يضاف الخلاف على اسم الممر المائي بين ايران والدول العربية الى خلافات اخرى قائمة بين ايران وجيرانها العرب. منذ اكثر من خمسين عاما والخلاف موجود في تسمية هذا الممر المائي الذي تصفه ايران بالخليج الفارسي، والعرب بالخليج العربي. وتشتد الخلافات في هذا المجال كلما تتصاعد الاحاسيس القومية بين كل من الفرس والعرب.
وفي الايام الاخيرة شكى الفرس من أن خدمة الخرائط التي يقدمها موقع غوغل لاتحوي اسما للخليج المائي الذي توجد على ضفافه ايران وسبع دول عربية.
وردا على هذه الشكوى، صرح مسؤول في غوغل لبي بي سي بأن موقع غوغل لم يغفل وضع اسم على هذا الخليج فقط، ولكن هناك أماكن أخرى حول العالم لم تعرفها غوغل، دون أن يذكر مثالا على ذلك. وبي بي سي نفسها تستخدم في اعلامها العربي اسم الخليج العربي، وفي اعلامها الفارسي اسم الخليج الفارسي.
وكان موقع مجلة ناشنال جيوغرافيك العلمية الالكتروني أطلق في العام 2004 على الخليج، الى جانب الخليج الفارسي، تسمية الخليج العربي، ما عرضها لهجوم عنيف من الإيرانيين، حيث في النهاية تراجعت المجلة الامريكية الواسعة الانتشار وعادت لتستخدم quot;الخليج الفارسيquot;.
ولاتنحصر الخلافات بين ايران والدول المجاورة لها في الخليج على اسمه، بل يتسع الخلاف ليشمل الجزر الثلاث، ابوموسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى، التي تصفها الامارات بانها محتلة من قبل ايران.
وتضاف على هذه الخلافات، قضايا مذهبية كالخلاف السني ndash; الشيعي، وسياسية كالملف النووي الايراني المثير للجدل وماشابه ذلك من امور.
وقد وجهت دوما النقد للمثقفين الفرس لإزداوجيتهم في تسمية الاماكن الطبيعية والجغرافية، اي انهم يؤكدون على تاريخية اسم الخليج الفارسي من جهة ولم يعترفوا بتسميات عربية تاريخية في اقليم عربستان غيرها النظام البهلوي البائد (1925 ndash; 1979). واشير هنا الى قيض من فيض: اسم اقليم عربستان تحول الى محافظة quot;خوزستانquot;، ومدن عبادان والمحمرة والخفاجية والفلاحية ومعشور والخلفية والقصبة الى quot;آبادانquot; وquot;خرمشهرquot; وquot;سوسنجردquot; وquot;شادغانquot; وquot;رامشيرquot; وquot;اروندكنارquot;. وقاموا ايضا بتغيير quot;هور دورقquot; الى quot;هور شادغانquot;. ولم تسلم القرى والاحياء والشوارع والازقة من التفريس. بل الاسوأ من ذلك اخذوا يستخدمون اسماء معادية للعرب لبعض الشوارع في المدن العربية. مثلا هناك شارع في مدينة الاهواز يوصف بشارع quot;بورداودquot; وهو كاتب وباحث عنصري معادي للعرب عاش في العهد البهلوي. كما غيروا اسم حي quot;ام الدعاليquot; في الاهواز العاصمة الى quot;زردشتquot; وهو نبي المجوس.
ومنذ سنوات تحولت مباريات كرة القدم بين ايران والدول الخليجية الى مصدر للعداء بين الفرس والعرب، خلافا لما اريد لها ان تكون مصدر للصداقة بين الشعوب. وفي العام 2010 خلال مباراة لكرة القدم بين فريقي السعودية وايران في ملعب مدينة اصفهان ndash; وسط ايران ndash; ردد نحو 50 الف متفرج، شعارات مسيئة للعرب يندى لها الجبين. هذا ما ادى بمؤسسات مدنية اهوازية واتحاد كرة القدم السعودي الى رفع شكاوي ndash; كل على حدا - الى اتحاد كرة القدم العالمي (فيفا) احتجاجا على تسييس مباريات كرة القدم واسائة العرب. وقد وعدت السلطات الايرانية بعدم تكرار الحادث بعد تسلمها تنويه من quot;فيفاquot;، غير ان الامر تكرر في مباريات فريقي برسبوليس الايراني والهلال السعودي يوم الثلاثاء 12/5/1وتحول ملعب quot;آزاديquot; في طهران وكانه ساحة معركة قومية، ترافقت مع هتافات تشبّه العرب بالحيوان. وهذا ما نشهده في كل مباريات تتم بين ايران والدول العربية الخليجية. كما ان الصحف الفارسية في طهران وبعد كل مباريات بين ايران والدول الخليجية، توجه نيرانها المشفوعة بالعنصرية الى العرب ككل ولم تستثني احدا منهم. فاذا اضفنا الى ذلك، ما ينشر من تحقير واسائة للعرب في المواقع والكتب التاريخية والسياسية والروايات الفارسية وكذلك القنوات التابعة للملكيين والقوميين الفرس في الخارج، نرى حجم المد العنصري المعادي لكل ما هو عربي في ايران. ورغم انتقاد بعض الاقلام الايرانية المنصفة ndash; وهي قليلة جدا ndash; لهذا المد وتذكر الراعين لهذا الخطاب العنصري المعادي للعرب بوجود ملايين من المواطنين العرب في اقليم عربستان ايران غير انه لم يشهد انحسارا بل انه في تصاعد، وذلك بسبب سياسات الحكومة الايرانية المثيرة التي تحتاج الى اثارة مثل هذه الاحاسيس القومية لترحيل مشاكلها الاقتصادية والسياسية الى الخارج. ولم تسعفها في ذلك الايديولوجية الدينية، منذ ان فقدت بريقها و تاثيرها وقوتها في تعبئة الجماهير ووجود قوى قومية فارسية تساند الحكومة رغم ادعائها بمعارضة النظام الايراني.
والملفت ان فئات وقوميات غير فارسية في المجتمع الايراني لم تساير القوميين الفرس في عدائهم للعرب، لكن لم يسمع العالم الخارجي صوتها بسبب هيمنة الخطاب الفارسي واستئثار النخبة الفارسية لمعظم وسائل الاعلام في داخل ايران وخارجها. واهم تحدي لهذا الخطاب المعادي للعرب جاء من الاتراك الاذريين الذين يشكلون نحو ثلث سكان البلاد. اذ اخذوا يستغلون مباريات كرة القدم للتعبير عن طموحاتهم القومية المقموعة من قبل السلطات الحاكمة في طهران. وقد تحولت مباريات فريقهم المفضل ndash; فريق تراختور في مدينة تبريز ndash; مع سائر الفرق الايرانية الى ساحة لترديد الشعارات التي تطالب بحقوقهم القومية المهضومة. بل والاكثر من ذلك اخذوا يتعاطفون مع العرب ويرددون هتافات مساندة لهم وفقا لمبدأ عدو عدوي صديقي او لسبب تضامنهم مع الاقلية العربية في ايران. وقد ردد الالوف من الاذريين في يناير الماضي خلال مباراة فريقهم المفضل quot;تراختورquot; مع احد الفرق الايرانية، شعارا باللغة الاذرية هو quot;اورمو، خزر بیزیمدی، خلیج عربلریندیquot; اي بحيرتي quot;اورميةquot; وquot;قزوينquot; لنا والخليج للعرب.
ونرى على الشبكات الاجتماعية في الانترنت، التململ المتزايد بين الاذريين والاكراد والعرب والبلوش مما يصفونه بالاضطهاد القومي وهم لايأبهون بما تقوم به الحكومة الايرانية من اثارة للمشاعر القومية في ايران بما في ذلك زيارة الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد الى جزيرة ابوموسى. ويمكننا القول انه لاول مرة بعد تأسيس الدول الايرانية الحديثة خلال العقود التسع الماضية، نشاهد عزوف فئات شعبية ونخب تابعة للقوميات غير الفارسية من الخطاب القومي السائد في ايران وهو فارسي بطبيعته. ضف الى ذلك بعض المثقفين والصحفيين الفرس الذين يدركون نوايا النظام الحاكم في ايران في استغلال المشاعر القومية لإبناء جلدتهم. وكان للنخبة العربستانية وخاصة quot;مركز مناهضة العنصرية ومعاداة العرب في ايرانquot; دورا هاما في الكشف عن الخطاب العنصري المعادي للعرب بين الاوساط الحكومية والمعارضة الايرانية على حد سواء.
ورغم استغلال ايران للثغرات المذهبية والقومية في المجتمعات الخليجية لم يهتم العرب باخبار الشعوب غير الفارسية ونضالها من اجل التكافؤ في الحقوق السياسية والثقافية واللغوية. وتشهد الساحة الايرانية، ثغرات قومية وإثنية تقسم المجتمع الايراني الى قوميات مختلفة ومتخاصمة بالقوة، يمكن ان تصل الى مرحلة العداء الحاد، اذا اشتدت التناقضات بين القوميات غير الفارسية من جهة والنظام الايراني التسلطي ذات النظرة الشوفينية من جهة اخرى.
ويبدو ان السلطات الايرانية تعرف حق المعرفة مدى خطورة الثغرات القومية والاجتماعية والطبقية التي يعاني منها المجتمع الايراني والتي تهدد ndash; اذا اتسعت ndash; النظام برمته. ولهذا يحاول النظام الايراني ان يحول الصراع الاثني والاجتماعي والطبقي في الداخل الى صراع خارجي، صراع مع الاخر؛ وما هو افضل من العرب الذين توجد خلفية تاريخية معادية لهم في عقلية الفرس وخلافات جغرافية وسياسية منذ عهد عبدالناصر وعبدالكريم قاسم حتى الحرب العراقية ndash; الايرانية في عهد صدام حسين.
bull;باحث وناشط سياسي من عربستان
- آخر تحديث :
التعليقات