في الرابع و العشرين من شهر مايو/ أيار يكون قد مر عام كامل على إختفاء القيادي البعثي السابق و البارز شبلي العيسمي و الذي كان حتى عام 1992 نائب الأمين العام لحزب البعث في العراق ، ثم سرعان ما أعتكف و هجر الحزب و تخلى عن كل تاريخه الحزبي السابق وهو تاريخ قديم يعود لمنتصف إربعينيات القرن الماضي ، فالرجل كان يمثل ذاكرة حية لمرحلة من أشد مراحل التاريخ العربي المعاصر تشكلا و تعقيدا و حيوية و تداخلات ، و رغم أن الرجل كان على مشارف التسعينيات من العمر ، ورغم كونه قد تخلى عن العمل السياسي و الحزبي و إنتقد البعث إنتقادا مرا وقاسيا معبرا عن تبرمه و يأسه من إصلاح سيرة وتاريخ وممارسات ذلك الحزب إلا أن النظام السوري المجرم وهو يواجه إستحقاقات الثورة الشعبية المشتعلة ضده لم ينس أبدا ذكريات الماضي و خلافه مع رجل رحل عن سوريا منذ إنقلاب جماعة صلاح جديد و حافظ أسد و محمد عمران ضد القيادة القومية في 23 شباط/ فبراير 1966 و الذي فتح بوابة الجحيم و العذاب و التوريث على الشعب السوري الذي تحول لضحية ورهينة لصراع الضباط الأغبياء و الشرسين و المجرمين و بما كرس دكتاتورية فردية مستبدة تحولت لمافيا عائلية إرهابية مجرمة على يد المجرم المقبور حافظ أسد الذي أعلنها حربا شاملة على مختلف قوى و تيارات الشعب السوري ودشن دكتاتورية عائلية طائفية عشائرية ذات إيقاع خاص مرتبط أساسا بطبيعة إرتباطاته الدولية السرية و المشبوهة محولا سوريا العظيمة لمزرعة تتوارثها مافيا العائلة و العشيرة و الطائفة ، لقد تم إختفاء شبلي العيسمي من قلب جبل لبنان من مدينة عاليه وهو إختفاء لايمكن أن يكون سوى عملية إختطاف مخابراتية لم تعترف بها السلطات السورية مطلقا و لكن هنالك شواهد و أدلة تدعم نظرية الإختطاف لا بل أن مصير شبلي العيسمي وهو رجل كهل يقال أنه قد تحدد بعد أيام من ذلك الإختطاف وحيث أشارت المعلومات لوفاة الرجل في فرع المخابرات العسكرية في ( المزة )!!
وهي جريمة عادية يقترفها النظام السوري المثقل بأوزار مجازر وجرائم تاريخية رهيبة ضد الشعب السوري و الشعب العربي في لبنان و العراق و فلسطين ، ففروع مخابراته العديدة و المشفرة لها تاريخ حافل مع تلك الشعوب ، ولكن تلك الجريمة ليست عملية تصفية سياسية كثيرا ما تكررت على الأرض اللبنانية منذ سنوات طويلة وحيث تمارس المخابرات السورية وبمساعدة العصابات اللبنانية المرتبطة بها نشاطا إجراميا هائلا ويفوق الوصف ، إنها بإختصار عملية إرهاب دولة ضد سيادة بلد مستقل وهو لبنان و ضد مكون رئيسي من مكوناته وهي طائفة الموحدين الدروز التي ينتمي لها العيسمي و التي خطف من بين ظهرانيها وفي معقلها اللبناني وهو ما يطرح مليون علامة إستفهام ؟ ترى ماذا كانوا يريدون من شبلي العيسمي و الرجل قد تجاوز حتى سن التقاعد ويعيش أخريات أيامه حزينا بائسا من تجارب الماضي البعثي المره كرفيقه الراحل منيف الرزاز صاحب كتاب التجربة المرة التي عاشها مرتين مرة في الشام تحت سطوة ضباط اللجنة العسكرية المجرمين ، ومرة في العراق تحت سطوة البائد صدام حسين الذي مارس تصفية حزبية داخلية رهيبة أسوة بخصمه اللدود حافظ أسد، فأهل الإستبداد لايفضلون شركاء في السلطة بل يسعون لتحويل الناس و الرفاق لعبيد وهذا ماحصل في تجربتي البعث في سوريا و العراق للأسف ، ولكن لماذا تورط النظام السوري في سفك دماء أحد مؤسسي حزب البعث من الرعيل الأول في زمن لم يعد فيه ذلك القيادي البعثي محارب بل ألقى السلاح و تفرغ للذكريات و إجترار الباقي من أيام العمر؟
ولماذا حرصت المخابرات السورية على خطف الرجل و البلد يعيش على أصداء و ترددات ثورة شعبية عارمة لا علاقة لشبلي العيسمي بها أبدا من قريب أو بعيد ؟ والسؤال الأهم لماذا صمتت منظمات حقوق الإنسان و المنظمات الدولية ذات الصلة عن جريمة الإختطاف تلك ولم تحرك ساكنا ؟ تماما كما حصل مع نظام المقبور معمر القذافي حينما خطفت مخابراته من مصر المناضل الوطني الليبي منصور الكيخيا ولم يعثر له على أثر ؟ قبل أن تعرف المعلومات عن وفاته بعد الثورة الليبية التي أطاحت بنظام العقيد المعتوه و أبنائه القتلة ؟ لماذا يبدو النظام السوري مصونا محفوظا من المتابعة الجزائية الدولية عن جرائمه ضد السوريين من أطفال كما حصل مع الشابة طل الملوحي ثم أطفال درعا الذين فجروا شرارة الثورة و من شيوخ كما حصل مع شبلي العيسمي و آلاف الشهداء في الداخل السوري و مع نسوة وحرائر لم يتورع نظام الجريمة الوراثي عن قتلهن بدم بارد ؟ أين العدالة الدولية المفترضة ؟ ثم ماذا عن الحكومة اللبنانية التي صمتت عن إنتهاك سيادتها المفجع؟
بل الأدهى و الأمر ماذا يقول حسن نصر الله وهو ينبح بكرة و أصيلا دفاعا عن قتلة الشام بمأساة عائلة شبلي العيسمي ؟ هل ينكر الرفيق حسن نصر الله واقعة الإختطاف و يحمل ( الجن ) المسؤولية دفاعا عن المقاومة و الممانعة ؟.. لقد أثبت التاريخ بإن النظام السوري لايرعى حرمة لا لبعثي و لا لأي إتجاه و لا لأي عنصر أو مكون ، نظام مجرم أدمن القتل و الخطف و التغييب و التعذيب و التصفية الشاملة لحد إبادة المدن بأكملها.. لقد ذهب دم القيادي البعثي شبلي العيسمي وهو في شيخوخته و عزلته قربانا لمعبد الحرية الذي تشيد أركانه في سوريا الثورة ، وسيشاهد العالم قريبا مصارع الطغاة وفضيحتهم و بهذلتهم أمام محاكم الشعب السوري.. وما ذلك على الله بعزيز، ستقصم ظهور الجبابرة.. ذلك هو الوعد الحق.
التعليقات