المظاهرات التي حدثت في عاصمة اقليم كردستان اربيل، كسرت الطوق الأمني لحزب الرئيس مسعود البرزاني المفروض على منطقة نفوذه، وفتحت الباب امام احتمالات كثيرة، خاصة وانها اتت بعد شهور من الاحداث التي تفجرت في زاخو، وبالرغم من البعد المحلي للاحداث التي جرت والتي شملت احتراق محلات بيع الخمور ونادي اجتماعي، ألا ان الاضطرابات التي حصلت يقرأ منها بعد سياسي أكثر مما يقرأ منها بعد ديني بسبب نشر موضوع عن الذات الالهية في مجلة محلية.
ويبدو ان التعامل الهاديء مع المظاهرات تنم عن قراءة جديدة للمسؤولين في ادارة الازمة للحدث الحاصل كاحتجاجات غير مسبوقة في العاصمة الكردية بمثل هذا التوجه المفاجيء للانفلات الأمني والامتداد السريع لشرارة الحدث الى أماكن اخرى عن مركز الحدث امام البرلمان الكردستاني، والملفت ايجابيا ان البيانات الرسمية الصادرة ركزت على اللجوء الى القضاء وعدم اتهام اي جهة بالتحريض على الاحتجاجات.
ولكن يبدو ان للمظاهرات الحاصلة في اربيل قراءة مخفية من وراء السطور مرتبطة بالحالة السياسية والحياتية والاجتماعية والاقتصادية في الاقليم، وهي تحمل في باطنها احتجاجا على الوضع القائم في منطقة السلطة المنفردة للبرزاني، وما حدث في زاخو وثم اربيل يمكن اعتباره صفحة ثانية وثالثة ممتدة من ما حصل في مدينة السليمانية منطقة نفوذ حزب الرئيس جلال الطالباني في شهر شباط من السنة الماضية، وتشير بعض القراءات والتحليلات السياسية ان السبب الذي وقف وراء تحريك هذه الصفحات هو الفساد ثم الفساد وثم فساد السلطة، لان واقع الفساد المفروض على شعب كردستان قد خلق أقلية مارقة فاسدة تعيش في السماء وأغلبية فقيرة تعيش على سطح الارض وباطنها، وجعل من بلاد كردستان وطنا بلا أرض وشبعا لا وطن.
والحقيقة المرة ان الرئيس البرزاني لم يقدر لحد الان من تنفيذ اي برنامج للاصلاح لا في عائلته الحاكمة ولا في افراد عشيرته الذين يتمتعون بنفوذ جبارة في السلطة والتجارة والاقتصاد والعقارات، وأيضا لم يقدر على تحقيقه لا في حزبه ولا في الحكومات المتعاقبة للاقليم التي تربع عليها ابن اخيه نيجيرفان عدة مرات منذ عقد من السنين، ولهذا تعزز الفساد والفروقات الطبقية الشاسعة بين مكونات المجتمع الكردستاني بدرجات كبيرة مسجلة ارقاما خيالية في نهب الاموال والاستيلاء على الممتلكات وأرض الشعب باسم الاستثمار والمشاريع الوهمية.
ولهذا لم يبقى للرئيس البرزاني ولا لحزبه اي رصيد لدى أغلبية الشعب الكردستاني لاصلاح الوضع القائم ومكافحة الفساد والقضاء على سياسة نهب الاموال العامة وممتلكات ارض الوطن، ولم يبقى أي أمل يذكر ولا ثقة بأي خطوة يخطوها رئيس الاقليم، ولم يبقى أي أمل امام الكردستانيين للخروج من الأزمات التي يعيشها في غلاء المعيشة وأزمة السكن والايجارات والصحة والتربية والتجارة وغيرها، وفي وسط بيئة لا تملك اية بنية تحتية لضمان الامن الغذائي ولو لأسبوع واحد لشعب يقدر نفوسه بخمسة ملايين بسبب عدم وجود اية وحدات انتاجية زراعية وغذائية وحيوانية، وبسبب تحويل السهول والتلول والجبال الى ممتلكات اقطاعية للمسؤولين على حساب المواطنين شبيهة باقطاعيات القرون الوسطى في اوربا.
وبسبب هذا الواقع المؤلم في الاقليم، لا يبقى أي أمل للخروج من واقع الفساد الخيالي الذي فرضته السياسة الفاسدة لادارة البرزاني وسلطته، سوى التأمل بطرف مقابل قد يقدر على تقديم بديل للاصلاح ومعالجة الازمات ومكافحة الفساد، لارساء العدل في توزيع ثروات الشعب وتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة بين المواطنين، وهذا الطرف لا يمكن تحقيقه الا بالغاء التحالف الاستراتيجي بين الحزب الديمقراطي برئاسة البرزاني والاتحاد الوطني برئاسة طالباني، وتشكيل تحالف استراتيجي جديد بين حزب الطالباني وحركة التغيير برئاسة نوشيوران مصطفى.
والاسباب التي تدعو الى قيام هذا التحالف الجديد، هي ما يلي:
1.انفراد الرئيس البرزاني في السلطة منذ عقدين من السنين وتفشي الفساد المالي والاداري والاقتصادي والتجاري والغذائي والدوائي والصناعي والنفطي في اوسع ابوابه العملاقة وفقدان القدرة على مجابهته ومعالجته.
2.انفراد العوائل الحاكمة والمسؤولين في الحزبين والسلطة والتجار وأصحاب الرساميل بنهب المال العام والممتلكات والارض تحت مسميات مرتبة بشيطنة انسانية وترك الكردستانيين في أوضاع ماساوية بلا وطن ولا أرض ولا غذاء ولا انتاج ولا صحة، وتحويل الشعب الى مجتمع استهلاكي مائة بالمائة بالاعتماد على السلع والمواد المستوردة من تركيا وايران وسوريا.
3.السياسات الخاطئة للرئيس البرزاني وحكوماته وممثليه في العاصمة الاتحادية على مدى تسع من السنين في معالجة القضايا الخلافية مع الحكومة الاتحادية في بغداد برئاسة نوري المالكي، والتي لم تثمر عنها سوى تازيم الخلافات سنة بعد سنة وتعميق القضايا دون حل وخاصة المادة 140 من الدستور.
4.المجابهة الخاطئة للرئيس البرزاني مع الحكومة الاتحادية من خلال التهديد باعلان الدولة دون الاعتماد على أسس وخطة مدروسة ومنفذة سابقا لبناء الدولة المنشودة، والتلاعب بمشاعر الكرد ودغدغتها دون أساس قائم.
5.مخاطر الأزمات الاقليمية التي تحيط بالاقليم في سوريا وايران والمشكلة الكردية في تركيا، والتي قد تمتد اثارها الى داخل الاقليم.
مع بيان هذه الرؤية المتواضعة الداعية الى تشكيل تحالف جديد لخدمة الكرد واقليم كردستان، وفي ظل الاحداث والازمات المعقدة التي يمر بها العراق والدول المجاورة له، وفي ظل أحوال لا يمكن ابعاد شرارة الربيع الكردي ضد سلطة الحزبين الحاكمين في كردستان، فان المطالبة باحداث تغيير جذري لا يمكن الاستخفاف بها لانها الحل الامثل لاعادة الخارطة السياسية والاقتصادية والمعيشية والاجتماعية في اقليم كردستان.
وفي كل الأحوال، فان ما جرى من احتجاجات في عاصمة اقليم كردستان وفي بعض مدنها سابقا، لابد ان تحرك قيادات الحزبين الرئيسين والاحزاب المعارضة والبرلمان والحكومة ورئاسة الاقليم للتفكير الجدي لحل الازمات القامئة في كردستان لأنها مهيئة ومعرضة للانفجار في اي لحظة لأسباب داخلية مرتبطة بالادارة الفاسدة للحكومات المتلاحقة في الاقليم، ولا بد التحوط من السيناريوهات المرسومة في المنطقة على الصعيد الاقليمي، وفي الوقت نفسه لابد ان يوجب على قيادة الاتحاد الوطني برئاسة الرئيس طالباني ونائب رئيس الاقليم كوسرت رسول علي وقيادة حركة التغيير برئاسة نوشيوران مصطفى على الاسراع باتخاذ خطوة تاريخية واستراتيجية للقيام بتشكيل تحالف سياسي جديد لايجاد حلول جذرية للازمات التي يعاني منها الشعب والإقليم، وعلى التحالف الجديد التعامل بحكمة للبدء ببرنامج وطني شامل للاصلاح والعدالة والمساواة لحماية الكيان الكردي من اي مخاطر قد تجابهه من الداخل.
وفي الختام، لا بد ان نؤكد أن ما حصل في كردستان بداية أولية لربيع كردي، لان سياسة الاستبداد السلطوي بقصد الثراء الفاحش للجمع بين السلطة والثروة قد وصلت ذروتها في شيطنتها ومارقيتها ومن قبل أهل الحكم الذين حولوا البلاد الى ضيعة في جيوب العوائل الحاكمة المستبدة الجشعة، ولو استمر حال حكام الاقليم كما عليه الان فان مخاطر حقيقية تحيط بالشعب الكردستاني، ولهذا فان التحالف الجديد له ضرورات وطنية كردية للحفاظ على الاقليم ولارساء الحرية والكرامة والعدالة للمواطن الكردي، والا فان اندلاع الربيع الكردي امر واقع في المستقبل، وفي حال قيامه سيحرق الاخضر واليابس، ولهذا فان الالتزام بالتعامل بحكمة وأسس عقلانية لاتخذا القرار الوطني المناسب لصالح الكردستانيين هو الكفيل باخراج الاقليم من ازماته المستعصية، ونأمل ان يكون قرار تشكيل التحالف الجديد هو القرار الصائب لصالح اقليم كردستان وشعبه الاصيل.
كاتب صحفي ndash; كردستان العراق
[email protected]
التعليقات