تتضارب التصريحات و تتناقض و تتباين و تشهد تصعيدا دراميا غريبا من نوعه لم يسبق لها وان مرت به منذ إرساء دعائم العملية السياسية لمرحلة ما بعد حکم الرئيس الاسبق صدام حسين، لکن هذا التصعيد الذي يتعلق بصورة مباشرة بالاطراف السياسية العراقية الممختلفة لا يمکن الجزم بعدم علاقته او تأثره بعوامل خارجية.

الربيع العربي الذي إجتاح المنطقة و تسبب بسقوط العديد من الانظمة العربية، شهد صعودا مميزا للدور الترکي ولاسيما بعد أن نجح حزب العدالة و التنمية ذو التوجهات الاسلامية من تحقيق مايمکن تشبيهه بالمعجزة الاقتصادية في ترکيا، و يبدو أن ترکيا التي طمحت بدور مميز لها في ليبيا، من حقها أن تفکر بأکثر من ذلك لو تعلق الامر بالعراق، وان إحتضانها و رعايتها للعديد من المؤتمرات و الاجتماعات السياسية المتعلقة بالعراق و إستقبالهاquot;الملحوظ جداquot;لشخصيات سياسية عراقية مختلفة(و آخرها طارق الهاشمي نائب رئيس الجمهورية)، من شأنه أن يحدد شکل و مضمون التوجه الترکي الجديد بهذا الخصوص.

دور النظام الايراني الذي تفاقم منذ سقوط النظام العراقي السابق، بحيث وصل الامر بالعديد من الاطراف السياسية و الاستخبارية في المنطقة و العالم الى إطلاق لقب المستفيد الاکبر من التغيير الذي حدث في العراق بعد 9 نيسان عام 2003، هو دور يتجاوز الدور الترکي بأشواط کثيرة، وهو من القوة بحيث ينافس الدور الامريکي و يبزه و يبتزه في الکثير من الاحيان، لامراء من الاقرار بإنه يلعب الدور الاکبر في المشهد السياسي العراقي و العملية السياسية برمتها بصورة عامة.|

نوري المالکي رئيس الوزراء العراقي، الذي إنبرى خلال الايام الماضية لخصومه و مناوئيه بالتأکيد على أنه ليس هنالك من أزمة سياسية في العراق وانما هو أمر مفتعل، جاء تصريحه هذا بعد زيارته الاخيرة لطهران و التي أثارت جدلا واسعا خصوصا عندما لم يرفع العلم العراقي الى جانب العلم الايراني خلال إجتماعه بقادة للنظام الايراني، بل وان عدم مبالاة و إستخفاف نوري المالکي و إئتلاف دولة القانون بالتيار المخالف لهم وصل الى حد مايمکن تشبيهه بنوع من السخرية بالاجتماع الخماسي الذي عقد في أربيل و الذي حدد مسارا و سياقا لما يجب على المالکي أن يضطلع به، وهو ماقد يمکن تفسيره بأن المالکي قد يلجأ الى تعليق الدستور او شئ آخر من هذا القبيل، لکن هناك ثمة تساؤل مهم يطرح نفسه وهو: هل يمکن للمالکي القيام بأمر من هذا القبيل بدون ضوء أخضر او على الاقل موافقة ضمنية من واشنطن على ذلك؟ لکن الولايات المتحدة التي صرحت بأنها لاتعارض مايحدث في العراق طالما جرى الامر بأجواء ديمقراطية يتناقض تماما مع الاحتمال السابق مع ملاحظة إزدواجية الموقف الامريکي و سعيه لحمل أکثر من بطيخة بيد واحدة.

خلال الاعوام الستة المنصرمة من حکم نوري المالکي، لم يسبق له و ان شهد هکذا موقف سياسي عنيف و متناسق الى حد ما بوجهه، وعلى الرغم من التصريح الغريب للمالکي بأنه ليست هنالك من أزمة سياسية عراقية وانما هو أمر مفتعل، لکن، خطواته التصعيدية و خصوصا زيارتهquot;الاستفزازيةquot; و quot;الاستعراضيةquot;لکرکوك، وتصريحاته المبطنة من هناك و قبلها و بعدها تصريحاته و تصريحات العديد من الشخصيات المحسوبة على قائمته، والتي تتجه کلها نحو الاستخفاف بکل مايجري من تحرك و نشاط سياسي مخالف للمالکي، تعطي إنطباعا واحدا فقط وهو عزم نوري المالکي على البقاء في السلطة رغم أنف الجميع و يبدو أنه يريد أن يلمح الى انه سيعيد سيناريو عام 2009، عندما نجح في جعل خسارته فوزا و فوز أياد علاوي خسارة بواسطة الدور الذي قام به النظام الايراني وقتئذ.

ماذا يريد النظام الايراني مقابل ماقدمه او سيقدمه من دعم لنوري المالکي؟ سؤال وجيه يتحدد بثلاثة محاور اساسية هي:
ـ إغلاق معسکر أشرف و التضييق على مخيم ليبرتي.
ـ المساعدة في الالتفاف على العقوبات الدولية المفروضة على طهران.
ـ دعم نظام بشار الاسد و مساعدته للوقوف بوجه ثورة الشعب السوري.

ولو تمعننا في المحاور الثلاثة أعلاه لوجدنا أنها جميعها في خدمة النظام الايراني و تتعارض و تتناقض جميعها مع مصلحة العراق و أمنه القومي، لکننا نعود و نتساءل من جديد: الولايات المتحدة الامريکية التي تدرك قبل غيرها حقيقة التحالف القائم بين المالکي و النظام الايراني، ماهي غاياتها من غض الطرف عن هکذا لعبة خبيثة و مشبوهة؟