني، وهذا ما أكده السفير بلال قسم الله صديق- القنصل العام السودانى فى مصر- من أن هناك جماعات ضغط ودوائر غربية، منها اللوبى اليهودى والجماعات الأفريقية فى الكونجرس الأمريكى، لعبت دورا فى زعزعة استقرار السودان من خلال دعمها المتواصل للحركة الشعبية، والتى ظهرت مواقفها الرافضة للوحدة قبل انفصال دولة جنوب السودان.

وطالب السفير الحركة الشعبية بالجلوس إلى طاولة المفاوضات لحل هذه المشكلات، وفقا لبنود اتفاقية السلام الموقعة بين البلدين. ونسب قسم الله للحركة الشعبية دائما خلقها للأزمات التى عاشتها السودان حتى قبل الانفصال، خاصة بعد أن احتوت الجماعات المسلحة.

ونفى القنصل السودانى أن تطبيق الشريعة الاسلامية سببا مباشرا فى الأزمات التى عاشتها السودان باعتبار أن الشريعة قضية متعارف عليها منذ الثورة المهدية عام 1885، إنما اتخذتها الحركة الشعبية وبعض الجماعات المتمردة ذريعة للحصول على دعم غربى.

ولكن نراهن الآن أن جنوب السودان سيتحول إلي حصان طروادة للكيان الصهيوني والذي سينطلق به ومنه الكيان نحو العالم العربي ما بقي غياب مصر ضابطة إيقاع اللحن السياسي في اقليم الشرق الأوسط.