زيارة طرح الهموم و طلب الغوث، هکذا يمکن وصف الزيارة الاخيرة التي قام بها نوري المالکي رئيس الوزراء العراقي لإيران، و التي جوبهت بما يشبه من حملة عراقية عربية دولية من الامتعاض و الاستياء، کانت من أسوأ الزيارات التي قام بها المالکي لإيران و من الممکن جدا لمس آثارها و مخلفاتها و تداعياتها على المشهد السياسي العراقي في المستقبل القريب.
نوري المالکي الذي کان قد شيد قوته السياسية على دعامتين اساسيتين هما الدعم و التإييد الايراني و الامريکي، سعى مٶخرا لکي يکتسب عمقا عربيا عند إستضافة العراق لمٶتمر القمة العربي الاخير في بغداد، يبدو واضحا بأنه قد صفى أخيرا على دعم و اسناد خاصين من جانب النظام الايراني فقط، إذ لم تعد الولايات المتحدة الامريکية متحمسة کسابق عهدها للمالکي و أن لديها أکثر من ملاحظة على اداءه السياسي على الصعيد العراقي من جانب و على علاقاتهquot;المميزةquot; مع النظام الايراني من جانب آخر، أما العمق العربي للعراق و الذي کان اساسا مطلبا من جانب النظام الايراني، هو أمر ليس لم يتحقق وانما على العکس من ذلك تماما حيث هنالك العديد من المٶشرات و الدلائل التي تٶکد إزدياد الجفاء العربي من حکومة نوري المالکي و عدم رضاها عنها.
الجبهة الداخلية في العراق و المفتوحة ضد المالکي من جانب القائمة العراقية و الاکراد، آخذة في التوسع أفقيا خصوصا بعد الود و الغزل السياسي المتبادل بين التيار الصدري و الاکراد، ولايبدو أن المالکي سيحقق ماقد تم له في عام 2009، عندما تمکن من إکتساب دعم مفرط من جانب النظام الايراني هيأ الارضيةquot;الى جانب الدعم الامريکيquot; لفرض سطوته على الشارع السياسي العراقي، ففي ذلك الوقت کان هنالك نوع من التفاهم و التنسيق بين طهران و مختلف القوى السياسية العراقية، أما الان و بعد ان ذاق الجميعquot;صابquot;وquot;زعافquot; ذلك التفاهم و التنسيق و إنعکست آثارها و نتائجها الوخيمة على الجميع من دون إستثناء، ويکثر الحديث في مختلف الاوساط السياسية العراقية من أن النظام الايراني سوف لن يجد له آذانا عراقية صاغية لquot;نصائحهquot;وquot;توجيهاتهquot;، و من المٶکد جدا ان القوى السياسية العراقية ستستفاد من تجربة الاخوان المسلمين السوريين الذين إتبعوا اسلوبا يتسم بالحکمة في تعاطيهم مع النظام الايراني فقد کانوا أشبه بمن يأخذ من دون أن يعطي شيئا، ولأجل ذلك فإن قيام نوري المالکي بإلقاء کراته کلها في سلة الملالي و المراهنة عليهم في حل مشاکله و معضلاته داخليا و عربيا، هو تصرف خاطئ و لايتسم بشئ من الحکمة و العقلانية، وان الغطرسة و التعجرف السياسي في التعامل مع القوى السياسية العراقية(إستقوائا بالنظام الايراني)، ليس لن تٶتي بأية نتيجة وانما قد تقود الى قصم ظهر المالکي و إجباره على الترجل من فرس رئاسة الوزراء صاغرا.
الملفات التي حملها نوري المالکي الى طهران و التي ترکزت بشکل خاص على الملف السوري و ملف مجاهدي خلق و الملف العراقي بمختلف تشعباته، ليس بالامکان أبدا حسم او معالجة أي واحد منها من دون الرجوع للاطراف السياسية العراقية المختلفة و الى أطرافا دولية و عربية أخرى، إذ ان حل و معالجة معظم المشاکلquot;ولاسيما المتعلق منها بالداخل العراقيquot; أمر غير ممکن في طهران وتحديدا في الوقت الراهن وانما هو کان و سيبقى في بغداد ذاتها عبر التشاور و التحاور بين العراقيين أنفسهم، وهو أمر يبدو انه لايلقى رواجا او ترحيبا من جانب نوري المالکي، ولاسيما وان ملفي مجاهدي خلق و سوريا، ترتبطان إرتباطا وثيقا بأمن النظام الايراني وان تدخلاتها المفضوحة في السياق المتعلق بهما و ضغوطاته المستمرة و الملفتة للنظر على حکومة نوري المالکي من أجل دفعه بالاتجاه الذي يخدم سياساته بهذا الصدد، تجعل من يدي المالکي مغلولة نوعا ما الى عنقه و تمنعه من تقديم أية مبادرة تخدم الواقع، والحق ان المالکي بين خيارين ليس بالامکان وصفهما بعبارة(أحلاهما مر)، إذ أن الخيار الوطني هو قطعا الخيار الافضل، فهل سيجنح المالکي لهذا الخيار؟
[email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات