يعتبر الاصلاحيون والناشطون ان تعيين فايز الطراونة خطوة سلبية لاحباط المشاريع الاصلاحية، رغم أنه رجل مخضرم ومحسوب على الحرس القديم و امضى 40 عاما في مناصب مختلفة منها وزير خارجية ورئييس وزراء ووزير دفاع وعمل في الديون الملكي وعمل كسفير للأردن في الولايات المتحدة. الطراونة شخصية محافظة ويختلف عن الخصاونة في ان الأخير يريد التعديل والتغيير والأول يعتبر الاصلاح وحرية الصحافة والتعبير وغيرها من الاصلاحات تهديدا لأمن واستقرار البلد. هذا ما استنبطته من متابعاتي للملف الأردني.
شعر المراقبون الغربيون بالتفاؤل عندما تم تعيين عون الخصاونة رئيسا للوزراء في شهر اكتوبر عام 2011. الخصاونة قاضي سابق في محكمة العدل الدولية ويتمتع بنزاهة وسمعة طيبة وتلبية لرغبة الملك عبدالله الثاني في تعيينه رئيسا للوزراء، دخل الخصاونة الحلبة السياسية من جديد ووجد نفسه في صراع مع مراكز قوى مثل الديوان الملكي واجهزة الاستخبارات. وهو يدرك تماما ان فترته الرئاسية هي مرحلية ومؤقتة كالذين سبقوه.
هل استقال الخصاونة او تم الاطاحة به؟
استقال عون الخصاونة بعد 6 شهور من تعيينه خلفا لمعروف البخيت الجنرال العسكري السابق بعد أن تم اجباره على الإستقالة على خلفية قضية الكازينو، وتم توجيه اتهامات شعبية له بالفساد في الفترة 2005 و 2007 عندما كان رئيسا للوزراء في حكومته الأولى.
هناك محللون غربيون يرون أن استقالة الخصاونة ستزيد الضغوط على الملك للاسراع في عملية الاصلاح، بعبارة أخرى استقالة الخصاونة حركت مياه الاصلاح الراكدة ويعتقد المقربون من الخصاونة أنه لم يكن مرتاحا لتمديد الجلسة البرلمانية العادية حتى 25 حزيران 2012، في حين أن الملك لم يكن مرتاحا ايضا من تباطؤ حكومة الخصاونة في تنفيذ الخطة الاصلاحية، لكن هناك من يعتقد أن هناك تحالف شيطاني بين عناصر تقليدية وعناصر ما اصطلح على تسميتهم بالليبراليين في الأردن هم من أطاحوا بالخصاونة، وليس الملك. سينصف التاريخ عون الخصاونة من الذين تحاملوا عليه وشنوا عليه حملة اعلامية ظالمة ولا اعتقد ان الخصاونة قد انتهى وأتخيل أنه سوف يعود رئيسا للوزراء مرة ثانية في المستقبل.
تاريخيا الحكومات الأردنية المتعاقبة لعبت دور الحاجز بين النظام والشعب لامتصاص احتقان الشارع وغضبه، وهذا للإنصاف ما فعلته حكومة الخصاونة، واعترفت به وهي تدرك ذلك، وهذه الطريقة متبعة ليس في الأردن فقط بل بكل دول العالم.
لقد فاجأت استقالة الخصاونة المراقبين السياسيين، و هناك من يرى انها امتداد لنمط تغيير الحكومات بانتظام. ومهما كانت السجالات والمناورات في هذا الشأن الا انه من الواضح ان هناك حالة من التخبط أدت الى تعثر العملية الاصلاحية او على الأقل ابطأتها. ولست هنا لتوجيه اصابع اللوم لأي طرف. ويشير بعض المراقبون للوضع الأردني أنه لا يزال هناك حرس قديم يقف عثرة امام الاصلاح ويعمل باستمرار على احباط رغبة الملك بتسريع وتيرة الاصلاح.
الملك عبد الله رجل ذكي وواعي وحكيم ولديه خبرة سياسية ودولية ويدرك ما يجري في المنطقة من متغيرات جيو سياسية ومنذ عام 1999 تعامل مع التطورات والأزمات بايجابية وحزم ورباطة جأش الا ان رغبته بالاصلاح تجد مقاومة من المؤسسة الأمنية ومن ذوي المصالح المستفيدة من الوضع القائم.
حان الوقت الآن لوضع برنامج اصلاحي عملي يراعي الخصوصية الديمغرافية والاجتماعية والجغرافية. لا يوجد نمط اصلاحي او ديمقراطي يناسب الجميع كمن يريد تلبيس نفس الجاكيت بنفس المقاييس لجميع الرجال دون الالتفات لحجم الشخص ووزنه وطوله الخ وفي الوقت ذاته يقول البعض انه يتم تشكيل لجان لدراسة الاصلاحات ولكن لا شيء يحدث.
ولكن يجب القول بصراحة ومن موقعي كمراقب يهتم بالأردن ويحب الأردن ومؤيد للهاشميين أن هذا التخبط والتغيير المفاجيء يأتي نتيجة لعدم وجود خطة مترابطة ومتماسكة منطقية قابلة للتطبيق اي خطة عمل واضحة وبرنامج واضح للاصلاح مع جدول زمني للتنفيذ وباللغة الانجليزية المطلوب
A Coherent Workable Policy.
الحركات الاسلامية تشعر بالاحباط
منذ 1999 عندما أعتلى الملك عبدالله الثاني العرش وحتى الآن شهدنا حالة من التدهور في العلاقة مع المعارضة الاسلامية والتي ينظر اليها الشارع والمؤسسة الحاكمة بالريبة والشكوك تارة بسبب تصريحاتهم الغوغائية وتارة اخرى بسبب ولاءاتهم الخارجية لقوى لا يهمها مصلحة الأردن مثل حركة الاخوان المسلمين وحماس والطالبان. وانا شخصيا لا أثق بهم لأن اولووياتهم ليست حل المشاكل الاقتصادية بل ترويج الظلاميات الطالبانية والحمساوية في الأردن. وليس سرا أن هناك استياء في اوساط العشائر والبادية من تصاعد قوة الاخوان المسلمين وجبهة العمل الاسلامي.
ولا يمكن تجاهل مخاوف العشائر والبادية من التصاعد المزدوج للاسلاميين من جهة والأغلبية ذات الجذور الفلسطينية التي تسعى للحصول على مكاسب على حسابهم. الخوف الأكبر والأخطر هو ان تتحول الأردن في نهاية المطاف الى دولة فلسطينية.
وأجزم ومن متابعاتي للحركات الاسلامية منذ اوائل التسعينات انها تستعمل الديمقراطية للوصول للسلطة ثم تلغي الديمقراطية لتباشر في تنفيذ برامج طالبانية لا علاقة لها بالحرية او الديمقراطية. أما اليسار الأردني الذي يطالب بالاصلاح في الأردن يرفضه في سوريا ويبرر جرائم النظام السوري.
معضلة الاصلاح التي تواجه الملك
الملك عبدالله الثاني يدرك ان رياح التغيير في ظل الربيع العربي عصفت بالمنطقة ولا يستطيع الأردن تجنب هذا التسونامي وعليه ان يتعامل معه باصلاحات حقيقية تنسجم مع طبيعة البلد الديمغرافية. وأكد الملك مرارا انه يحق للأردنيين انتخاب رئيس الوزراء والحكومة ولكن لا يتم ذلك بيوم وليلة. هناك حاجة لقوانين عصرية تنظم الاحزاب والانتخابات حيث تعكس رغبة الشعب وليس فقط الأحزاب ذات الأجندة الضيقة. وثم مسألة تعديل الدستور لتقليص صلاحيات الملك وهذه في نظري أمر شائك ومعقد تحتاج الى دراسة دقيقة وبحث عميق وحوار وطني للتوصل الى صيغة مقبولة تكفل استقرار وتماسك الوطن وفي نهاية المطاف ربما الرجوع للشعب باستفتاء للأخذ رأي وموافقة الأغلبية الصامتة المؤيدة للنظام الملكي الهاشمي.
المعضلة في الأردن تكمن في السؤال التالي: هل الاصلاح التدريجي البطيء يحقق الاهداف والنتائج المطلوبة؟ وهل الاصلاح السريع المتسارع لارضاء ذوي الاصوات المرتفعة سيؤدي الى زعزعة الاستقرار والعنف وفي النهاية لا تأتي بالنتائج المرغوبة؟ لنأخذ مصر مثلا وبعد أكثر من 14 شهرا على تنحي حسني مبارك لا زالت الفوضى والصراعات قائمة ولا تزال هياكل الحكم السابق ثابتة في مكانها. والسؤال الآخر هل الاصلاح لوحده يقود للديمقراطية؟
الأغلبية الصامتة في الأردن لم تخرج للشارع لتعبر عن موقفها بل بقيت الساحة مفتوحة لنشطاء الاخوان المسلمين وبعض الاحزاب المحسوبة على القوميين واليساريين الصامتين عن جرائم نظام دمشق والذين يطالبوا بقوانين اتخابية وحزبية تناسبهم لكي يسيطروا على البرلمان وينفذوا اجنداتهم.
ولتكتمل الصورة يجب ان نذكر أن هناك استياء في صفوف جبهة العمل الاسلامي من محاولة النظام المستمرة لاحتوائهم واحباط جهودهم بالحصول على أغلبية في البرلمان. حيث بتاريخ 17 ابريل نيسان اي 9 ايام قبل استقالة الخصاونة وافق البرلمان على مسودة قانون الاحزاب السياسية الذي يحظر تشكيل احزاب سياسية على قاعدة دينية والهدف هو نزع الشرعية من جبهة العمل الاسلامي بالمشاركة في الانتخابات المقبلة. واعتقد ان الرئيس الخصاونة ورغم ما اتهم به من انه قريب من الإسلاميين، إلا أنه استطاع احتوائهم بكل حرفية واقتدار، وتعامل معهم بكل براغماتية تحسب له.
اتمنى أن تقوم الحكومة الجديدة بترجمة رؤى وتوجهات الملك الإصلاحية، وهذا ما قاله رئيس الوزراء الجديد بعد اداء القسم الدستوري quot;ان هذه الحكومة، التي سماها جلالة الملك الحكومة الانتقالية، ستعمل على ترجمة كتاب التكليف السامي الذي سيبقى عليه البيان الوزاري الذي ستتقدم به الحكومة إلى مجلس النواب بالسرعة الممكنةquot;.
اعلامي عربي - لندن
التعليقات