اما بالنسبة الى اخوان مصر، فقد تم تنظيم انفسهم في حزب اطلق عليه حزب الحرية والعدالة ويعد الحزب السياسي الأول لجماعة الإخوان المسلمين فى مصر وهو بمثابة الذراع السياسية للجماعة.
لقد نشات حركة الأخوان المسلمين في مصر منذ 83 سنة وذلك في مارس سنة 1928 كتنظيم ديني اجتماعي علي يد مؤسسها حسن البنا،سرعان ما انتشر فكر هذه الجماعة، لتشكل جماعات أخرى تعد حركة الاخوان وافكارها مرجعية لها، وصلت الآن إلى اكثر من 100 دولة في مختلف بقاع العالم. لذا يمكن ان نصف الاخوان المسلمين بانها حركة عالمية تمتلك شبكة جِدُّ متطورة من العلاقات الشخصية والمالية والتنظيمية والإيديولوجية، بين أفرادها في المستوى العالمي. ويرى احد الاساتذة المهمتين بحركة الاخوان المسلمين لورينزو فيدينو ان قادة حركة الاخوان لا يجدون ضيرا في التأكيد على عالمية حركة الاخوان ويشير الى تصريح ادلى به مهدي عاكف المرشد العام السابق للإخوان المسلمين حين وصف الإخوان بأنها quot;حركة عالمية يتعاون أعضاؤها معا في أنحاء العالم جميعا، على أساس النظرة الدينية العالمية نفسها: نشر الإسلام حتى يسود العالميةquot;.طبقا للمواد (من 49 إلي 54) في النظام الأساسي للإخوان، الموضوع عام 1982م والمعدل في 1994، فإن على قيادة الاقطار الالتزام بقرارات القيادة العامة متمثلة في المرشد العام ومكتب الإرشاد العام ومجلس الشورى العام.
وقد مر تاريخ الاخوان في مصر بسلسلة من التحولات والتبدلات على مستوى الفكر والممارسة والعلاقة مع السلطة والاخر، ففي بادئ الامر وكما يرى الاستاذ عبدالحليم قنديل ان الحركة خرجت من معطف الإمام رشيد رضا، وإن تخلفت عن توفيقية رضا النسبية. إذ كان رضا يربط بين التدين والسلطة والتفاعل مع السياسات الوطنية، فيما اكد حسن البنا شمولية الإسلام، والترابط الوثيق بين العقيدة والشريعة والسياسة، وبين الفكر والتنظيم الحركي، وكان اهتمام الحركة بالظاهرة الاجتماعية من خلال تفاعلها مع الطبقة الاجتماعية الفقيرة،فضلا عن موقفهم من القضية الفلسطينية دورا كبيرا في تزايد شعبيتها في الاربعينيات من القرن الماضي، هذا التزايد في الشعبية اثار مخاوف السلطة وهو ما دفع رئيس الوزراء المصري آنذاك محمود فهمي النقراشي الى اصدار قرار بحل الجماعة عام 1948، ذلك القرار الذي ادى الى مقتل النقراشي في نفس العام على يد احد الاشخاص المرتبطين بالاخوان. وعلى الرغم من تبرأ حركة الاخوان من هذا العمل، بوصفه عملا فرديا الا ان هذا لم يشفع لهم ولا لزعيمهم الذي قتل لاحقا في عام 1949. وقد اصاب الحركة بعد وفاة زعيمها مرحلة من الارتباك تجسد في عدم انتخاب مرشدا لها الا في عام 1951 حينما انتخب حسن الهضيبي في هذا الموقع.
وقد تحالف الاخوان مع حركة الضباط الاحرار، ومع وصول الضباط الى السلطة عام 1952، شهدت العلاقة تطورا كبيرا، ومنح الاخوان مساحة كبيرة من الحرية، وقد ظهر ذلك للعيان واضحا عام 1953 إذ استثنيت حركة الاخوان من قرار حل الاحزاب، الا ان انتكاسة حدثت في السنة التالية، لاسيما مع حادثة محاولة اغتيال الرئيس جمال عبدالناصر وعرفت بحادثة المنشية التي القي بمسؤوليتها على حركة الاخوان، وكان من نتيجتها اعتقال معظم قياداتها، وتم الزج بهم في السجون، لتصبح سمة التضييق والسجن هي اهم ملامح فترة حكم عبدالناصر حتى وفاته عام 1970، وقد شكل اعدام سيد قطب احد ابرز مفكري الحركة عام 1966 احدى العلامات الفارقة في تاريخ الحركة او في علاقتها مع السلطة.
بيد انه ومع وصول السادات ورغبته في مواجهة التيارات الماركسية واليسارية والقوى المنائة الاخرى، شهدت علاقة الاخوان مع السلطة تحسن متسارع،لاسشيما مع وصول عمر التلمساني الى موقع المرشد العام للاخوان عام 1971، كان من نتيجيته اطلاق عدد كبير من قادة الاخوان واعضائها، ومنحت الحركة حرية واسعة استطاعت من خلالها توسيع قاعدة جماهيريتها، مع امتداد المد الاسلامي على نحو غير مسبوق، كان للاخوان فيها النصيب الاكبر بفعل حسن تنظيمهم وخبرتهم التاريخية.
الان ان توقيع الرئيس المصري السادات لمعاهدة السلام مع اسرائيل عام 1977، وموقف الاخوان السلبي منها قد ادى الى الصدام والذي ظهر جليا حين اتهم السادات علنا حركة الاخوان عام 1979، باثارة الفتنة الطائفية والتخريب والعمالة وإثارة الطلبة على السلطة، ثم توجت هذه العلاقة المتوترة بإعتقال المرشد ومع مجموعة من اعضاء التنظيم ومعهم طيف واسع من الوان المعارضة الاخرى والتي عرفت بواقعة 3 سبتمبر عام 1981، ولم يطلق سراح المرشد الى بعد اغتيال السادات الذي قيل انه دفع حياته نتيجة خطأين اساسيين، انه سمح بتغول التيار الديني الى درجة الانقلاب عليه، والثاني حينما اقدم على قمع المعارضة وسجن رموزها في 3 سبتمبر.
وبعد مجئ الرئيس حسني مبارك اطلق سراح معظم قادة المعارضة ومنهم مرشد الاخوان وكثير من اعضاء الحركة وشهدت العلاقة مع السلطة تحسنا ملحظوظا وحاول الاخوان اعادة ترتيب البيت الداخلي لهم، وفي عام 1986 تولي محمد حامد أبو النصر قيادة الاخوان اثر وفاة التلمساني، وشهدت فترته هدوءا نسبيا في علاقة الاخوان بالسلطة رغم جسامة الاحداث الداخلية والخارجية،الا ان الصدام مع السلطة وقع في اخر عهده وبالتحديد في عام 1995، إذ بلغ التوتر في العلاقة بين الإخوان المسلمين والحكومة المصرية مداه واعتقل 33 قيادياً في حركة الإخوان حكم علي 20 منهم بالسجن بمدد تتراوح بين الثلاث والخمس سنوات وحصل 13 معتقلاً علي البراءة، وبعد وفاته عام 1996 انتخب مصطفى المشهور مرشدا عام،وشهد عده ف سلسلة من المحاكمات العسكرية استمرت لغاية 2001، وبعد وفاته عام 2002 خلفه مأمون الهضيبي لمدة عامين، وقد أثارت مواقف الهضيبي من الاقباط لغطا كبيرا حينما وصفهم بالخونة وطالب بعدم اشراكهم في الجيش والاستعاضة عن ذلك بدفع الجزية، وبعد وفاة الهضيبي عام 2004 انتخب محمد مهدي عاكف الذي يحسب له ان الحركة حققت مكاسب سياسية منذ توليه منصبه ما لم تحققه في اي وقت مضى، لكن ونتيجة لصرعات داخلية عصفت بالحركة اقدم عاكف على تقديم استقالته، ليتم انتخاب محمد بديع بدلا منه عام 2010 والذي هو المرشد الحالي لغاية الان.
ان المتتبع لتاريخ الاخوان وموقفهم من المشاركة السياسية، يجد ان هناك ميلا عاما لللانغماس في المجال السياسي، فقد رشح حسن البنا نفسه فى انتخابات 1942 ولكنه انسحب قبل اجراءها وفى عام 1944 كرر ترشيح نفسه مع 17 عنصر من الجماعة ولكنه فشل فى الوصول الى البرلمان، ومع السماح للتعددية الحزبية في منتصف السبيعينيات من القرن الماضي شارك الاخوان في جيمع الإنتخابات، بإستثناء الإنتخابات الأولى عام 1976 وكذلك عام 1990 التى قاطعتها جميع الأحزاب، وقد تحالف الاخوان مع حزب الوفد فى انتخابات 1984 وقد حصلوا على حوالى 15% من أصوات الناخبين ومع حزبى العمل والأحرار عام 1987 ونالوا على 17% من مقاعد البرلمان ثم فى انتخابات 2005 حيث تم المشاركة فيها بعناصر مستقلة لتحصل على 20% من الأصوات منفرده، وبمجموع 88 مقعدا، اما في إنتخابات عام 2010 فقد خاضت الجولة الأولى ولم تحصل على أى مقعد وانسحبت فى الجولة الثانية،حيث اتهمت السلطة بعدم النزاهة والحياد، كما سعت الحركة للسيطرة على مجالس النقابات المهنية المختلفة محققة اختراقات كبيرة ولكنها فشلت فى الإمساك بالنقابات العمالية.
وينبغي الملاحظة هنا، ان تعامل السلطة مع حركة الاخوان، يغلب عليه سمة الانفتاح في بدء الحكم ليتحول لاحقا الى تشدد وتضيق الخناق، وهي سمة سادت تعامل جميع الرؤساء سواء في عهد عبدالناصر او السادات او حسني مبارك، وهذا يدعونا الى الاعتقاد ان العلاقة الجيدة التي تربط بين المجلس العسكري وحركة الاخوان يمكن ان تتحول بين ليلة وضحاها الى علاقة عداء. إذ يدرك المجلس العسكري ان للاخوان دورا كبيرا في ضبط حركة الشارع من عدمه نظرا للقدرة التنظيمية الكبيرة وتمتعه بقاعدة شعبية متنامية، وبالتالي فهم يرون حاجة ماسة الى التحالف مع الاخوان ومن هنا يسهل علينا فهم هو ميل المجلس العسكرى لتقديم تنازلات إلى حركة الإخوان، وبالمقابل يدرك الاخوان ان تحالفهم مع المجلس العسكري يحقق لهم عدة اهداف في آن واحد، إذ ان حاجة المجلس لهم يجعلهم في موقع تفاوضي جيد يتيح لهم فرض بعض الشروط على المجلس وهو ما تحقق في اكثر من مناسبة سواء لموعد الانتخابات او على النظام الانتخابي وغيرها. كما ان التحالف مع المجلس سيعزز الاستقرار نسبيا ويتيح اجراء الانتخابات في وقتها وهو مايعده الاخوان مكسبا نظرا للصعود المتنامي في شعبيتها مع عدم تمكن القثوى الاخرى المنافسة من تنظيم نفسها على نحو مؤثر.
بيد ان هذا التحالف مر بعدد من الازمات والتقاطعات وقاد الى ومحاولة كل طرف فرض ارادته على الاخرفي قايا معينة، إلا ان ذلك بقي الى لان تحت السيطرة نسبيا وضمن اشتراطات اللعبة السياسية المقبلوة نسبيا.
ان التحول الكبير الذي طرأ على السلوك السياسي لجماعة الاخوان المسلمين تمثل اساسا في الرغبة العارمة على استثمار لحظة الاخوان من اجل الهيمنة على المشهد السياسي العام على نحو مطلق، من خلال الهيمنة على البرلمان ورئاسته ولجانه، ثم على تاسيسية الدستور، وعلى منصب رئاسة الوزراء، واخيرا على رئاسة الجمهورية بعد ان وعد الاخوان سابقا كبادرة حسن نية لبقية الاطراف السياسية والى الخارج بعدم الدفع لمرشح من داخل الجماعة الى هذا المنصب، هذا التراجع اثار حفيظة الاطراف السياسية الاخرى، وبدا جمهور واسع يتسائل هل مصر مقبلة على نوع من الاستبداد الديني بديلا عن الاستبداد السياسي، إذ ان ما تقدم عليه الجماعة هو بمثابة استنساخ لتجربة مبارك وحزبه لكن بغطاء ديني.
ان الذي دفع اخوان مصر الى ترشيح مرشح للرئاسة ينبع من اسباب عدة لعل من اهمها، الثقافة الشرقية المتلهفة على السلطة ومغانمها وهي ثقافة الاستيلاء مهما كان نوع الطرف السياسي سواء أكان دينيا ام علمانيا. ويبدو ان اخوان مصر سائرون باتجاه التمسك بهذه الظاهرة بالرغم من انهم اكثر الاطراف تضررا منها في الماضي، وثانيا الغرور والشعور بالقدرة المتناهية على الحصول على اي منصب بعد الاكتساح الكبير لمعظم الانتخابات التي جرت مصر بعد الثورة، وكذلك رغبة الاخوان بان يكون الرئيس متماهيا لا متقاطعا مع رئاسة الوزراء والبرلمان، وافضل خيار لتحقيق ذلك هو تقديم مرشحا من بني جلدتهم.
وفي هذا يختلف السلوك السياسي لاخوان مصر عن نظرائهم في تونس، وهذا يعطي انطباعا ان اخوان مصر اذا ما استمروا على هذا النحو من السلوك فان الشارع المصري سينقلب حينها عليهم وان التعويل على نجاح اليوم لن يكون سببا كافيا امام الصعوبات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لديمومة هذا النجاح مستقبلا.
اخوان ليبيا والنحت في الصخر
اما بالنسبة لأخوان ليبيا فاول حراك واضح وعلني لهم بعد الثورة، ظهر حينما عقد مؤتمرا عاما لهم في تشرين الثاني /نوفمبر في مدينة بنغازي، وتم فيها اختيار قيادة جديدة يتزعمها بشير الكبتي خلفا لسليمان عبد القادر. وهو استاذ جامعي في الاقتصاد تخرج من الولايات المتحدة الامريكية وعاش فيها الى سقوط النظام، وقد اعلن الاخوان في ليبيا إنهم لن يؤسسوا حزبا، لكنهم يسمحون لأعضاء الجماعة بتكوين حزب وطني، ذي مرجعية اسلامية. مؤكدين في الوقت نفسه على ضرورة اتباع ما سموه النهج الوسطي ونبذ العنف.
ويبدو ان الاخوان قد قرروا الدخول في المعترك السياسي بحزب خاص يمثلهم، مع عدم الاعلان صراحة والقول بالسماح لاعضاء الجماعة لغرض اعطاء مساحة واسعة للمرونة من اجل ضم قوى ليست في خط الاخوان.
ويعود تاريخ الاخوان في ليبيا الى نهاية الاربعينيات من القرن الماضي حينما احتضنت ليبيا عددا من اخوان مصر وسمحت لهم بحرية الحركة وكان من ابرز هؤلاء عزالدين ابراهيم الذي كان الدور الكبير في تأسيس جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا في الخمسينيات من القرن الماضي، مع قيادات ليبية اخرى مثل عمر النامي فتحي حواس ومصطفى الجهاني، وكذلك ايضا عن طريق بعض الطلبة الليبين الذين ذهبوا إلى مصر للدراسة حيث تأثروا هناك بفكر الإخوان المسلمين.
بيد ان اول تشكيل حركي واضح ظهر عام 1968، وبعد انقلاب عام 1969 ظهرتحالف خفي بين القذافي وجماعة الاخوان تجلى واضحا من خلال توزير عدد من الاخوان في عدد من الوزارات الا ان هذه العلاقة الحسنة سرعان ما تراجعت عام 1973 حيث تعرض قيادات حركة الاخوان للاعتقال،استنادا الى القانون رقم 71 لعام 1972 وهو قانون تجريم الحزبية وتجريم وجود تنظيمات بشكل عام، الان انه الجماعة بقت تعمل في الخفاء وازداد نشاطها في الثمانينات والتسعنيات من القرن الماضي وادى تزايد نشاطهم الى ظهور حركة اعتقلات واسعة بين صفوفهم في عام 1999، ليتم الاعلان عن محاكمتهم في عام 2002،حيث حكمت المحكمة بالإعدام على المراقب العام للإخوان المسلمين انذاك الدكتور عبد القادر عز الدين أستاذ الهندسة النووية في جامعة الفاتح ونائب المراقب العام الدكتور سالم أبو حنك رئيس قسم الكيمياء بكلية العلوم جامعة قار يونس في بني غازي فيما حُكم على ثلاثة وسبعين متهما آخرين بالسجن المؤبد.
الا ان العلاقة بدات بالتحسن تدريجيا في الاعوام اللاحقة وحتى سقوط النظام، وعاد عدد لاباس به من قيادات الاخوان الى ليبيا، لكن مع قيام الثورة اتخذ الاخوان موقفا مؤيدا للثورة وضم المجلس الانتقالي اعضاء من الاخوان منهم من كان معروفا ومنهم لم يكن راغبا في اظهار انتمائه لحركة الاخوان.
ومع ان الاخوان المسلمين في ليبيا ليسوا بالقوة نفسها في مصر او تونس، الا انها تبقى الاكثر تنظيما من بقية الاطراف السياسية الاخرى، وكان ضغطها الكبير على المجلس الانتقالي دورا في تعديل قانون الاحزاب، الذي حظر إنشاء الأحزاب على أساس ديني في اول الامر، الا انه عدل ليتماشى مع رغبة التيار الديني، في ومن المتوقع ان يحصد الاخوان من المقاعد المائتين، سواء ضمن المقاعد ال(80) المخصصة للاحزاب او البقية المخصصة للمستقلين على نسبة كبيرة مستفيدين من الصعوط المتنامي لهم اقليميا ودعم الاخوان في مصر وتونس وبقية دول المنطقة. الا ان المهمة لن تكون بالانسيابية التي جرت في تونس ومصر.
[email protected]
التعليقات