قتلى ومصابون في حرائق وطوابير خبز وسولار وأنبوبة غاز هنا وهناك على مستوى الجمهورية المصرية، لمواطنين أبرياء لا ناقة لهم ولا جمل، نتيجة فوضى لا ندري هل هي مقصودة ومدبرة أم أنها نتيجة التخبط الحادث في إدارة شئون المصريين ومصالحهم على كافة المستويات والمجالات، إن تصعيد الأزمات والمشكلات التي تمس حياة المواطن المصري وتقض مضجعه بات أمرا خطرا يخشى ألا تحمد عقبى نتائجه في حال استمراره.

يحدث ذلك في ظل تناحر سياسي للاستحواذ على السلطة بين مختلف الفصائل والتيارات والأحزاب، وخطابات واستعراضات تملأ البلاد من شمالها وجنوبها كل همها أن تؤكد وجودها وتدعم فرصها وأحقيتها في اعتلاء السلطة دون مراعاة أي نوع من الظروف التي تحيط بحركة المواطن المحبط والمتأزم.

إن عددا من نواب البرلمان مشغول بطموحاته ومصالح أحزابه، تتنازعه الانقسامات والصراعات والاتهامات، كل يبحث عن دور يسيطر من خلاله، حتى ميدان التحرير رمز الثورة ومصدر الشرعية اختلف وجهه في مليونية تقرير المصير أو إنقاذ الثورة، سواء الأولى التي شارك فيها الجميع أو تلك التي اقتصرت على فصيل بعينه، ولم يعد الميدان الذي عهدناه مجتمعا على قلب رجل واحد، فخلال الجمعتين الأخيرتين صارت تناهشته الـ quot;الأناquot; وضاعت الـ quot;نحنquot;، وذلك بعد أن عادت إليه التيارات التي لعنته وسبته واتهمت ثواره بأفظع الاتهامات لتسيطر عليه.

ما أشبه الاضطراب الذي يعانيه المواطن المصري الآن بالاضطراب الذي كان يعانيه قرب قيام ثورة 25 يناير، لكنه هذه المرة أقصد المواطن لا يدري ماذا يفعل بعد أن رأى ثورته تنهار وركام انهيارها يضبب كل شيء حوله، هل انفض مولد quot;الثورةquot; وخرج هو منه بلا quot;حمصquot; بلا آمال أو طموحات أو أحلام؟. ووفقا لذلك دخل هذا المواطن في حالة من التخبط ما بين اعتصامات وإضرابات واحتجاجات وقطع الطرق واقتحام أقساط شرطة واستخدام العنف غير المبرر في كل شيء، لقد أصبحت أفعال وردود أفعال لا تتسق مع طبيعته.

لا أعتقد أن أحدا من المسؤولين أو المتنازعين على السلطة يمر بالشارع المصري ليرى ما يجري فيه ويقرأ تحولاته التي تشكل الأسوأ في تاريخه الحديث، حيث يكتفي هؤلاء بخطابه عبر شاشات التلفزيون وصفحات الجرائد، لا فرق بينهم وبين ما كان يفعله مسئولو نظام الرئيس المخلوع، هم في واد والشعب في واد آخر، نظام يقتات على احتقان الشعب وأزماته.

إذا كان المواطن في ذيل اهتمامات البرلمان والميدان فماذا يرتجى من الحكومة؟ إن صرخات المحتجين والمضربين والجائعين تملأ الآفاق جنبا إلى جنب صرخات الباحثين عن كرسي الرئاسة والحكومة والوزارة، لتتعقد الأمور وتزداد سوءا وتصبح فرص النجاة من الغرق ضئيلة ما لم يفق الجميع ويتنبه إلى أن الخطر بات محدقا بالجميع.

كل هذا quot;كومquot; واللجوء إلى الدين واستثماره في الخديعة والنصب لتحقيق أهواء ومصالح زائفة ومغرضة quot;كومquot; آخر، شخصيا سئمت من هؤلاء أصحاب اللحي الذين يطلقون على أنفسهم quot;شيوخ وعلماء دينquot; وهم أبعد مما يظنون عن صحيح الدين ورسالته العظيمة، لقد نزلت الرسالات السماوية من أجل الصدق والنظافة والعدالة والحرية والكرامة والعزة وتوفير الأمن والأمان للناس، وليس لاستخدامها لذبح الناس والتنكيل بلقمة عيشهم واستغلال فقرهم وبساطتهم من أجل السلطة والنفوذ.

إن هؤلاء الذين يخرجون علينا بلحاهم واعظين أقل واحد منهم يملك ثروة طائلة ويعيش متنعماً في شقق أو فيلات كالقصور ويركبون العربات الفارهة، في حين يعلمون أن الأغلبية ممن يخاطبونهم متلاعبون بعقولهم وأفئدتهم لا يكادون يملكون أقوات يومهم، وأن أحدا من هؤلاء لم يجرأ على قول كلمة حق عند سلطان جائر حكم مصر واستباح مقدراتها ثلاثين عاما، سنوات طوال لم نر من تلك اللحى كلمة مطالبة بالعدالة الاجتماعية لهذا الشعب.

هل تذكرون موقف هؤلاء يوم خرج الثوار رافعين شعار quot;لا للإعلان الدستوريquot;، ومطالبين بـ quot;الدستور أولاquot; تكالبت اللحى عليهم باللعنات، وشن خطباؤهم بالمساجد التي يديرونها وما أكثرها حملة شعواء على الثوار منكلين بهم وبنواياهم ووصل الأمر إلى الطعن في عقيدتهم وانتمائهم وولائهم، واليوم عندما تعارضت بعض مواد الإعلان مع مصالحهم ملأوا ميدان التحرير، لم يملأوه حين قتل شباب الألتراس في استاد بورسعيد ويوم قتل من قتل في شارع محمد محمود ويوم سحلت الفتاة في الميدان، لم يفعلوا ذلك لأن الشعب بالنسبة لهم مجرد قطيع يسوقونه بآية قرآنية وحديث نبوي شريف.

إنني حزين أن يتحول الشعب المصري إلى قطيع تحركه أهواء ومصالح، حزين ألا أرى قيادة تسعى للدفاع عن أمنه وأمانه وسلامه واستقراره، قيادة تقاتل من أجل حماية روحه لا من أجل هوى شخصي، قيادة تعتز به صدقاً وحقاً وليس رياءً من أجل سلطة زائلة.