التخبط، التسيب، الانفلات والعنف السياسي ظواهر استفحلت بشكل غير مسبوق في مصر في الفترة الماضية. ما شهدته منطقة العباسية الأسبوع الماضي من اشتباكات بين أنصار الشيخ حازم صلاح أبو اسماعيل أو من يطلقون على أنفسهم لقب الـquot;حازمونquot; والقوات المسلحة دليل على هذه الظواهر وشاهد على أن ما ينتظر مصر لا يبشر على الإطلاق بأي خير. ورغم أن الاشتباكات المسلحة أصبحت أمراً شبه عادي في مصر اليوم إلا أن اشتباكات العباسية تعد الأبرز والأخطر. جاءت اشتباكات العباسية بين رجال أبو اسماعيل من طرف والقوات المسلحة من طرف أخر بسبب محاولات أنصار رجل الدين المتحول إلى السياسة اقتحام مقر وزارة الدفاع رداً على استبعاده من سباق رئاسة الجمهورية. وتنبع خطورة الاشتباكات في أنها توضح أن الأطراف السياسية ذات الخلفية الدينية لن تقبل إلا بما ترتضيه ويتفق مع مشيئتها مهما كلفها هذا الأمر من ثمن، وحتى ولو كان هذا الثمن مصر نفسها.

هناك أطراف مسؤولة عن الحال الذي تردت إليه مصر اليوم والذي أغرى رجال حازم أبو اسماعيل للهجوم على مقر وزارة الدفاع دفاعاً عن قضية باطلة. الطرف الأول، من دون شك، هو المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي لا يحكم ولا يدير ولا يتصرف ولا ينصرف. المجلس يترك الأمور تدير نفسها كما لو كانت مصر غابة كبيرة يسكنها تسعون مليون أنساناً متوحشاً يتوجب عليهم القتال والانتصار يبقى للأقوى والقادر على الإيقاع بأكبر أعداد من الفرائس. وقد قدم المجلس العسكري أمثلة كثيرة على ضعفه وخنوعه أمام التيارات الدينية، وكان أخر هذه الأمثلة حين لم يتصد المجلس للشيخ حازم أبو اسماعيل حين ثبت أنه كذب وأخفى حقيقة جنسية والدته عن المصريين وعن اللجنة المنوط بها تلقي وفحص أوراق مرشحي الرئاسية. كان عدم تقديم أبو اسماعيل للمحاكمة بتهمةإخفاء الحقيقة أو بتهمة تعكير سلامة الوطن دليلاً على ضعف شخصية المجلس العسكري.

الطرف الثاني المسئول عن الأحوال المتردية هو جماعة الإخوان المسلمين التي تفهم السياسة على أنها الحرب ضد كل التيارات السياسية الاخرى حتى الفوز بكل الكعكة السياسية. الإخوان يتحملون جزءاً كبيراً من المسئولية بشأن الأوضاع المتردية في البلاد لأنهم لا يسعون لاستقرار مصر بقدر ما يسعون للسيطرة على مصر. مصلحة مصر لا يبدو لها أثر في جدول أولوياتهم السياسية بقدر ما يبدو هدف إخضاع مظاهر الحياة لإدارتهم. حطم الإخوان، بعد عام واحد على صعودهم إلى صدارة الحياة السياسية، صورتهم الثورية الاولى التي سعوا بكل طاقتهم لأن تكون جذابة ومعتدلة.

كسر الإخوان كل أسس الخطة السياسية الانتقالية التي سنوها مع المجلس العسكري فور تنحي الرئيس السابق حسني مبارك. فبعد أن وعدالإخوان بالمنافسة على ٣٠ بالمائة من مقاعد البرلمان، ألقوا بوعدهم في سلة القمامة ونافسوا على معظمها. وبعد أن أقسم الإخوان بعدم ترشيح أحدهم لمنصب الرئاسة، خالفوا قسمهم وقدموا خيرت الشاطر كمرشح أساسي ومحمد مرسي كمرشح احتياطي. لم يكن تخلي الإخوان عن وعودهم بسبب التغيرات على الساحة الوطنية كما يزعمون، ولكنه كان بسبب مطامعهم السياسية التي لا يوجد لها سقف. ولم يتوقف الإخوان عند هذا الحد لكنهم اليوم يقودون تمرداً على المجلس العسكري لا يعلم أحد إلى أين سيقود البلاد.

في ظل ضعف المجلس العسكري وغياب الموضوعية والعقلانية عن التيارات الدينية، لم يكن غريباً ما فعله رجال الشيخ حازم أبو اسماعيل في منطقة العباسية. ما حدث هناك يستحق وقفة طويلة أمامه لأنه إن لم تجد الأطراف التي ترفض الالتزام بقواعد اللعبة السياسية من يتصدى لها سيصبح ما حدث في العباسية أمراً عادياً وسيتكرر بمناسبة وبغير مناسبة في المستقبل القريب. من المؤكد أن التيارات الدينية هي التي تشكل الخطر الاكبر على مصر اليوم. الإسلاميون بكافة تصنيفاتهم هم الصوت الأعلى اليوم، وهم قادرون على إثارة القلاقل في مصر إن لم تسر الأمور على هواهم. ولا يساورني الشك في أن ما حدث بالعباسية الأسبوع الماضي سيتكرر إذا ما جاءت انتخابات الرئسة بما لا يرضي الإخوان المسلمين أو السلفيين أو الجماعات الإسلامية الإخرى.

مصر اليوم تقف في مفترق طرق جد خطير، وهي أشد الحاجة إلى الجدية والحسم والصرامة في التعامل مع العنف السياسي والخروج عن القانون. الإدانة وحدها لا تكفي لمواجهة ما قام به أتباع الشيخ حازم صلاح أبو اسماعيل من أعمال بلطجة وإرهاب في منطقة العباسية. المثول أمام العدالة الحاسمة والقاطعة يجب أن تكون مصير كل من شارك في المعركة. المثول أمام العدالة هنا ليس بسبب التظاهر، فهذا أمر مكفول للجميع لو كان سلمياً، ولكنه لاستخدام العنف في الدفاع عن قضية باطلة. كان رجال أبو اسماعيل يعون تماماً أن رجلهم بلا مصداقية، حتى بين إخوانه من الإسلاميين، لأنه تقدم للترشح لمنصب الرئاسة رغم علمه بعدم أحقيته بسبب حصول والدته على جنسية أولاد العم سام الكفرة، كما يؤمن أبو اسماعيل وغيره من الإسلاميين.

المثول أمام العدالة يجب أن يكون أيضاً مصير الكثيرين ممن يطلقون على أنفسهم لقب ألقاب من نوعية quot;ثوارquot; أو quot;يساريينquot; أو quot;فوضويينquot; من الذين شاركوا أتباع حازم أبو اسماعيل غزوتهم الفاشلة لمقر وزارة الدفاع. ولعل تحالف هؤلاء مع أولئك في ارتكاب أعمال العنف بمنطقة العباسية يسقط للأبد عن الثوار المزيفين ورقة التوت التي ظلت تستر عوراتهم منذ اندلعت الثورة. فقد أثبت هؤلاء الثوار المزيفين أنهم أناس بلا مباديء فكرية أو أيديولوجية أو سياسية ثابتة. أكد الثوار المزيفون أنهم يركبون أية موجة وأنهم مستعدون للتحالف مع الشيطان لتحقيق النتائج التي يريدونها.

لقد استخدم رجال حازم أبو اسماعيل العنف للدفاع عن الباطل، وأثبتوا أنهم حازمون في مسألة إسقاط مصر وعازمون على تدميرها وإفشال محاولتها الانتقال من حكم الفرد إلى النظام المتعدد الديمقراطي الذي يرعى الجميع ويظللهم بالحقوق والعدالة والمساواة. ومن المؤكد أنه لا يجب أبداً أن يتم التسامح مع مثل هذه الجماعات. هم سيحرقون مصر بمن فيها إن لم تسر البلاد على هواهم. وإذا أراد المجلس العسكري أن يصلح ما أفسده خلال الشهور الخمسة عشر الماضية عليه الآن أن يتوقف عن اللعب بالنار واستخدام سياسة المهادنة مع التيارات الدينية. عليه الآن أن يحيل الشيخ حازم أبو اسماعيل ورجاله إلى محاكمة عاجلة بسبب ما ارتكبوه لأنه ماذا ينتفع مصر إذا ربحت الـquot;حازمونquot; العازمين على تدميرها وخسرت نفسها؟

[email protected]